محمد زكرياهاهو الباحث والمحقق الكبير والأستاذ القدير إبراهيم أحمد المقحفي الذي ضرب بسهم وافر في ميدان التحقيق ، يقوم بتحقيق مخطوط بعنوان (( معجم بلدان حضرموت )) المُسمى ـــ إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت ـــ والكتاب أو المخطوط فريد في بابه ، جديد في موضوعه ، قيم في معلوماته ، مثير في أحداثه . والحقيقة لقد بذل الباحث والمحقق المبدع الفذ إبراهيم المقحفي جهدًا رائعًا في تحقيق هذا المخطوط الذي ألقى أضواء كاشفة قوية على حضرموت ومدنه وقراه ، وقبائله .. والحقيقة أنّ الكتاب أو المخطوط على الرغم من لغته المقعرة ، والمصطلحات الصعبة التي تطل عليها بين حين وآخر من صفحاته نظرًا لانّ الفقهاء والعلماء ، وأرباب الأدب كانوا في تلك الفترة التاريخية موسوعة علمية ، كانوا يجتهدون أيما اجتهاد في إبراز عضلاتهم اللغوية ـــ إذا صح هذا التعبير ـــ ، وكنوزهم العلمية والمعرفية ، فيأتون بكل نادرٍ ومستطرف ، وغريب في اللغة لا يفهما إلاّ الراسخون في العلم ، ولكن استطاع المقحفي بما يملك من مفاتيح البحث والتنقيب والتحقيق الجيدة أنّ يطوعها ويروضها ،وأنّ يجعلها لينة وسهلة وسلسة في متناول القراء على تباين حظوظهم العقلية . [c1]معجم البلدان[/c] والحقيقة أنّ الباحث والمحقق إبراهيم المقحفي ، قد أصدر من فترة ليست قصيرة مجلدين ضخمين بعنوان معجم البلدان والقبائل اليمنية طبع سنة ( 1422 هـ / 2002م ) وهو يعد من أفضل المعاجم التي أبرزت جغرافية اليمن ، ومدنها ، وقراها ، وأنساب قبائلها وبطونها ، حقيقة صدر معجم من جزءين للعلامة المؤرخ القاضي محمد بن أحمد الحجري والذي قام بتحقيقه وتصحيحه ومراجعته القاضي إسماعيل بن علي الأكوع تحت عنوان (( مجموع بُلدان اليمن وقبائلها )) ولكونه صدر في الخمسينيات إلاّ أنّ الكثير من المعلومات الجغرافية والتاريخية عن جغرافية اليمن ، كانت مبتورة وعتيقة وخاصة فيما يتعلق بمدن وقرى جنوبها . وكيفما كان الأمر ، فقد استطاع المقحفي في معجمه (( معجم البلدان والقبائل اليمنية )) أنّ يغطي كافة الجغرافية اليمنية بشمالها وجنوبها بصورة وافية وكافية , ودقيقة ، ومسهبة . ولسنا نبالغ إذا قلنا أنّ تحقيقاته للمخطوط الذي قام به متسمة بالدقة ، والشرح ، والتفسير العميق وبعبارة أخرى تحقيقاته تعكس ملامح شخصيته العلمية المتسمة بغزارة العلم ، وعمق التفكير ، وقوة الملاحظة ، وسلاسة في التعبير ، وجمال في التعبير . [c1] في بيت علم[/c] ويصف المحقق المقحفي مؤلف المخطوط ( إدام القوت ) السيد عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف عن سعة إطلاعه ، وغزارة علمه ، وشهرته التي طبقت آفاق حضرموت ، وكيف تبوأ المناصب المهمة والرفيعة عن جدارة ، فقد : “ حمل أرفع المقامات ، فعُرف بعالم حضرموت ومفتى الديار الحضرمية “ . ويذكر المقحفي عن بداية حياة عبيد الله السقاف العلمية بأنه تتلمذ على يد والده ، ووالد زوجته ، وأستاذه الذي كان يوقره وهو العلامة عيدروس بن عمر الحبشي الذي كان يلقبه بالأستاذ الأبَرّ . ويزيد في توضيح سيرته الذاتية حفيده عبد الرحمن حسن السقاف ، فيقول “عنه انه فقيه عالم متبحّر مصلح وجيه شاعر أديب مؤرخ عُرف بمفتي حضرموت ولد في (( عَلَم بدر )) من ضواحي مدينة سيئون وتربّى في بيت علم وفضل … وكان والده يتولى تدريسه ويُخصص له الأساتذة ويصحبه ( ويصطحبه ) معه لمجالس العلم ولو بعُدت لتحصيل العلم ... وقد انتفع كثيرًا بالعلامة السيد عيدروس بن عمر الحبشي ( 1314 ) ( 1896م ) ويعتبره شيخ فتحه “ .
