بمشاركة 45 دولة اختتمت فعاليات مهرجان القاهرة الدولي السادس عشر لسينما الأطفال الذي قدم عروضه في المدة من 2 - 9 مارس 2006 كان من بينها 10 دول عربية هي: مصر سوريا ولبنان وفلسطين والعراق والكويت والمملكة العربية السعودية واليمن وتونس والمغرب. وقد تنافس المشاركون على الفوز بمسابقات المهرجان الخاص للأفلام الروائية الطويلة والقصيرة وأفلام الرسوم المتحركة والبرامج التليفزيونية، بالإضافة إلى جوائز وزارة الثقافة المصرية، بمشاركة 200 عمل فني. وقد تميزت الأعمال الفائزة من فئة الأفلام الروائية الطويلة بقوة الموضوع والحس الإنساني وتفوق الأداء التمثيلي للممثلين الأطفال، مثل الفيلم المغربي "زينة" والهولندي "بوكنر" والفنلندي "الرجل البجعة". كما تميزت الأفلام القصيرة الفائزة برسالتها السينمائية الواضحة التي تدعو للسلام ونبذ الحرب بأشكالها، مثل الفيلم اليوناني "زيتونات إلينى"، والفيلم الكندي "شجرة السلام"، والفيلم الألماني "المطر يسقط". كما قدمت هذه الدورة من المهرجان أعمالاً تميزت بالإبداع الفكري من حيث الفكرة المبتكرة وأسلوب كتابتها وتناولها دراميًّا، إضافة إلى تركيزها على صراع الخير والشر بما في ذلك من مغامرات ومطاردات وغموض. في حين جاءت الأعمال العربية مثل فيلمي "ابن الغابة" الكويتي و"قلوب بتحبك" المصري محملة بدعوة للتفكير والتعلم وإعمال العقل والتواصل مع ذوي الاحتياجات الخاصة ومشجعة على الابتكار. وتميزت الأفلام الروائية الطويلة عن القصيرة في قوة الموضوع والحس الإنساني المرتفع وتفوق الأداء التمثيلي في حين مالت الأفلام القصيرة إلى التسجيلية. كما طرح خلال أيام المهرجان سؤال: أين الإنتاج العربي المخصص للطفل؟ وإلى متى يستمر العرب في الاعتماد على فرق العمل والتمويل الأجنبي وبعضه يأتي ناطقًا بالأجنبية؟. الصراع وطريق الحبومن الأفلام المميزة المشاركة برز الهولندي "ليبيل" الذي تميز بالفكرة الخيالية المثيرة والجميلة، وحضور حياة طفل ذي التسع سنوات بعد الاختفاء الغامض لوالديه، حيث تتولى جدته الاعتناء به؛ المفاجأة السيئة التي تصدم المشاهد أنها تستخدمه كخادم، ليهرب منها ويبحث مع طفلة من أطفال الشوارع على أبوين جديدين. ومن أفلام الصراع الفيلم الفرنسي "أكيريكو والوحش" مدته 70 دقيقة إنتاج 2005، يتناول الفيلم قصة الطفل "أكيريكو" الذي يجلب المياه للقرية فيعم الخير في كل مكان ويقابل العديد من العقبات والمخاطر؛ إذ تحاول الساحرة الشريرة إيذاءه بينما تساعده الحيوانات والطيور الطيبة. الشيء نفسه تكرر في الفيلم الإيراني "البطة والفلاح" والذي يحكي عن فلاح يستغل العامل الذي يساعده والذي تجسده "بطة" تعمل في الحقل بينما الفلاح ينعم بالراحة، ونتيجة لذلك تقوم الحيوانات بمهاجمة الفلاح لتخليص البطة من بطشه، وهو عمل تميز بالبساطة والنبل ويعطي المشاهد درسًا في حسن معاملة الآخرين. وقد أبرزت الأعمال المشاركة التمايز الواضح بين أفلام الدول المتقدمة والنامية المشاركة؛ فقصص الأولى ومواضيعها تدور حول قضايا "تربوية"، مثل عدم فهم الكبار للأساليب السليمة للتعامل مع الأطفال، كما في فيلم "ليبيل" الهولندي أو ضرورة الحوار بين الكبار والأطفال كما في السويسري "الوعد" عن قصة أم شابة يتوفى زوجها تاركًا إياها مع طفلين، حيث يعاني الابن الأكبر من حزن