الشيخ/عبدالباري محمد عثمان القارئ الكريم وأنت في موسم الحج الأعظم يسعدني أن أواصل معك شعائر هذه الفريضة ومناسكها، فقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها ان هذه الآية أنزلت على الانصار فقد كانوا قبل ان يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المشلل وكان من أهل لها يتحرج ان يطوف بالصفا والمروة، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك قالوا يا رسول الله إنا كنا نتحرج ان نطوف بالصفا والمروة في الجاهلية فأنزل الله عز وجل "إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما ومن تطوع خيراً فأن الله شاكر عليم".وقالت عائشة: ثم قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بهما فليس لاحد ان يدع الطواف بهما.. وجاء عن صفية بنت شيبة عن حبيببة بنت أبي تجراة، قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو وراءهم ويسعى حتى أري ركبتيه من شدة السعي يدور به إزاره وهو يقول: "اسعوا فان الله كتب عليكم السعي" حتى ان الإمام الشافعي جعله ركناً من أركان الحج وفي مذهب الإمام مالك انه واجب فان ترك جبر بدم.ويقول صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني مناسككم".. وان كل ما جاء عن رسول الله واجب أداؤه، وذلك ان أصل ذلك مأخوذ من طواف هاجر وتردادها بين الصفا والمروة في طلب الماء لولدها عندما نفذ ماؤه وزاده عندما تركهما سيدناإبراهيم عليه السلام هناك في مكان قفر جذب لا أنيس فيه إلا الله الواحد القهار في أشرف بقعة، والأم متذللة خائفة وجلة مضطربة فقيرة مسلمة أمرها لله سبحانه وتعالى حتى كشف كربها وآنس غربتها وفرج شدتها وانبع لها ماء زمزم التي ماؤها طعام طعم، وشفاء سقم، وأن على الساعي بينهما استحضار فقره وذله وحاجته إلى الله اقتداءً بهذه السيدة وحالها الذي وصلت اليه ليهدي قلبه ويصلح حاله ويغفر ذنبه، وان من يلتجئ اليه عز وجل لتفريج ما به من النقائص والعيوب ويهديه إلى صراط مستقيم، وأن يثيبه عليه حياً وميتاً وأن يحول من حاله من الذنوب والمعاصي والشدة والكرب إلى كمال وغفران وسداد واستقامة وفرجة حال وتيسير رزق وأمن وطمأنينة وسلام.قال تعالى: "واذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ان لا تشرك بي شيئاً، وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود، وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً، وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق".. وهذا تقريع وتوبيخ لمن عبد غير الله وأشرك به من قريش في البقعة التي أسست من أول يوم على توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، فذكر تعالى أنه بوأ إبراهيم مكان البيت الذي أرشده اليه وسلمه له، وأذن له في بنائه، واستدل به كثير ممن قال: أن إبراهيم عليه السلام أول من بنى البيت العتيق الذي بينه وبين بيت المقدس أربعون عاماً وإن إبراهيم عليه السلام قام بتطهيره، وإزالة كل الشوائب منه ليكون صالحاً للعبادة المحضة، وعليه مناداة الناس داعياً إياهم إلى أداء فريضة الحج، فقد ذكر انه قال: يارب كيف أبلغ الناس، وصوتي لا ينفذهم؟فقال له: نادِ، وعلينا البلاغ، فقام على مقامه، وقيل على الحجر، وقيل على الصفا، وقيل على أبي قبيس، وقال: أيها الناس، إن ربكم قد أتخذ بيتاً فحجوا، فيقال: ان الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع من في الارحام والاصلاب وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر ومن كتب الله ان يحج إلى يوم القيامه: "لبيك اللهم لبيك".وحتى أن العلماء أجمعوا على أن الحج ماشياً أفضل منه راكباً لمن قدر عليه، وهذا مصداق لقول الله: :يأتوك رجالاً". ويرى الأكثرون انه من أتاه راكباً أفضل من الراجل، وذلك اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم مع كمال قدرته عليه أفضل الصلاة والسلام وكل مسلم يحن إلى أداء هذه الفريضة ولرؤية مناسكها، وأداء شعائرها لطلب الأجر، واسقاط الفرض فعمل مقبول وذنب مغفور وسعي محمود، وتجارة لن تبور.وقدوم الحاج اليها للمنفعة الدنيوية والاخروية فمتاع الدنيا مما يصيبون من منافع البدن والذبائح والتجارات وأما منافع الآخرة فهي طلب الرضوان والمغفرة والمثوبة من الله وكل تلك الأعمال تؤدي في أيام معلومات منها أيام العشر المباركة التي يقول فيها المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه ابن عباس رضي الله عنه قال: ما العمل في أيام أفضل منها في هذه؟ قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل يخرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء".. وهذه العشر تشمل على يوم عرفة الذي ثبت صحيح مسلم عن أبي قتادة، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفة فقال: احتسب على الله أن يكفر السنة الماضية والآتية، وقيل: ان يوم الحج الأكبر هو أفضل الأيام عند الله، بل وأفضل ايام السنة وله أجر كبير من صلاة وصيام وصدقة ونحوها..يتبع
|
ثقافة
من الجمعة إلى الجمعة
أخبار متعلقة