ناظم حكمت شاعر تركيا الكبير
يعد ناظم حكمت (7شباط1902-3حزيران1963) اعظم الشعراء في تاريخ الأدب التركي، بل ومن ابرز شعراء العالم في القرن العشرين؛ إذ كان اديباً-فناناً متكاملاً، فهو لم يكن شاعراً فحسب، وإنما كان كاتباً مسرحياً، مقالياً، قاصاً روائياً، مترجماً ورساماً؛ وعليه كان يستحق جائزة نوبل بجدارة. لقد قضى ناظم اكثر من نصف سني عمره مطارداً، سجيناً ومنفياً، وقد احب وتزوج بضع مرات! فمثلاً بلغت محكومياته ستاً وخمسين سنة! امضى منها ست عشرة سنة فعلاً في السجن، لاسيما بعد الحكم عليه في 30 آذار1938 بالسجن 28 سنة و4 أشهر مع الأشغال الشاقة، لكن السلطات التركية اضطرت الى اطلاق سراحه في أواخر شتاء 1950؛ إثر الحملة الدفاعية الكبرى، التي قام بها ادباء ومثقفو تركيا والعالم ، بعد اضرابه الطويل عن الطعام الذي آزره فيه بعض الشعراء .برغم ظروف ناظم الحرجة المضطربة، كان غزير الإنتاج، بل وكان نتاجه متسماً بالجودة النوعية؛ فحق لأورهان كما ان يقول: «ناظم حكمت آلة طابعة…. »أجل، إن ديوانه المنشور في بلغاريا يقع في ثمانية مجلدات، فضلاً عن 15 مسرحية،و 4 كتب (مقالات ودراسات في الأدب، الفن، الفكر والسياسة)، 3 روايات، مجموعة قصص قصيرة للأطفال والفتيان، والعديد من الترجمات عن اللغتين الفرنسية والروسية، ومنها الجزء الأول لرواية (الحرب والسـلام) لتولستوي-في 1942 وهو سجين- وسيناريوهات العديد من الأفلام، ناهيكم عن المئات من الرسائل الجميلة الموجهة الى الأدباء والفنانين وأهله وذويه…. بدأ ناظم كتابة الشعر منذ سن الحادية عشرة، وسرعان ما نما ونضج؛ هاضماً ومتمثلاً شتى المؤثرات التي ساهمت في بلورة وتكوين شخصيته الإنسانية والأدبية. ولقد اكد ناظم بنفسه: «ان جذور شعري تضرب عميقاً في تراب وطني، “إلا انني شئت ان استطيل بكل اغصانه إلى كل الأراضي ……الى كل الحضارات، التي شيدت فوق تلك الأراضي الى عالمنا الكبير…»وقد حقق ذلك فعلاً، حيث تبحر في لغته القومية، واضحى استاذاً قديراً استطاع ايصال الرومانسية الثورية إلى اوجها، وحقق قطيعة معرفية مشهودة مستوعباً مجمل تراثه القومي ومتجاوزاً إياه بإبداعه الأصيل اللامسبوق، في الوقت نفسه؛ وهكذا فقد احدث ثورة هائلة في الشعر التركي، إذ لايمكن البتة نكران تأثيره الجلي في الشعراء الترك، منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى اليوم، لاسيما في ذوي المشارب الأشتراكية منهم، كما أن تأثيره قد طال أيضاً الكثيرين من شعراء المعمورة، حيث لم يحظ أي شاعر تركي سواه بشهرته، وكثرة ترجمات اشعاره إلى عشرات اللغات الاخرى؛ فلم يأت احتفاء (اليونسكو) العالمي بمئويته في (2002) اعتباطاً او صدفةً. لقد وظف ناظم حكمت في شعره شتى اطلاعاته الموسوعية وخبراته المتعددة والمتنوعة، لاسيما في الفنون التشكيلية والدرامية والموسيقية والسينمائية، خصوصاً وانه كان رساماً، كما عمل لفترة مناسبة مع المخرج المسرحي الشهير مييرهولد (1874-1940)، ناهيكم عن ترجمته لسيناريوهات الأفلام الأجنبية (1928-1938) تحت اسمه المستعار (اورخان سليم)، وعليه فقد حفلت غالبية قصائده بنبض درامي حيّ، وتقنيات فنية رائعة، سواء أكانت تشكيلية أو موسيقية أو سينمائية، كما في (قصة القصص) هذه رغم بنيتها السردية، والتي يطرح فيها فلسفته التفاؤلية في الحياة والوجود.