عميق حيث تعمل والدته على مناقشة الأمر معه وتشرح له فكرة الموت، وهذا الأمر ينسحب على كثير من الأفلام القادمة من دول متقدمة. لكن الصورة جاءت مختلفة في الدول النامية التي دارت حول قضايا اجتماعية، مثل عمالة الأطفال كما يعرضها الفيلم السريلانكي المتميز "أجنحة الفراشة"، وهو فيلم روائي طويل يتحدث عن عمالة الأطفال في مجتمع الفقراء من الكادحين، حيث الآباء الذين يعانون من مشاكل صحية تضطر الأبناء للعمل. كما يطرح الفيلم بشجاعة مشكلة التحرش الجنسي التي يتعرض لها الأطفال والتي قدمها المخرج "سومارتن دساناياك" بنبل وعرضها بطريقة أخلاقية وغير مباشرة. ومن القضايا التي عالجتها أفلام العالم الثالث قضايا تحث على المحافظة على البيئة مثل تلك التي عرضها الفيلم الهندي "بيت الحلوى" الذي يعالج مشكلة الجفاف والتصحر. دعوه الى السلام وكان من اللافت للنظر في الأفلام المشاركة في مسابقات المهرجان تلك التي تناولت موضوعات حول مشكلات الحروب والدعوة للسلام والبُعْد عن الصراعات، سواء بين الدول أو ما يعرف بصراع الحضارات، ومنها الفيلم اليوناني الروائي المتميز "زيتونات إلينى". حيث ناقش الفيلم فكرة أنه عندما تنشب الحرب ماذا يمكن أن نأخذه معنا، وماذا يمكن أن نتركه خلفنا؟ وهي قصة الفتاة الصغيرة "إلينى" المغرمة بأشجار الزيتون لكنها تجبر على ترك قريتها بسبب الحرب. وهناك الفيلم التونسي "كأنه حلم" من إنتاج 2004 وإخراج خالد البرصاوي، والذي يقدم فكرة المقاومة ضد الاحتلال، والتخلص من الظلم من خلال صبي صغير يزور قبر والده، وفي الوقت نفسه تطارد قوات البوليس أحد الوطنيين الشباب؛ ليقوم الولد الصغير بتضليل رجال الشرطة ويتحمل كل النتائج. وكرّس الفيلم الكندي "شجرة السلام" الدعوة إلى التآخي والصداقة، عبر عرضه لحكاية فتاتين مسلمة وأخرى مسيحية وحلمهما بالاحتفال بأعيادهما الدينية معًا، حيث تدخلان في مشاكل مع والديهما في محاولة لإقناعهم بأن السلام الحقيقي هو هدفهما الحقيقي، السلام بين الأطفال المختلفين في الطوائف والديانات. انهيار الاحلام في (قوس قزح)في سابقة هي الأولى من نوعها شاركت الكويت في فعاليات المهرجان بفيلم "ابن الغابة"، وهو رسوم متحركة طويل 100 دقيقة، وهي المرة الأولى التي يعرض فيها فيلم كويتي للأطفال من إنتاج مؤسسة مجلس التعاون لدول الخليج العربي. ويحكي الفيلم، المأخوذ عن قصة "حي بن يقظان" من الأدب العربي، عن نشأة طفل في أحضان الطبيعة حيث ترعاه غزالة مع وليدها؛ ليكبر الصبي ويدرك أنه مختلف عن الحيوانات ويحاول الخروج من الغابة ليواجه عالم البشر. وبالرغم من أن الفيلم يُعَدّ خطوة جديدة تخطوها السينما الكويتية الآن فإن هناك انتقادات طالته نظرًا لتكرار الموضوع في العديد من الأفلام؛ حيث بدا مشابهًا "لطرزان"، كما أنه لم يضف جديدًا من حيث الفكرة. وشاركت العراق بفيلم في المسابقة الرسمية لأفلام الرسوم المتحركة وبرامج التليفزيون وهو بعنوان "قوس قزح أقوى من الحرب"، ويتناول الحرب القاسية على العراق وأثرها في تحطيم الأحلام الوردية للطفل، وانهيار غالبية الخدمات في العراق، وهو من إخراج عبد الباسط سلمان. ويُعَدّ الفيلم الروائي الطويل "زينة" من أجمل وأفضل الأفلام المشاركة في المهرجان؛ فهو فيلم مغربي تفوقت وتميزت فيه كل عناصر العمل الفني، سواء السيناريو