تناقلت وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية مبادرة فخامة الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية، التي قدّمها في الاجتماع الرمضاني الذي أجراه فخامته مع قادة بعض الأحزاب والتنظيمات السياسية يوم الاثنين الموافق 11 رمضان 1428هـ الموافق 24 سبتمبر 2007م، وفيه قدَّم مبادرة لإجراء تعديلات دستورية، تهدف إلى تطوير النظام السياسي الديمقراطي في بلادنا والانتقال إلى نظام الحكم المحلي، والتخلي عن ألاسلوب القائم على المركزية المفرطة وتهميش السلطة المحلية في المحافظات، وتتمثل هذه المبادرة في النقاط الآتية، حسب ما نشرته صحيفة الثورة في عددها رقم 15658، الصادر في 25 سبتمبر 2007م.. وهي :- النظام السياسي للحكم يكون رئاسياً كاملاً.- مدة رئاسة الجمهورية خمس سنوات.- تتكون السلطة التشريعية من غرفتين هما : مجلس النواب، ومجلس الشورى.- انتخاب مجلس النواب كل أربع سنوات.- انتخاب مجلس الشورى كل أربع سنوات.- يستبدل مسمى السلطة المحلية، ويُعدل إلى الحكم المحلي، ويكون رئيس الحكم المحلي منتخباً من هيئة الناخبين وفقاً للقانون، ويكون لمجلس الحكم المحلي صلاحيات يحددها القانون، وينعكس ذلك الوضع على المديريات، وفقاً لما يحدده القانون.- تنشأ شرطة محلية في المحافظات، ويكون هناك أمناً عاماً مركزياً يمثل المحافظات كافة مثله مثل الجيش الذي يكون سيادياً، ويمثل الوطن كله، وينظم ذلك القانون.- الضرائب والموارد المحلية تكون من اختصاص المجالس المحلية التي تقوم بتخصصها في تنفيذ المشاريع وتسيير الأعمال في الإطار المحلي، وفقاً للقانون، واتجاهات الخطط العامة، ويحدد القانون ما يعد ضرائب سيادية مركزية، وكذلك الواردات والثروات النفطية والمعدنية والغازية وغيرها من الثروات.- تشكل اللجنة العليا للانتخابات بناءً على ترشيح مجلس القضاء الأعلى لعدد (14) شخصاً من القـُضاة من ذوي الكفاءة والنزاهة، ويتم اختيار سبعة منهم من رئيس الجمهورية، ويصدر بهم قراراً من قبله، وتكون اللجنة في ممارستها لمهامها محايدة ومستقلة وفقاً للدستور.- يتم تخصيص نسبة 15% للمرأة في الانتخابات لعضوية مجلس النواب وينص على ذلك في قانون الانتخابات . أ . هـ.كانت تلك هي نقاط المبادرة الرئاسية، التي أحدثت ردود فعل متباينة إزاءها، وهو ما يستوجب الوقوف عندها لتحليلها وبيان ما تحمله من دلالات وأبعاد لمستقبل اليمن.ولما كانت نقاط المبادرة كثيرة، فإنني سأقتصر في مقالتي المتواضعة هذه في الحديث على ما له عَلاقة بالمسألة الديمقراطية، وبالذات ما يتعلق بنظام الحكم المحلي، لأنّ هذه القضية أثارت جدلاً كبيراً في الحياة السياسية منذ قيام الجمهورية اليمنية وما بعدها، بل كانت مثار اهتمام عدد من الأحزاب والتنظيمات قبل الوحدة، وقد ظهرت العديد من المقالات المعبرة عن آراء بعض الأحزاب في الصحافة الحزبية، وكذا في اللقاءات والمؤتمرات الجماهيرية التي كانت ترى في نظام الحكم المحلي مطلباً شعبياً، ومسألة إستراتيجية ملحة، وحلاً عملياً لمشكلة الفساد الإداري وتردي أوضاع السلطة المحلية في المحافظات والمديريات، وهيمنة المركزية المفرطة.وعند الحديث عن الحكم المحلي ربما تقفز إلى الأذهان عدة مفاهيم لهذا المصطلح، وكلها يُراد بها نظام الإدارة المحلية، وهو بحسب فهمنا له يقوم على المبادئ الآتية :· إنّه نظام يقتضي التوزيع العادل للوظائف الإدارية (غير السياسية) بين المحافظات وأجهزة الدولة المركزية، وبين الهيئات والأجهزة في المحافظات والمديريات.· من خصائص نظام الحكم المحلي أنّه يبيِّن الوظائف الإدارية التي تضطلع بها الهيئات أو الأجهزة المحلية، أو تدخل في اختصاصها، واحتفاظ الهيئات المركزية بإدارة المرافق ذات الطابع السيادي، بحيث يترك للهيئات والأجهزة المحلية إدارة المرافق ذات الطابع المحلي البحت.