سيئون
[c1]العاِلم المُجاهد[/c] ولسنا نبالغ إذا أطلقنا على العلامة عبد الرحمن بن عبيد الله بن محسن السقاف بالعالم والفقيه والمجاهد والمناضل ، فهو لم ينكب على دراسة الفقه والعلوم الشرعية فحسب مثلما كان يعمل أقرانه من العلماء بل خاص غمار السياسة بقوة ضد بريطانيا وركائزها في المنطقة . فقد تفتحت عيناه وهو في شرخ الشباب على واقع مرير تعيشه حضرموت تحت نفوذ بريطانيا التي ثبتت أقدامها فيها والتي عملت على دس الوقيعة وخلق الفتن بين أهلها حتى تنساق له حضرموت طواعية ، ولكن هذا العالم الجليل الفقيه مفتى الديار الحضرمية رفض بشدة نفوذ بريطانيا في أرضه سواء في حضرموت أو جنوب اليمن ( المحميات ) ، فعمل على نشر المقالات في مختلف الصحف العربية ليفضح سياستها في المنطقة واتصل بالزعماء المسلمين . وهذا ما أكده حفيده عبد الرحمن حسن السقاف في ترجمة سيرته في الكتاب ، فيقول : “ ظهرت معالم شخصيته الفذة مبكرًا فلم يبلغ الخامسة والعشرون من عمره إلاّ وقد تصدر للتدريس والخطابة واتصل بزعماء المسلمين ونشرت مقالاته وقصائده في الصحف العربية بمصر وسوريا والمهاجر الحضرميّة التي صارت تعتبره علمًا وطنيًا “ . وكان ما يميز العلامة عبد الرحمن عبيد الله السقاف هو التزامه “ بمبادئ الأخلاق الإسلامية من معينها النقي ؛ كتاب الله وسنة رسول الله “. وكان يمقت التعصب الأعمى ويدعو إلى احترام حرية الفكر ، والبعد عن المغالاة والجمود . وساهم في تأسيس العديد من الجمعيات والهيئات في حضرموت وخارجها وتحديدًا جنوب شرق آسيا ، وعمل على توحيد صف أبناء جلدته وحثهم على ضرورة جمع كلمتهم على السواء لغرض بلوغ سلم التقدم والرقي . وفي هذا الصدد ، يقول السقاف “ بذل جهودا مضنية ( أي العلامة عبد الرحمن ) في دعوة أبناء وطنه حكاما ومحكومين مقيمين ومهاجرين لإصلاح بلدهم وبنائها واللحاق بالأمم المتمدنة فأسس الجمعيات والهيئات لذلك سافر إلى جنوب شرق آسيا فقرّب بين المختلفين وحثهم على بناء وطنهم كما زار السواحل الأفريقية وسجلت رحلاته مواقف يعتز بها بنو وطنه إلى الآن “. [c1]مع الدولة العثمانية[/c]
تريم
قلنا : سابقا أنّ العلامة السيد عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف ، كان يجاهر بعدائه للإنجليز الذين بسطوا نفوذهم على حضرموت وجنوب اليمن والتجأ إلى الدولة العثمانية التي كانت دولة الخلافة في الوطن العربي والعالم الإسلامي أو المرجعية والسند التي ترجع إليها الأمة العربية والإسلامية حينئذ وكانت في عداء مع الإنجليز وخاصة عندما نشبت الحرب العالمية الأولى ( 1914 ــــ 1918م ) ، “ فأتصل بدولة الخلافة العثمانية من خلال اتصاله بقائد لواء لحج سعيد باشا وعمل على أخذ عهود الولاء من سلاطين ومشائخ عدد من المناطق والقبائل اليمنية لدولة الخلافة العثمانية الأمر الذي جعله هدفاً يتربص به الاستعماريون البريطانيون وأعوانهم فهددوه بالقتل ، وتعرض للأذى