عندما سافرت إلى السودان من فترة ليست قصيرة تحديدًا في أوائل سنة 1984م للدراسة بجامعة الخرطوم في مجال دراسة علم التوثيق في جامعة الخرطوم العريقة وذلك على حساب منظمة اليونسكو في باريس ، ولقد ركبت الطائرة الألمانية ( لوفتهانزا ) المتجهة إلى العاصمة السودانية الخرطوم من مطار أديس أبابا العاصمة الأثيوبية ، وشاهدت من خلال نافذة الطائرة سحباً بيضاء تكوّن البعض على أشكال دببة أو أرانب ، أو جبال ناصعة البياض . وتراءت أمام عيني الحركة أو الثورة المهدية في السودان التي تعد أحدى حركات الفكر الإسلامي المعاصر التي تصدت للتغريب الغربي المتمثل بالاستعمار الإنجليزي ، والقوى الأوربية الأخرى في أواخر القرن السابع عشر الميلادي .[c1] زعيم الثورة المهدية[/c]وقد اشتعلت الثورة المهدية لمدة أربع سنواشت ( 1882 ـــ 1885م ) بذلت فيها الثورة تضحيات جساماً ، وتخضبت أرض السودان الغالية بدماء الثوار ، وتحت ضغط ثوار وأنصار الحركة المهدية أجبرت القوات الإنجليزية إلى التراجع عن الكثير من المدن السودانية المهمة ، وسقطت العديد من تلك المدن في يد الأنصار . على الرغم من البون الواسع في القوة العسكرية بين الحركة المهدية التي كانت في حوزتها بنادق شحيحة وقديمة أمام قوة وجبروت السلطات الإنجليزية المدججة بالأسلحة الحديثة الفتاكة حينذاك من بنادق حديثة ، ومدافع مدمرة ، فقد أجبر أنصار الثورة المهدية القوات البريطانية على الجلاء عن السودان . وقد أشاد المؤرخون والكتاب الإنجليز المحايدون بعظمة الثورة المهدية، وقائدها وزعيمها محمد أحمد المهدي الذي فجر الثورة الذي وصفته بأنه ، كان شجاعًا ، جسورًا، حكيمًا ، ذا شخصية قيادية رائعة, استطاع أنّ يجمع حوله الكثير والكثير جدًا من الأنصار ، والأتباع، والمريدين على تباين مشاربهم الاجتماعية ، فالتفوا حوله كما يلتف السوار حول المعصم. ويتعجب المؤرخون البريطانيين بأنّ الثورة المهدية اندلعت في أوضاع دولية غاية في التعقيد أو بمعنى آخر أنّ كفة ميزان الاستعمار الإنجليزي والقوى الأوربية الاستعمارية الأخرى، كانت تميل لصالحهم بسبب القوة العسكرية والأسلحة الحديثة الفتاكة التي كانت تمتلكها وجيوشها المدربة تدريبًا رفيعًا . فقد احتلت إنجلترا مصر سنة 1882م وذلك بعد إخماد الثورة العُرابية بقيادة أحمد عرابي ، وقبلها احتلت عدن بالقوة سنة 1839م ، وفرضها نفوذها السياسي والعسكري على أمراء وحكام الخليج العربي والجزيرة العربية من خلال معاهدات الحماية أبرمتها معهم . وأمّا القوى الأوربية الأخرى أخذت تتكالب على شرق وغرب أفريقيا فأسست لها مستعمرات ومستوطنات في تلك المناطق الأفريقية . فاستولت فرنسا على أبوك أو أبوخ ومنها تكوّنت مستعمرة جيبوتي في سنة 1862م ، ولم يمض وقت حتى احتلت فرنسا الجزائر سنة 1830م ، ودخلت بلجيكا ، وألمانيا حلبة الاستعمار في أقاليم غرب أفريقيا ، أمّا ايطاليا ، فقد أنشئت لها مستعمرة في إريتريا سنة 1890م الواقعة شرق أفريقيا . [c1]من الحركات الإسلامية المعاصرة[/c]وفي سنة 1885م ، استولت الثورة المهدية على الخرطوم ، وقتلت الحاكم العام الإنجليزي في السودان غوردن المتغطرسة والتي أدت سياسته العنيفة ، والقمعية في السودان إلى اندلاع الثورة المهدية ــــ والذي من أجله أنشئت الملكة فيكتوريا جامعة سمتها باسمه، تخليدًا لذكراهــــ وهى جامعة الخرطوم ( حاليًا). وفي نفس السنة البي دخل أنصار المهدي الخرطوم فيها توفى زعيمهم الشيخ محمد أحمد المهدي ، وولى من بعده الشيخ عبد الله التعايشي . ويبدو أنّ شخصية الشيخ عبد الله التعايشي لم تكن مثل شخصية مفجر الثورة الشيخ محمد أحمد المهدي من القوة والهيبة . فقد انفض الكثير من أنصار الحركة أو الثورة من حوله ، وقد لعبت المؤامرات ، والدسائس التي نسجتها السلطات الإنجليزية في تفريق كلمة أنصار الثورة المهدية ـــ وهى السياسة الإنجليزية القديمة ، فرق تسد ــــ فضلا عن ذلك أنّ المد الاستعماري حينذاك، كان قويًا ، فأطفأ جذوتها، ولكن جمرات الثورة ، كانت مشتعلة تحت الرماد ، وظلت الثورة أو الحركة المهدية تؤرق إنجلترا حتى بزوغ فجر استقلال السودان في الأول من يناير سنة 1956م . وخلاصة القول أنّ الحركة أو الثورة المهدية تعد من الحركات الإسلامية المعاصرة في الوطن العربي لكنها مع الأسف الشديد لم تحظ بمساحة واسعة من العناية والاهتمام من قِبل المؤرخين والكتاب، فنرجو مزيدًا من تسليط الأضواء الكاشفة والقوية على تلك الحركة أو الثورة المهدية التي كان لها تأثير واضح وعميق على مجريات الأمور السياسية في السودان في تلك الفترة التاريخية .
|
تاريخ
الثورة المهدية في السودان
أخبار متعلقة