بعد فوضى الفتاوى الشبابية على الهواء :
القاهرة/14اكتوبر/ وكالة الصحافة العربية:انتشرت برامج الفضائيات التي اختارت الفتاوى عنصرا ًأساسيا لها، وبخاصة الفتاوى المقدمة لشريحة الشباب، من أجل جذب عدد أكبر وقطاع عريض لمتابعة هذه البرامج، كما سعي مقدمو هذه البرامج إلى استضافة نوعية خاصة من المفتين، وسعى هؤلاء المفتون في نفس الوقت إلى خلق “شو إعلامي” من أجل ضمانة استضافتهم مرات عديدة حول هذه البرامج وهؤلاء المفتين، واعتماد فضائيات كثيرة على مثل هذه النوعية من البرامج الموجهة للشباب كان لنا هذا التحقيق في محاولة لكشف الخلفيات وراء مثل هذه البرامج.يقول د. عبد الصبور شاهين عضو مجمع البحوث الإسلامية السابق : لا شك أنه ظهرت في الفترة الأخيرة العديد من برامج الفتاوى التي لاقت اعتراضا والتمس فيها بعض الناس وجها واحدا من الصحة ،و هذه البرامج خرجت من أصحابها إما للشهرة أو للحصول على مغنم أو مكسب مادي ولكنه عاد وقال إن نفس هذه البرامج أثارت ضوضاء وبلبلة للشباب، مما يدل على الاستنكار الذي أبداه الناس في مواجهتها .ويؤكد د. شاهين أن هذه البرامج لم تحقق الغرض منها، ولم تصل إلى الهدف الذي من أجله أنتجت، لأنها كانت بمثابة فرقعات في الهواء لا قيمة لها ولا لأصحابها . ويوجه شاهين نداء إلى العاملين بالفضائيات للتقليل من البرامج التي تستضيف مثل هؤلاء العلماء على الهواء مباشرة والذين يسعون دائما إلى تشويه عقول أو أفكار الشباب . ورفض شاهين ما تردد على لسان بعض العلماء بجواز خوض المسيحي الانتخابات على رئاسة الجمهورية، ومن ثم توليه الولاية العامة، واعتبر ذلك خلطاً من قبل علماء، إما أرادوا الشهرة أو أرادوا مكسبا سياسيا من ورائه .[c1]ضابط الفتوى[/c]ويقول د. سعيد عبد العظيم أستاذ الدعوة بجامعة الأزهر الشريف : إنه لا يوجد ضابط محدد وواضح للفتوى، فأصبح كل من هب ودب “ على حد تعبيره “ يفتي بغير علم، أو بغير ما جاء به الرسول، وغير ما قاله السلف الصالح، وبما يتعارض مع صريح كثير من الآيات القرآنية في كتاب الله .ويضيف د.سعيد : إننا نعيش واقعا مؤلما في عصر السماوات المفتوحة في ظل واقع مر، يشهد باعتلاء الفتوى لكل كبير وصغير·وطالب بإعادة النظر في برامج الفتاوى المقدمة للشباب التي تنهمر كالسيل في قنواتنا الفضائية لعلماء مغمورين أرادوا الظهور على حساب الدين. وقارن بين الأصوات التي تنادي بأن من يفتي لابد أن يأخذ شهادة من مؤسسة دينية كالأزهر، ضاربا المثال بشهادات بعض الأساتذة الكبار، وهم لا يعلمون شيئا، ولا يحتكون بالدعوة من قريب أو بعيد، ولعلماء آخرين ليس لهم علاقة بالأزهر ورغم ذلك لديهم القدرة والمقدرة للفتوى وهم مؤهلون لذلك .ويقول: إن مراجعة دار الإفتاء للفتوى وللشخصيات التي تفتي وتظهر في برامج خاصة بالفتوى من خلال تصاريح رسمية أمر له واجاهته ومشروعيته ومطلوب لدرء الفتنة وعدم خروج مفتين يفتون بغير علم.[c1]برامج الفتاوى[/c]ويطالب الشيخ محمد عبد الله الخطيب أحد علماء الأزهر الشريف بألا تكون برامج الفضائيات التي تعني بالفتوى على الهواء مباشرة نظرا، لأنها تؤدي إلى العجلة فتخرج الفتاوى على هوى الجمهور وهوى من يفتي وأضاف أن الخطأ سوف يكون قريبا لمن يفتي على الهواء مهما كان علمه ومهما كانت درايته الشرعية.ويوصي العلماء بألا يتعجلوا في فتاواهم، والإجابة على الفتاوى في الحلقات التالية بالنسبة للفتوى المباشرة غير المتعجلة، والتي تحتاج إلى تأن، مضيفا أن الشباب من أكثر الشرائح العمرية تأثرا بالإعلام ومكوناته .وضرب مثالا بالتريث في الفتوى بما كان يفعله بن مالك الذي يسأل عن خمسين مسألة فلا يجيب إلا عن القليل منها، ويستطرد الشيخ الخطيب قائلا: والمثال أيضا في العز بن عبد السلام الذي أفتي لأحد الناس ثم استأجر من ينادي على من أفتي له ألا يعمل بما أفتي له لاكتشافه خطأ فتواه التي خرجت منه .