والنفي عن بلدته “ . والحقيقة كانت رؤيته ثاقبة وآفاقه واسعة حول دسائس السياسة الإنجليزية التي تتبعها في حضرموت وجنوب اليمن ( المحميات ) الهادفة إلى بث الفرقة بين أهل المنطقة ، وقد رفعت شعار ( فرق تسد ) ليكون لها السيادة عليهم ـــ كما ذكرنا ـــ . ولقد أدركت السلطات الإنجليزية أنّ العلامة ابن عبيد السقاف يمثل لها خطورة كبيرة نظرًا لأنه كان عالمًا جليلاً وأنّ الناس حتمًا سيلتفون حوله مما سيكشف عن مخططاتهم في المنطقة نظرًا أنّ الحرب العالمية الأولى قد اشتعلت واستعر نارها في المنطقة ، وكانت تخشى أنّ تندلع التمردات من الداخل مما يزيد من صعوبة موقفها . والجدير بالذكر أنّ القائد العام للقوات العثمانية في اليمن علي سعيد باشا ، كان قد تمكن من الاستيلاء على لحج سلطنة العبادل سنة ( 1915م ) والذين كانوا تحت حماية إنجلترا إزاء معاهدة والولاء و الحماية التي أبرمتها معهم ، ولكن الأخيرة تخلت عنهم وعن منطقتهم نظرًا أنها كانت ترى أنّ المعارك الفاصلة المصيرية في الحرب تدور في فرنسا . وهذا ما دفع بالسلطات الإنجليزية أنّ يجعلوا العلامة عبد الرحمن بن عبيد السقاف ـــ كما قلنا سابقا ـــ “ هدفًا يتربص به ... فهددوه بالقتل وتعرض للأذى والنفي عن بلدته “ والذي كان يسعى سعيًا حثيثًا الى تجميع كلمة الأمة ضد مؤامرات السلطات الإنجليزية في المنطقة . [c1] موسوعة علمية[/c] وتعكس مؤلفاته العديدة الذي أصدرها أنه كان فقيها ، عالمًا نابغة , وأديبًا ضليعًا ، وشاعرًا مجيدًا ومؤرخًا متمكنًا . وتدل أشعاره أنه كان صوفي ( الهوى ). ونقتبس السقاف عن كتبه ، فيقول : “ له ديوان شعر من ثلاثة أجزاء طبع أحدهما بمصر سنة 1959 ، وقد عبّر شعره عن أدوار حياته من مقتبل شبابه حتى سنة وفاته مترجمًا مبادئ ومواقفه ومقارعته لخصومه وحساده وعبّر كثير من شعره عن حبه لرسول الله e وآل بيته الطاهرين ، وغلب على شعر المرحلة الأخيرة من عمره طابع المناجاة والابتهال إلى الله . ويستطرد قائلا : “ له مؤلفات قيمة أغلبها لا زال مخطوطًا وهي في علوم مختلفة في التوحيد وفي الشمائل النبوية والفقه وأحكامه والأدب ونقده والتاريخ والجغرافيا جميعها تشهد له بالعلم الموسوعي ، وفهم عميق بالمذاهب الإسلامية وعلم دقيق حتى بنصوص التوراة والإنجيل ، وعلم التاريخ الإسلامي ، وتاريخ الأمم الأخرى مع قدرة ذكية للتحليل والنقد ومنطق ، وحجة دامغة يحتج بها وحافظة أمينة لما يطلع عليه وبديهة حاضرة يستشهد بها وتمكن راسخ في اللغة وسلاسة في التعبير “. هذا وقد توفى العلامة عبد الرحمن بن عبيد ابن محسن السقاف عن عمر ناهز 74 عامًا في مدينة سيئون سنة ) 1375 هـ / 1956م ) “ وشيع في جمع لم يشهد له نظير من قبل ، عكس مكانته في قلوب الناس ، كما أقيمت حفلات التأبين في عددٍ من البلدان “ .