** وأخيراً وجدتها !!!!لم أخرج من الحمام أصيح بأعلى صوتي : وجدتها ... وجدتها- كما فعل ارشميدس- فأنا قد وجدتها في مكان أرقى من ذلك.فلقد كنت في غرفة نومي واضعاً رأسي على وسادة طرية، مستغرقاً في التفكير بخصوص مشكلة واجهتني في عملي، أحاول البحث عن طريقة لحلها .. وبينما أنا أسبح في بحر الخيال أنسج حبال النجاة؛ إذا بابني الرضيع يقطع حبل أفكاري ببكائه؛ فتهرع أمه لتهتم به، فتطعمه وتسقيه .. ثم تنصرف إلى شئونها، وأعود أنا لأوصل ما انقطع من حبل أفكاري وأستغرق ثانية أصارع مشكلتي وأقلبها مراراً، فإذا بصغيري يشتت تلك الأفكار بصراخه من جديد؛ فتهرول أمه لتهتم به وتغير ملابسة التي كان قد (....) ثم تنصرف هي إلى عملها فأعود أنا لألملم ما تشتت من أفكار ... وفي خضم ذلك شرد فكري ليعلق بدموع طفلي العجيبة .. نعم إنها عجيبة فقد حققت له كل مطالبه، فإذا أراد شيئاً أو واجه مشكلة ما؛ فما عليه إلا أن يبكي؛ فيهب إليه أحد الكبار مسرعاً لتلبية طلبه أو حل مشكلته مهما كانت مستقذرة .. وفي ذلك الأثناء انتفضت انتفاضة الأسد من مربضه، صائحاً بأعلى صوتي : وجدتها .. وجدتها.. وخرجت عدواً من غرفتي، فرحاً مستبشراً بحل مشكلتي .. فإذ بي أنصدم عند باب غرفتي بإحداهن، إلا أنها هذه المرة ليست أم طفلي، بل أمي أنا .. وإذا بها تطلق الإستعاذات والبسملات وتطلب منى أن أهدأ لتعرف ما بي !! فقلت لها وأنا أزهو طرباً: وجدتها يا أمي وجدتها !! فقالت ومن هذه سعيدة الحظ التي وجدتها في هذا الوقت المبكر يا ولدي؟؟ قلت لها وجدت لمشكلتي حلاً .. أو بالأصح هُديت إلى طريقة سحرية لحل كل مشكلة تعترض سير عملي .. وأردفت أقول : تصدقي يا أمي أن طفلي الصغير هو من هداني لهذه الطريقة، فما عليّ إذا كنت أريد حلاً لمشكلتي إلا أن أبكي ولكن من غير دموع .. إنها طريقة رائعة يا أمي رائعة !! قالت باستغراب : وأي طريقة هذه ؟؟ قلت : لقد أدركت أنه ليس علي أن أجهد نفسي في التفكير بحل أي مشكلة .. فكل ما عليّ إزاء أي مشكلة تواجهني إلا أن أعرضها على مدرائي في العمل، وأبين لهم حجم تلك المشلكة وتأثيرها عليّ وعلى العمل؛ ثم أترك الحل عليهم، لأنهم بلا شك أقدر مني على إصلاح الأمور .. وما كدت أنهي كلامي حتى كادت يد أمي تمتد لتصفعني، لولا أنها أحجمت عن ذلك في آخر لحظة، وكشرت في وجهي وقالت : إصح ياولدي .. وتحمل مسئولية نفسك، ودع التفكير بعقلية طفلك !!! .. ثم استطردت قائلة : صحيح أننا قد تعودنا جميعنا منذ ولادتنا، أننا عندما نريد شيئاً فما علينا إلا أن نبكي، وعندما مرت بعض سنوات من عمرنا كنا قد أُثبتنا على بكائنا آلاف المرات، ورسخت لدينا تلك القاعدة، فصار بكاؤنا حافزاً ليقوم الآخرون بالعطف علينا وتلبية رغباتنا !! .. نعم يا ولدي .. فقد تم فعلاً إثباتنا على بكائنا وأنيننا، ولعبنا دور الضحية بشكل رائع !! .. ولذا يجد الكثيرون صعوبة بالغة في تغيير هذه الطريقة خاصة في مجال العمل .. إذ يعتقد الكثير منا أن من يعلونا في الهرم الوظيفي هم الأجدر والأقدر عل ضبط الأمور حتى ولو كنا نحن جزء من السبب الذي أدى إلى حدوث المشكلة أو تفاقمها .. والشخص من هذا النوع - يا ولدي - عندما يفكر في البحث عن شخص آخر لحل المشكلة؛ إنما هو بمثابة الطفل الذي يقرر أنه قد حان وقت البكاء، لأنه في وضع يحتاج إلى أن يتهم به الآخرون ويعطفون عليه وينتبهون له . ولذا فأنت - يا ولدي - لست بحاجة للتفكير بهذه العقلية، فهذا النمط من التفكير يفقدك السيطرة على نفسك، ويضعف من شخصيتك !! فتحمل - ياولدي - مسئولية نفسك، ولا تمنح أحداً حق السيطرة على حياتك، ولا تخلع على أحد قوى سحرية لحل مشكلاتك غير نفسك معتمداً على الله ثم على قدراتك وطاقاتك.. وفي ذلك الأثناء - وبينما أمي مستغرقة في حديثها الشائق - سمعت صراخ طفلي؛ فالتفت إليه؛ فإذا به قد سحب لحافه فغطى به وجهه، فهرولت أمه كي تميط عن وجهه اللحاف، فأمسكت بيدها طالباً منها أن لا تفعل، وتدعه يتحمل مسئولية نفسه، فابتسمت ابتسامة الموافقة، واستمر طفلي بالبكاء إلى أن حرك أطرافه مراراً؛ فانقشع اللحاف عن وجهه، فنظرت إليه مبتسماً، فإذا به يبادلني الابتسامة .. فقمت على التو وقبلت رأس أمي.. www.muniralselwi.jeeran.com
|
اتجاهات
دبابيس من ذهب
أخبار متعلقة