وأضاف أن من كرامة العالم أن يقول الله أعلم على ما يعرض عليه ولا يجيب إلا بما يعرف ووقتها لن يكون هناك تضارب في الفتوى.[c1]شروط المفتي[/c]ويقول د. عبد الحي الفرماوي أستاذ التفسير بجامعة الأزهر : إن التصدي للفتوى له أهله وشروطه والمفتي له مجموعة من الشروط لابد أن تتوافر فيه، ولا تقبل الفتوى إلا إذا توافرت هذه المؤهلات ووجدت هذه الشروط فيمن يتصدر الفتوى .ويذكر د·عبد الحي أن من لا يملك أدوات الفتوى وشروطها لا تقبل فتواه ولا ينبغي أن يخضع لها العلماء، مؤكدا أن مثل هذه البرامج لا تفيد الشباب بقدر ما تضرهم. ويوضح أن المفتين الذين يقعون تحت تأثير وابتزاز الجمهور هم في حقيقة الأمر أنصاف العلماء المتعلمين وهم من يبحثون عن الشهرة ويتاجرون بما يقولون·وذكر أن أغلب هؤلاء يتاجرون بها عن طريق الفضائيات فمكسبهم إما مادي أو معنوي من خلال الانتشار بالعديد من القنوات الفضائية.ويضيف : لقد أفرخت الفضائيات هذه الظاهرة حتى ظهر ما يسمي بمفتي الفضائيات، فتضاربت فتاواهم وأخطأت لدرجة أوقعت الناس في “حيص بيص” .ويؤكد أن الفتوى لابد أن يتصدر لها العالم المدقق، المحقق، الذي لا يثيره الجمهور ولا الشهوات، الذي لديه العلم بأصول الدين والشريعة، وأن يكون عالما بالمذاهب الفقهية المختلفة، الذي يكون عالما بكيفية الترجيح بين الآراء والاختلافات وأن يكون عالما بالواقع وأن يكون متسما بالإخلاص والصدق والأمانة وعدم الخوف إلا من الله عز وجل، لا تثنيه شهوة أو جمهور أو حاكم عن فتواه .[c1]دغدغة المشاعر [/c]ويقول د. أيمن مهدي أستاذ الحديث بجامعة الأزهر : إن البلوى التي أصابت علماءنا نتيجة الخلط بين ماهو معروف من الأحكام الشرعية الثابتة ،وما يمثل الفتوى التي ربما تتغير زمانا ومكانا وحالا وهذا مالا يجيده مفتونا الذين لا يستطيعون الفتوى بما يقتضيه الحال وبما يناسب من يسأل .ويهاجم د. أيمن علماء الفتوى الذين يظهرون على الفضائيات ويجيبون على كل ما يعرض عليهم، مضيفا ولو أنك سألت عمر بن الخطاب في مسألة ممن يفتون فيها لجمع أهل بدر يطلب منهم الرأي فيما يعرض عليه .ويضرب مثالا لذلك في العصر الحديث بشيخ الإسلام د· يوسف القرضاوي الذي يتحري أن يفتي بما يعرف والذي ظل عشرين عاما لا يقبل الفتوى حتى تعرض عليه مكتوبة، ويجيب عليها بنفس الشكل حتى لا يقع في مصيدة العجلة والسرعة أو أن يقع تحت ابتزاز من يسألون، ورغم علمه وفقهه رضي الله عنه، إلا أنه كان يقول فيما يعرض عليه لا أعلم · وهاجم د·أيمن لجوء بعض العلماء إلى دغدغة مشاعر وعواطف الجماهير لكسب رضاهم ومن ثم تصدر الأضواء، مما يؤدي إلى ميوع الفتوى.[c1]غياب المؤسسات الدينية[/c] من جانبه هاجم الشيخ سيد عسكر أحد علماء الأزهر غياب المؤسسات الدينية الرسمية المعنية بالفتوى وقال : إن الغياب أدى إلى تضارب الفتوى وخروج الفتاوى عن النصوص الدينية .وعن إجماع العلماء قال: إن الفتوى مسئولية يسأل عنها المفتي أمام ربه، وضرورة اعتبار من يفتي بمثابة من يوقع عن الله عز وجل في التحريم والتحليل .وأضاف أن غالب السلف كان يعتذر عن الفتوى بقوله لا أعلم استنادا لمقولة من قال لا أعلم فقد أفتي وضرب مثالا بالصحابة والسلف الذين كانوا يتحرجون من الفتوى ويحيلونه لآخرين من أصحابهم خوفا من كلام النبي في هذا الشأن “ أجرأكم علي الفتيا أجرأكم علي النار “ .وأضاف الشيخ عسكر : من أسباب شيوع فتاوى الهوى الفضائيات التي انتشرت والذي يأتي أغلب فتاواهم على هوى هذه الفضائيات وموافقا لما يريده أصحابهم في الوقت الذي لا يجد فيه العلماء المحققون مكانا ًفي هذا الإعلام وضرب مثالا بالشيخ عطية صقر عليه رحمة الله الذي عانى من تجاهل الإعلام له، في حين أفسح المجال لمفتين لا يمتون للفتوى بصلة .