[c1]محتويات المخطوط[/c] ويوضح الأستاذ إبراهيم المقحفي محتويات المخطوط ، قائلاً : “ والكتاب فريد في بابه فهو أول موسوعة جغرافية عن بلدان حضرموت ، إذا ما استثنينا كتاب (( النسبة إلى البلدان للطيب بامخرمة . فقد حرص فيه المؤلف على التعريف بالمشهور من بلدان حضرموت من حيث الموقع والنشأة والتاريخ والأسرات القاطنة وأبرز الرجالات وأدوارهم في مختلف مجالات الحياة . ويضيف ، قائلاً : “ كل ذلك مع استحضار الفرائد من الأشعار ، والأخبار ، وإيراد النكت والنوادر ، والشواهد من القصص بل كثيرًا ما نجده يعرج ( أي السيد عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف) إلى القضايا الفقهية والشرعية ، إذا ما استلزم الأمر تناول ذلك “ . [c1]الحضارمة وجزيرة العرب[/c] ويسوق مؤلف (( إدام القوت )) الأسر الحضرمية المشهورة التي كان لها بصمات واضحة في الحياة الاقتصادية في الجزيرة العربية في التاريخ البعيد ، وفي هذا الصدد ،يقول إبراهيم المقحفي : “ ولأن المؤلف ، قد عنى في هذا الكتاب بالحديث عن القبائل والعوائل القاطنة في كل منطقة ، وتاريخها ، وأصولها ، والمشهور من رجالها ، فإنّ ما لفت نظري هو حرصه ( أي مؤلف الكتاب ) على تسجيل تاريخ حياة عدد من الأشخاص الحضارم الذين أسهموا في النشاط الاقتصادي بالجزيرة العربية ، وعملوا على تأسيس كيانات اقتصادية ، حملت أسماء : آل بغلف ، وآل باخشب ، وآل باعشن ، وآل بخشوين ، وآل بقشان ، وآل بامشموس ، وآل باناعمة ، وآل باحميش ، وآل بالادن ، وآل العطاس ، وآل السقاف ، وآل العمودي وغيرهم “ . [c1]حضـــرمـــوت[/c] ويسوق مؤلف (( إدام القوت )) بعضًا من الروايات المتباينة عن جغرافية حضرموت ، فيقول : “ حضَرمُوت : ساكنة الضاد مفتوحة الميم ، وُلغة هذيل : ضم ميمها ، قال أبو صخر : “حدت مزنه من حضرمُوت مريُة ضجوجٍ لها منها مُدّر وحالب “ . ويضيف ، قائلاً : “ أنّ اسم حضرموت الأول هو ( عَبدَل )، وقال بعضهم : إنّ حضرموت كانت تُسمى ( وبَارًا ) ثم سُمّيت ( وادي الأحقاف ) ثم سُميت ( حضرموت ) . وينقل عن الشيخ أبوبكر بن عبد الله الحضرمي الشبامي عن وصف جغرافية حضرموت ، فيقول “ وقال الشيخ أبوبكر بن عبد الله باشراحِيل الحضرمي الشِبامي في كتابه (( مفتاح السُنة )) : حضرموت بلاد مشهورة متسعة من بلاد اليمن تجمع أودية كثيرة ، وقد اختص بهذا الاسم وادي بن راشد ، وساحلها : ( العين ) و ( بروم ) إلى الشحر ونواحيها ، والأحقاف بلاد عاد . وفي (( السيرة )) لابن هشام : بلاد عاد بين حضرموت وعُمان ... “ . ويسترسل : “ أنّ حضرموت ذكر اسمها في (( التوراة )) هذا ما ذكره ياقوت الحموي عن ابن الكلبي . ويمضي في حديثه ، بما معناه ، فيقول : “ ولقد ذكرت حضرموت في العصر الجاهلي . وهذا الشاعر أمرؤُ القيس يذكر في أحدى أبيات قصائده ، فيقول : “ تنورتها من أذرعتها وأهلها بيترب أدنى دارها نظر غالي “ . ويشرح عبد الرحمن معنى كلمة ( يترب ) ، فيقول عنها أنها مدينة حضرموت ـــ كما قاله الهمداني ـــ . والحقيقة لقد عرضنا غيضا من فيض عن الروايات المختلفة التي ساقها مؤلف (( إدام القوت )) . ويذكر كذلك عددا من مدن وقرى وأودية حضرموت وسنورد منها على سبيل المثال :