المكتوب بإحساس مرهف والتصوير وحركة الكاميرا والمونتاج واختيار الحكاية التي تعبر عن عشق الصحراء والفروسية والنبل. والعمل يقدم صورة وشخصية فتاة عربية في عمر 12 سنة تعيش في الصحراء وتتميز بالشجاعة والإقدام، كما صوّر البيئة العربية الأصلية وشجاعة الإنسان العربي، وتدور قصة الفيلم حول أم ترحل عن الحياة وتترك ابنتها المراهقة زينة مع زوج أمها ويأتي الأب ليأخذ الطفلة من جدها، وكان قد انفصل عن والدتها. عندها لا تجد زينة سوى تعلم الفروسية وحب الخيل حتى تفوز بالسباق وتتمكن من الرحيل مع والدها. وقد نال الفيلم الإعجاب الشديد من قبل الجمهور والنقاد بالرغم من كونه ناطقًا باللغة الفرنسية. لكن السؤال "الثقيل" الذي تعرض له الفيلم كان حول جنسيته؟ وهو موضوع تم التعرض له ضمن ندوات المهرجان في ضوء التمويل والإنتاج الغربي. ورغم ضعف المشاركة الإيرانية نسبيًّا عن بقية الأعوام السابقة فقد شاركت بثلاثة أفلام في مسابقة الرسوم المتحركة والبرامج التليفزيونية، وهي: "انعكاس" و"كان هناك القمر والثعلب" و"صديق عزيز وبرعم لذيذ". بعد 61 عاماً مالهدف من إقامة مهرجان سينما الأطفال؟!وبمرور 16 عامًا على بداية انعقاد أولى دورات المهرجان كانت هناك قائمة من الأسئلة التي دارت في ندوات ونقاشات المهرجان، من ضمنها ندوة "صناعة أفلام الرسوم المتحركة في مصر" والتي تعرضت لأسباب عدم وجود صناعة حقيقية لأفلام الأطفال في مصر خاصة وفي الوطن العربي عامة. هذا السؤال على أحقية طرحه نال نقاشًا كبيرًا من قبل الحضور وهو ما جعل فنان الرسوم المتحركة شريف محمود يتساءل عن الهدف الحقيقي من إقامة المهرجان! ما دام إلى الآن لا يقدم الإنتاج العربي الذي لم يوجد بعد؟. وفي ضوء مشكلات الصناعة، وعدم القدرة على المنافسة يبدو أن دور المهرجان يقتصر على عرض الأفلام فقط!!! وإقامة ندوات تتكرر كل عام بنفس العناوين والجهات المنظمة والضيوف أيضًا!!. وتعجب جمهور الحاضرين من أنه وبعد مرور 16 عامًا على المهرجان إلا أنه وإلى الآن لا توجد مكتبة فيلمية تضم نسخًا من أجمل وأميز الأفلام المشاركة، وهذا برأي النقاد يُعَدّ إهدارًا لجهود وأعمال المهرجان التي قدمها على مدار أعوامه، وبرأي المخرجة فريال كامل فإن حل هذه المشكلة يكمن في أن تدعم الدولة هذه الصناعة، وذلك بأن تجعلها في باب الخدمات الثقافية، لكن المخرج محمد صلاح يرى عكس ذلك فدعم الدولة من وجهة نظره سيؤدي إلى استمرار أشباه الفنانين والمنتفعين الذين لا يقدمون أعمالاً مهمة من حيث المضمون والإتقان الفني، ويقول: "المتابع لحالة الطفل العربي يجده يذهب لرؤية الأعمال التي تجذبه من الإنتاج العالمي ذلك الإنتاج الذي يرضيه ويقدم له مادة ممتعة ومسلية، وهو لا يلام على ذلك مطلقًا في ضوء عدم توفر البديل". ومن المعروف أنه لا توجد مؤسسة عربية تُعنى بإنتاج أفلام ومسلسلات متميزة للطفل كـ"والت ديزني" وتكون معتمدة على نفسها من حيث الإنتاج والإخراج وكتابة القصص والسيناريو ومجموعة فناني الرسوم المتحركة. ويرى النقاد أنه حتى تستطيع الدول العربية المنافسة عالميًّا في مجال إنتاج الأعمال السينمائية للأطفال فإنها لا بد أن تؤمن أولاً بأهمية تقديم مثل هذه الأعمال للطفل وبعمق احتياجه لها تربويًّا وفنيًّا.
|
ثقافة
مهرجان سينما الأطفال.. دعوة للسلام
أخبار متعلقة