غضون
- هوميروس أبو الأساطير والحكم اليونانية التي لا تزال حية وحاضرة في الأدب إلى اليوم كان كفيفاً.. أبو العلاء المعري وبشار بن برد وعبدالله البردوني وطه حسين وهم من هم كانوا مصابين بالعمى أو «بصراء».. ستيفن هوكنج أستاذ كرسي نيوتن للرياضيات في جامعة كامبردج البريطانية معاق كلياً ولا يعمل سوى رأسه، وهيلين كيلر صماء بكماء عمياء ومع ذلك هي كاتبة عالمية وحاصلة على خمس شهادات دكتوراه.. هناك معاقون حركياً وذهنياً وصم وبكم وعميان كثر في العالم اليوم أصبحوا من مشاهير الفن والأدب والعلوم التجريبية وفنون أخرى.. وبعضهم موجودون بيننا في هذا المجتمع.. يقال إن هؤلاء وجدوا في الإعاقة التي ضربتها عليهم الأقدار نقصاً بالنسبة لهم، وأن شعورهم بذلك دفعهم إلى التعويض، وتحدي الإعاقة، وهذا صحيح حسب التحليل النفساني، لكن ما كانوا لينجحوا في ذلك دون حصولهم على المساعدة من قبل الأسرة أو الحكومة أو المجتمع، ولو في حدود التشجيع.- الفرد المصاب بأي نوع من الإعاقة هو في المقام الأول إنسان، وإصابته بالإعاقة مدعاة لمساعدته وليس الإقلال من شأنه، أو اعتباره «عالة» أو «عاراً» يجب ستره كما تفعل بعض الأسر اليمنية، وخاصة عندما يكون المعاق أنثى.يتعين أن ندرك أن المعاق حركياً الذي لا يمكن أن يكون لاعب كرة قدم، يمكن أن يكون أستاذاً جامعياً، والصماء البكماء التي لن تصلح أن تكون قاضية يمكن مساعدتها لتصبح فيزيائية أو فنانة تشكيلية.. والمعاق ذهنياً يمكن أن يصبح ذات يوم حائكاً.. وهكذا.. وهكذا.. ما نريد لفت الانتباه إليه هو أن أسر المعاقين والمعاقات يجب عليها أن تفهم أن الإعاقة ليست «مصيبة».. وأنها هي وحدها التي ستجعلها مصيبة إذا نظرت إلى المعاق نظرة خجل و «عالة» وبالتالي سدت أمام ابنها المعاق باب الأمل وحكمت عليه بعقوبة السجن المؤبد والحرمان من الحق في الحياة الكريمة.كتبت العبارات السابقة بعد أن أخبرتني إحدى قريباتي أنها زارت أسرة «محترمة» فوجدت في مكان معزول وقذر من بيت تلك الأسرة فتاة معاقة وهي في حالة رثة للغاية، لأن الأسرة «المحترمة» حبست تلك الفتاة منذ طفولتها في ذلك المكان وحرمتها من الحوار والتعليم لأن خروجها إلى الدنيا يسيء لسمعة العائلة، أو لأنها ترى فيها كائناً مستضعفاً قد يتعرض لأذى الوحوش الآدمية.. وكل تلك الأعذار لا تبرر فعل الأسرة على أي حال.- عندما يذكر المعاقون أو توجه الأنظار نحوهم في المناسبات يتم إثارة موضوع توظيف المعاقين، فيقال: إن القانون يوجب على الحكومة أن تخصص نسبة خمسة في المائة من الوظائف للمعاقين، لكن الحكومة لا تلتزم بالقانون، وهو انتقاد في محله، لكن هل هذا كاف في بلد فيه أكثر من مليوني معاق؟ فحتى لو التزمت الحكومة بتلك النسبة فإنها لن توظف المليونين الحاليين كلهم قبل مرور ألف سنة.. لذلك لابد من إيجاد مجالات وخيارات أخرى أمام المعاق وأسرة المعاق.. والحكومة نفسها يجب أن تعيد النظر في ما تقدمه للمعاقين، وكذلك تعيد النظر في طريقة اعتماد تسجيل المستحقين للمساعدة.. فرجل به عرج بسيط ليس أولى من طفلة أو فتاة صماء بكماء عمياء تتطلع للحياة.