· يقتضي نظام الحكم المحلي أن يقوم التنظيم الإداري فيه على أساس توزيع الوظيفة الإدارية بين السلطة المركزية في الدولة، وبين الهيئات الإدارية المحلية، بحيث تباشر الأخيرة اختصاصاتها تحت رقابة السلطة المركزية، حتى لا يحصل نوع من الاندماج المتعمد بين عددٍ من المحافظات، فتتشكل أقاليم، ربما تتحول إلى ولايات مستقلة لها دستورها الخاص وسلطتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهو ما يهدد وحدة الوطن بالتفتت، إذا ما تعرض الوطن لمؤامرات خارجية أو فتن داخلية.· في نظام الحكم المحلي لابد أن ينظم القانون الإيرادات المحلية والسيادية، وآلية تخطيط المشاريع وجهات تنفيذها، والتشريعات وجهات إصدارها، وعَلاقة المجالس المحلية بالعاصمة، ونظام الانتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية.وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ هذه القضية قد احتلت مركز الصدارة في برامج بعض الأحزاب الرئيسة التي خاضت انتخابات 27 أبريل 1993م، وحاولت كل منها أن تعكس ذلك في برامجها الانتخابية سواء بالقبول أو الرفض، فقد طالب المؤتمر الشعبي العام حينها بإجراء الانتخابات المحلية على مستوى المحافظات والمديريات، ودعا إلى انتخاب المحافظين ومديري عموم المديريات، بعد إجراء تعديلات دستورية وقانونية لازمة، في حين ذهب الحزب الاشتراكي اليمني إلى أبعد من ذلك فطالب بنقل السلطة كاملة إلى الوحدات الإدارية في المحافظات والمديريات، ودعا إلى انتخاب المحافظين ومديري عموم المديريات، أما التجمع اليمني للإصلاح فقد دعا في برنامجه إلى ضرورة العمل على الحد من المركزية إلى أقصى حدٍ ممكن، وبالذات في المسائل المتعلقة بالقضايا المالية والإدارية، ولم تبتعد كثيراً بقية الأحزاب عن مسألة المطالبة بالتخفيف من المركزية المالية والإدارية، والدعوة إلى انتخاب المحافظين ومديري عموم المديريات.وقد أخذت هذه القضية حيزاً كبيراً من الجدل قبل التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق وما بعد، وهي الوثيقة التي وُقعت في العاصمة الأردنية عمَّان في 20 فبراير 1994م، والمرتكزة على قاعدة الحكم المحلين والمستندة إلى القواعد الآتية :- منح السلطات المحلية قدراً من الصلاحيات الإدارية والمالية في صعيد اتخاذ القرارات المتصلة بشؤون المواطنين في الوحدات الإدارية.- سرعة إنجاز مشروع قانون التقسيم الإداري للجمهورية اليمنية.- إصدار موازنة الوحدات الإدارية بما يجسد مبدأ اللامركزية الإدارية والمالية.- استكمال الهياكل الوظيفية للوحدات الإدارية وتعزيزها بالكوادر الكفوءة.وكانت الحكومة الجديدة حينها، قد أكدت في برنامجها المقدم إلى مجلس النواب بتاريخ 31 / 10 / 1994م ضرورة الالتزام بقاعدة المشاركة الشعبية من خلال أجهزة الحكم المحلي القائم على مبدأ اللامركزية المالية والإدارية، والبدء بخطوات عملية لتطبيق الحكم المحلي، ووعدت في الوقت ذاته بالبدء الفوري في إعداد مشروع قانون الإدارة المحلية، وإجراء الانتخابات للمجالس المحلية خلال عام 1995م، مع إعداد قانون يحدد الموارد التي تؤول إلى موازنات الإدارة المحلية، وتلك التي لها صفة سيادية.ولما كانت قضية المشاركة الشعبية من خلال الحكم المحلي هماً عاماً، ومسألة جوهرية، فقد اتفقت جميع الأحزاب السياسية اليمنية على أهميتها، مع اختلاف حول مفهومها، حيث درجت بعض الأحزاب على الخلط بين مفهومي الإدارة المحلية والحكم المحلي القائم على منح السلطات المحلية صلاحيات تشريعية كبيرة، ومهام تنفيذية واسعة.