المكلا
[c1]الغيــــل [/c] الغيل ــ بفتح الغين ـــ ، وسكون الياء ـــ “ هو واقع في شمال شحير “ ـــ ويعقب الباحث والمحقق إبراهيم المقحفي على تلك العبارة التي وردت على لسان المؤلف ، فيقول : “ المقصود به : غيل باوزير وهى بلدة كبيرة سميت باسم ماء جار ، ونسبت إلى سكانها ( آل باوزير ) “ . ويقول صاحب (( إدام القوت )) : “ وفي اليمن مناطق كثيرة تحمل اسم ( الغيل ) “ . ويستطرد : “ أرض واسعة فيها عيون ماء غزيرة جارية ، عليها نخل كثيرة “ . وعن أهم محاصيلها الزراعية وإنّ لم تكن على الإطلاق هو التبغ ، فيقول : “ وأكثر ما يزرع عليها التبغ وهو أجود ما يكون ، يرسل منها إلى عدن وإلى مصر ، وإلى الحجاز ، ويستطرد قائلا : “ ويتغالى فيه أهل تلك الجهات لأنه مضرب المثل في الجودة “ . ويشرح المقحفي سبب تسمية هذا التبغ باسم ( التبغ الحمومي ) ، قائلاً : “ نسبة إلى قبيلة الحموم الساكنة في ذات المنطقة ، ويضيف ، قائلاً : “ والغيل منسوب إلى الشيخ عبد الرحيم باوزير “ . [c1] حريضة[/c] ويقول صاحب (( إدام القوت )) عن حريضة أنها : “ من أعمال وادي عمد قال : الطيب بامخرمة في كتابة (( نسبة البلدان )) سميت حريضة باسم قبيلة من حِمير ويسكنها السُكُونُ من كِنده .. وقال بعضهم : حريضةمصحفة عن قريضة ... كانت مسكن اليهود قبل البعثة ( المحمدية )بأربعمائة سنة . ، ترد إليها القوافل من صنعاء ، ومأرب ، وكانت بها أسواق ، وهى من بلاد عاد القديمة “ . ويستطرد : “ وفي غربي حريضه كثير من الآثار القديمة ، وقد أسفر الحفر في الوقت الأخير ( في تلك الفترة التي كان يعيشها المؤلف ) عن بيوت مطمورة تحت الأرض فيها معابد للقمر الذي ظهر هناك كثير من المباخر ، وعلى بعض الحجارة كتابات قديمة ترجع إلى أكثر من ألفي سنة “ .[c1]ناطحات السحاب [/c] شبام تلك المدينة القابعة في وادي حضرموت العريق ، وقد أطلق على بيوتها منذ التاريخ البعيد بناطحات السحاب . وقد صنفت المدينة ضمن المدن التاريخية العالمية . وعلى أية حال ، فقد ذكرها العلامة عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف بأنها كانت تحتل مكانة مرموقة في حكم الدولة الزيادية على اليمن وتحديدًا في عهد أبرز حكامها وهو حسين بن سلامة الذي حفر فيها الآبار ، وبنى فيها الكثير من الجوامع . ويقول صاحب (( إدام القوت )) أنّ الناس ، قد أجمعوا بأنّ اسم مدينة شبام في الحقيقة ما هو إلا لقب ، فيقول بالحرف الواحد : “ وأكثر الناس على أنّ شبامًا لقب : عبد الله بن أسعد بن جُشم بن حاشِد بن جُشَم بن خيران بن نواف بن همدان ، وبهذه القبيلة سُميت المدينة اليمانية الواقعة في قضاء كوكبان ، وبها أيضًا سُميت القلعة الواقعة في بقمة الجبل الخشام المُسمى كذلك باسمها وهو واقع في قضاء حَراز ما بين الحُديدة