د.محمد قيراط في مقال سابق تكلمنا عن العلاقة بين الغرب والإسلام وإشكالية الحوار أم المواجهة، وعن التقصير من طرف الجانبين في إحلال الفهم والتعاون بدلا من العداء والصراع. في هذا المقال نناقش كيف ينظر كل طرف إلى الآخر ولماذا انتشرت ثقافة العدوانية والخوف والصراع بدلا من التفاهم والتكامل. ماذا يمثل الغرب للمسلمين؟ هل يمثل المسيحية أم العلمانية أم الإلحاد؟ هل يرمز إلى الثورة الاقتصادية والثورة المعلوماتية والمجتمع الرقمي والتنوير وحقوق الإنسان والحريات الفردية وحرية الفكر والرأي، أو تمثله الفاشية والعنصرية والمحرقة، أم أن الغرب تمثله كل هذه المقومات والعوامل والظواهر؟ الغرب مفهوم ضبابي تمثله كل التناقضات والظواهر والعوامل السابقة والتي قد يناقض بعضها البعض. ما يُقال عن الغرب يُقال عن العالم الإسلامي كذلك حيث أننا لا نستطيع أن نتكلم عن مجتمع إسلامي نقي وطاهر وخال من أي تأثير للثقافة والحضارة الغربيتين. كما أن العالم الإسلامي ليس عالما متجانسا بالضرورة، فهو عالم يتسم بتناقضات داخلية عديدة ومتنوعة، قد تكون في بعض الأحيان حادة. من جهة أخرى نلاحظ أن الغرب لا يعني بالضرورة الديانة المسيحية وأنه عالم لا يسكنه سوى الأوروبيين؟ الغرب يحتوي على جنسيات عديدة ومختلفة وديانات تتعدد وتختلف ومنها الديانة الإسلامية. فهناك ملايين المسلمين يعيشون في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية. ففي عصر العولمة هناك تداخل مستمر وخليط ومزيج بين الثقافات والمعتقدات والديانات وأنماط المعيشة. ما هو الخط، الذي يفصل العالم الإسلامي عن الغرب؟ الحقيقة أن الأجندة التي وضعتها وسائل الإعلام والصناعات الثقافية المهيمنة على الصعيد الدولي- وهي في واقع الأمر محتكرة من قبل حفنة من الشركات المتعددة الجنسيات العملاقة- تُقدم العالم الإسلامي في صورة التخلف والتعصب الديني والقمع وانعدام حقوق الإنسان والحريات الفردية وقمع واضطهاد المرأة والأقليات، والقائمة قد تطول. والأخطر من هذا، أن هناك فريقا من المفكرين والمنظرين وأساتذة الجامعات والباحثين يدعمون وينظرون ويروجون لهذه الأفكار التشويهية والتضليلية من خلال أطروحاتهم وأفكارهم ودراساتهم وتحليلاتهم. كما أنضم إلى هؤلاء، مجموعة من القادة السياسيين الفاعلين على المستوى الدولي للتأكيد على هذه الصور النمطية وربط الإسلام والمسلمين بالإرهاب والتطرف والعنف والجرائم والتخلف وإقصاء الآخر. وتجدر الإشارة هنا إن بعض الانتقادات وبعض الصور عن ممارسة الإسلام والمسلمين صحيحة ودالة ويجب هنا الاعتراف بها. فليس كل انتقادات الغرب للعالم الإسلامي صورا نمطية وتشويها وتضليلا. كيف ينظر العالم الإسلامي إلى الغرب؟ بكل موضوعية، نلاحظ صورا نمطية، وتشويها وتضليلا وعدم محاولة معرفة الآخر وواقعه الحقيقي. نلاحظ في الكثير من الأحيان أيضا طغيان العاطفة على الفكر والعقل والمنطق. فالكثير من المسلمين يحكم على الغرب من خلال قادته وساسته وليس من خلال شعوبه وهذا خطأ. فالولايات المتحدة الأميركية، على سبيل المثال فتحت أبواب جامعاتها لعقود من الزمن لمئات الآلاف من الطلاب المسلمين وبريطانيا كذلك وغيرها من الدول الأوروبية كونت عشرات الآلاف من العلماء والباحثين المسلمين. فهذه أمور إيجابية يجب الإشارة إليها والإشادة بها. فالمتتبع هذه الأيام للعلاقة بين المسلمين والغرب يلاحظ المواجهة والصدام والنزاع الناجم عن ثنائية الذهنيات بين المتعصبين والمتنورين من الجانبين. فالصراع الموجود هذه الأيام بين التعصب والتفتح لا يقتصر على العالم الإسلامي فحسب، بل يوجد في معظم الأديان. فعدم التسامح الذي يوجد عند الجماعات الإسلامية المتطرفة، نجد مثله وبنفس الحدة أو أكثر عند الكنائس الأصولية في الولايات المتحدة الأميركية والمتطرفين اليهود ودعاة الصهيونية. والنتيجة، مع الأسف الشديد، هي تأثير هذه المواقف والأفكار على العلاقات الدولية. كما تؤدي هذه الأفكار إلى تأجيج الكراهية والحقد ونشر ثقافة الانتقام والإقصاء. هذه المشاعر الحاقدة تتسم بالرفض المطلق للآخر انطلاقا من مبدأ أن الآخر يجب التخلص منه لأنه عدو يجب القضاء عليه. فلا مجال للنقاش أو الحوار أ الاستماع والتفاوض. ولا مجال حتى لمعرفة في ماذا يفكر الآخر وما هي وجهة نظره؟ هذه الظاهرة موجودة وتنتشر عند كل طرف، في المجتمعات الإسلامية والغربية على حد سواء وهي ليست في صالح أي طرف بطبيعة الحال. تجدر الإشارة هنا إلى بعض القضايا التي أثرت وتؤثر تأثيرا بالغ الأهمية على تصور كل طرف للطرف الآخر وبذلك تؤثر في العلاقات بين العالم الإسلامي والغرب. على رأس هذه القضايا، القضية الفلسطينية والمواقف التي يتخذها الغرب إزاء الصراع العربي الإسرائيلي. وهناك القضية العراقية وغزو العراق من قبل القوات الأميركية والبريطانية وتدهور الأوضاع إلى حد لا يطاق. فاليوم يموت أكثر من 100 عراقي يوميا جراء الحرب التي تطورت إلى حرب أهلية ناهيك عن الخسائر المادية والنزاعات الطائفية والعرقية والدينية في أرض الرافدين.كما لا ننسى الموقف الغربي من سوريا وإيران وأفغانستان والشيشان وكشمير وكذلك الموقف من انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. هذا إضافة إلى مشكلات أخرى تظهر من حين لآخر كمشكلة الحجاب وتصريحات البابا بنيدكتوس السادس عشر والرسوم المتحركة المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم. يجب الإشارة هنا أن المواقف من هذه القضايا قد تختلف من دولة غربية إلى أخرى حسب المصالح والحسابات السياسية. فالولايات المتحدة الأميركية استخدمت المجاهدين في أفغانستان لمحاربة الشيوعية وتفكيك الاتحاد السوفييتي سابقا. وبعد ذلك أصبح المجاهدون - حلفاء أمس - الأعداء اللدودين للولايات المتحدة الأميركية. إن انهيار الاتحاد السوفييتي أدى إلى انهيار التوازن الدولي والقطبية الثنائية وهذا ما فتح المجال أمام الولايات المتحدة الأميركية لتصول وتجول في الفضاء السياسي الدولي كما تشاء وتتخذ قرارات وتطبق سياسات أحادية الجانب، استفزازية، متناقضة، سافرة، طاغية وظالمة. الواقع أن العالمين الإسلامي والغربي دخلا في نفق مظلم وحلقة مفرغة، يجب التفكير في إيجاد الحلول الناجعة لتحويل الصراع والمواجهة وإقصاء الآخر إلى الحوار والتفاهم والاستفادة من الآخر والتكامل. الأمر يتطلب التغيير في السياسات الخارجية الغربية والتغيير في العلاقة بين السلطة والفرد في العالم الإسلامي الذي يحتاج إلى إصلاح في أنظمته السياسية وتجديد في خطابه الإسلامي. المجتمعات المدنية في كلا العالمين مطالبة بكسر الحواجز والتحلي بالشجاعة الكافية لمواجهة الواقع بالنقد الذاتي والتفكير الإيجابي البناء بدلا من التفكير السلبي الانتقامي الهدام. يحتاج الوضع الراهن كذلك إلى قانون دولي عادل يكون المفتاح المنظم للعلاقات بين الدول وهذا يعني كذلك استقلالية منظمة الأمم المتحدة وتفعيل دورها ووكالاتها في تحقيق الأهداف التي أسست من أجلها، ومن أهمها الأمن والسلام العالميين والتفاهم والحوار والتكامل بين الشعوب والأمم والديانات والحضارات. من جهة أخرى يتوجب على أهل الفكر والذكر وصناع القرار والرأي العام من مفكرين وصحافيين ومثقفين وباحثين وأكاديميين سواء في الغرب أو في العالم الإسلامي، العمل على نشر ثقافة التسامح والحوار والتفاهم ونشر وتعميق القيم المشتركة بين الشعوب واحترام الحضارات والديانات والثقافات مهما اختلفت وتباينت. [c1]* نقلا عن جريدة "البيان" الإماراتية[/c]
الغرب والعالم الإسلامي.. كيف ينظر كل طرف للآخر؟
أخبار متعلقة