فقد أكد المؤتمر الشعبي العام في برنامجه على تبني نظام السلطة المحلية بما يعزز من توسيع قاعدة المشاركة الشعبية، واعتبر ذلك خطوة في الطريق الصحيح نحو تحقيق مبدأ حكم الشعب نفسه واللامركزية المالية والإدارية، وهو ما دعا إليه حزب البعث العربي الاشتراكي، حيث أكد في برنامج ضرورة تحقيق هيكلية جديدة للحكم المحلي عن طريق انتخابات حرة تبدأ بالقرية وتنتهي بالمحافظة، وأما حزب الحق فقد أشار في برنامجه إلى مبدأ مشاركة الشعب بانتخاب المحافظين ومديري المديريات والمسؤولين التنفيذيين من قبل الشعب مباشرة، فقد رأى أنّ الحكم المحلي يعتبر القاعدة الأساسية للدولة اليمنية الحديثة، وطالب بانتخابات حرة ومباشرة على كل مستويات ومجالات الحكم المحلي من مديري المديريات إلى المحافظين، ورفض مبدأ التعيين على كل المستويات، وطالب بنقل سلطات الأجهزة التنفيذية غير السيادية إلى سلطات الحكم المحلي. أما الحزب الاشتراكي اليمني فإنّه قد أكد في برنامجه أهمية الجمع والتناسق بين عمل الأجهزة المركزية والأجهزة المحلية، على أن يجري التوسع التدريجي لمهام السلطة المحلية عبر توافر شروط تحقيقها، مع مراعاة مستوى التطور في هذا المجال في مختلف مناطق الجمهورية، على أن تتكون هذه المجالس بالانتخاب. أما حزب التصحيح الشعبي ا لناصري، فقد دعا إلى مجالس محلية، وتشكيل لجان رقابة شعبية، تتشكل بالانتخاب الحر المباشر، وتطوير وتعزيز الحركة التعاونية. أما الحزب الناصري الديمقراطي فإنّه قد أكد في برنامجه حق سلطة المجالس الشعبية المحلية المنتخبة، التي يجب أن تنتشر صعوداً من القرية إلى المدينة، ومنع تدخل السلطة وأجهزتها الرسمية فيها. أما بقية الأحزاب فإنّها لم تشر إلى مسألة الحكم المحلي في برامجها، ولم توضح رؤيتها في هذه القضية.وعلى ضوء ما سبق، يمكننا القول إنّ مسألة الحكم المحلي كانت قد شغلت الرأي العام اليمني خلال الفترة الممتدة بين قيام الجمهورية اليمنية عام 1990م وحتى اليوم، وبرزت بشأنها ثلاثة اتجاهات رئيسة :- اتجاه يُطالب بالتطبيق الفوري للحكم المحلي وانتخاب المحافظين ومكاتب الوزارات.- وهناك اتجاه ثالث يرى أنّ تطبيق الحكم المحلي يجب أن تسبقه عدة إجراءات، وخطوات عملية لناجح تطبيقه، أي أنّه يتطلب إعادة التقسيم الإداري للجمهورية، والبدء بتطبيق اللامركزية المالية والإدارية، وإيجاد صيغ مناسبة لإعادة توزيع الكفاءات المؤهلة والمتخصصين في المجالات المختلفة على المحافظات والمديريات.ومَنْ يقرأ البرنامج الانتخابي لفخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح، فإنّه سيجد فيه رؤية واضحة فيما يتعلق بمسألة الحكم المحلي تتفق إلى حد كبير وما طرحته معظم القوى السياسية العاملة في الساحة اليمنية، بما يعني أنّ قضية تطوير نظام المحلي لم تكن غائبة عنه، وأنّ مبادرته الأخيرة ليست وليدة اللحظة، ولا هي ردة فعل آنية بسبب حركة الاعتصامات، وإنّما هي ناجمة عن رؤية إستراتيجية تلبي متطلبات المرحلة الحالية، وتستجيب الى فرادة الشعب الراغب في حكم نفسه بنفسه، وهو ما أكد عليه البرنامج الانتخابي للأخ الرئيس تحت عنوان : ( تعزيز اللامركزية وتفعيل دور السلطة المحلية) والمتضمن النقاط الآتية :(1) تطوير قانون السلطة المحلية بما يكفل انتخاب محافظي المحافظات ومديري المديريات، وتوسيع صلاحيات المجالس المحلية، مع تعديل القوانين النافذة ذات العَلاقة التي تتعارض مع تحقيق مبدأ اللامركزية المالية والإدارية.(2) استكمال البناء المؤسسي للسلطة المحلية، وتعزيز مواردها بما يمكنها من القيام بدورها في تحقيق التنمية المحلية وتقديم الخدمات للمواطنين.(3) إعادة النظر في التقسيم الإداري الحالي، وفق أُسسٍ علمية واقتصادية واجتماعية ملائمة، وتطوير التشريعات المنظمة لذلك.(4) تقليص فجوة التنمية بين الريف والحضر.
ماذا يعني الحكم المحلي في مبادرة الرئيس؟
أخبار متعلقة