وصنعاء ، وقد نزل بعض تلك القبيلة بحضرموت وسكنوا شبامًا فَسُميت بهم أيضًا “ . وينقل صاحب مخطوط ( إدام القوت ) عن الطيب بامخرمة ، فيقول : “ شبام مدينة عظيمة بحضرموت بينها وبين تريم سبعة فراسخ ، إليها يُنسب جمع وخرج منها جماعة من الفضلاء والعلماء والصالحين . ويروي العلامة عبد الرحمن أنّ أول من ملك شبام قبل الإسلام هى قبيلة حمير ، ثم قبيلتا كِنده ، وحضرموت وكذلك الدول التي تعاقبت على حكم شبام منها الدولة الصليحية ، ودولةالرسوليين وغيرهما . [c1]سيؤون[/c] ينقل العلامة عبيد الله السقاف عن الشيخ المؤرخ سالم “ أنّ (( سيوون ، و (( تريم )) ، و(( شبام )) ، و(( تريس )) أبناء حضرموت ، وأنّ هذه البلاد سُمّيت بأسمائهم “ . وهناك رواية تقول بما معناه : “ أنّ سيوون سميت باسم امرأة ، كان يلتقي عند عريشها أو مكانها أهل السبيل “ . “ وكانت المرأة المُسَمّاة سيوون أول من اتخذت عريشًا في أطلالها الدائرة فغلب عليها اسمها “ . ورواية أخرى تقول بما معناه : “ أنّ اسم سيوون يعود إلى اسم يهودي مُحَرف عن صهيون “ . ويبدو أنّ سيوون تعرضت إلى الخراب والدمار بسبب النزاع بين القبائل ولكنها ازدهرت مرة أخرى . وهذا ما أكده العلامة عبيد الله السقاف ، قائلاً : “ وبعد ، فأن سيوون نهضت نهضة سريعة ، ونبتت كما ينبت الحبّ في حميل السيل “ وفي عهد السلطان بدر بن طويرق ـــ وهو أعظم سلاطين الدولة الكثيرية ـــ اتسع عمرانها اتساعًا كبيرًا . وتقول بعض الروايات التاريخية بما معناه : “ أنّ سيوون ، كانت قرية صغيرة قبل أنّ تتمدد وتتوسع لتصير مدينة كبرى من مدن حضرموت “ . ويصف المؤلف الحياة الاجتماعية في سيوون في تلك الفترة التاريخية البعيدة ، فيقول : “ منها عذوبة الماء حتى أنّ قائلهم يقول : ( سيوون والماء ، ولا سمن البَقر في شبام ) . ومنها اعتدال هوائها وكثرة صفائها ، ولهذا كان لها منظر جذاب يأخذ بقلوب أهلها ، فيكثر حنين الغائبين من أبنائها إليها “ . ويستطرد ، قائلاً : “ ولأهلها ميل إلى الأنس ، حتى أنهم يخرجون بأهاليهم ـــ في فصلي الصيف والخريف ـــ كل عشيةِ إلى الفضاء الرحب في سفوح (( يثمه )) على طبخ القهاوي ومناشدة الأشعار ومبادلة النوادر ، ثم لا يرجعون إلاّ للعَشاء مع نزاهة وصيانة ، وتباعد في المجالس “ . [c1]تريم قاعدة حضرموت[/c] تريم في تاريخها البعيد ، كانت مدينة العلم والعلماء ، ومن تحت معطفها تخرج الكثير والكثير جدًا من مشايخ الصوفية أو بمعنى كانت منبع الصوفية في اليمن الذين ساحوا في كثير من مدن اليمن ، ولقد أفاض صاحب مخطوط ( إدام القوت ) في مناقبها ومآثرها ، وفضائل فقهائها وعلمائها ، وتكلم عن أربطتها ، ومساجدها وعلمائها وأدبائها ، ومدارسها ، وأوديتها . تشعر أنّ تريم مدينة لها مكانة كبيرة في قلوب الكثير من مؤرخي ، وكتاب حضرموت . والحقيقة لقد أدت المدينة دورًا هامًا عبر التاريخ الإسلامي . ويذهب الكثير من المؤرخين الىأنّ تريم كانت مدينة السلام ، والأمن ، والأمان ، وكان يلتجأ إليها الناس في أيام الحروب الطاحنة التي كانت تدور بين القبائل المتنازعة على السلطة والجاه والنفوذ . وكان علماؤها يبذلون الجهود الجهيدة لتجنب حضرموت ويلات الفتن والاضطرابات . وكان لعلماء وفقهاء تريم دورًا غاية في الأهمية في نشر الإسلام وقيمه ومبادئه المثلى في شرق أفريقيا ، والهند ، وجزر الهند الشرقية ( اندونيسيا ) . وتذكر المراجع التاريخية الاندونيسية أنّ الكثير من السادة العلويين القادمين من تريم بصورة خاصة وحضرموت بصورة عامة استطاعوا أنّ يؤسسوا عددًا من الممالك والإمارات الاندونيسية وأنّ ينشروا فيها العدل والحق من ناحية وكان للحضارمة دورًا خطيرًا ومهمًا مع ا مع أخوانهم الاندونيسيين أهل البلاد الأصليين ضد المحتلين الهولنديين . ويوضح العلامة عبيد الله السقاف ( نقلا ) عن صاحب( التاج) عن سبب تسمية تريم ، فيقول : “ وتريم كأمير مدينة بحضرموت سُمّيت باسم بانيها تريم بن حضرموت . قال شيخنا : وهي عش الأولياء ومنبتهم ، وفيها جماعةُ ُ ممن شَهِد بَدرًا ، وفي موضوع آخر يصف مدينة تريم بأنها قاعدة حضرموت . ويذكر أول رباط بُني بتريم هو “ رباط الشيخ إبراهيم بن يحيى بافضل المتوفى سنة 684هـ ( 1285م ) “ . وعن أشهر مساجد تريم يذكر العلامة عبد الرحمن مسجد آل أحمد “.[c1]الملاح ابن ماجد[/c] ويذكر صاحب ( إدام القوت ) أنّ الملاح المشهور ابن ماجد ، يرتفع نسبه إلى الشيخين إبراهيم وأبي بكر آل باماجد وهما من تريم ، قائلا : “ أنّ الشيخ أحمد باماجد ، كان أشهر ملاح في المحيط الهندي أثناء القرن التاسع ( القرن 15م ) حتى قال أحد الإنكليز أنّ المحيط الهندي ، كان بحيرةً عربية من القرن الثامن ( القرن 14م ) إلى نهاية القرن الخامس عشر، وأنّ أحمد بن مجيد ( ماجد ) ، كان أشهر بحار في ذلك المحيط ، وهو الذي كان الدليل المفيد لفاسكودي كاما البرتغالي في بلوغه إلى الهند عن طريق جنوبي أفريقية ( رأس الرجاء الصالح ) “ . ويمضي في حديثه : “ والبرتغاليون يوجهون الثناء العاطر إلى أحمد بن ماجد ويصرّحون بأنهم وجدوا لديه خريطة بحرية على غاية الدقة ، وأدوات للملاحة لم تكن معروفة من قبل “ . ويضيف : “ من مذكراتي عن شيء من الجرائد أو المجلات . والخرائط المرسومة الآن للبحر الهندي ( المحيط الهندي) عالة على خريطة ماجد ، وفيه شاهد صِدق ودليل حق لمِا ، كان عليه العرب عامة والحضارم من التفوّق في الملاحة وغيرها من أسباب القوة والنهوض “ .[c1]--------------* الهامش : [/c]العلامة المؤرخ السيد عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف ؛ معجم بلدان حضرموت المسمى إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت ، تحقيق : إبراهيم أحمد المقحفي ، عبد الرحمن حسن السقاف ، الطبعة الأولى 1422 هـ ـــ 2002م ، مكتبة الإرشاد ، الجمهورية اليمنية ـــ صنعاء ـــ ميدان التحرير ـــ .