منبر التراث
محمد زكريا[c1]في القاهرة[/c]تعرفت بالمؤرخ الكبير سلطان ناجي لأول مرة عندما زار القاهرة في أوائل سنة 1970م ، عندما كنت طالبًا في السنة الأولى في كلية الآداب بجامعة القاهرة , وطلب مني أن أرافقه إلى مكتبة كلية الآداب وتحديدًا قسم التاريخ ليطلع على بعض المراجع التاريخية التي تتحدث عن العلاقة التاريخية بين اليمن ومصر عبر التاريخ. والحقيقة كان المسؤولين في مكتبة جامعة القاهرة يستقبلونه بكل حفاوة وترحيب , وقدموا له كل الخدمات والتسهيلات في أبحاثه . والحقيقة لقد كان مؤرخنا الكبير الأستاذ سلطان ناجي موسوعة في تاريخ اليمن وخصوصًا في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر من ناحية وكان ذا ثقافة واسعة في الكثير من العلوم والمعارف الإنسانية من ناحية أخرى . [c1]مؤرخ نابغة وكاتب كبير[/c]وعندما كان يتكلم عن تاريخنا يشعر المرء أنه أمام مؤرخ نابغة ، وكاتب بارع بكل معنى لهذه الكلمة . وكانت له قدرة كبيرة على سرد الأحداث التاريخية بأسلوب متسلسل وسلس وسهل ينفذ إلى القلب قبل العقل فهو لا يدون الأحداث المجردة كما هي بل يصيغها بأسلوب أدبي رفيع أو بعبارة أخرى كان ينفخ فيها الروح الأدبية للتجسد وتتجسم وقائعها أمام القراء . وكان دائما يقول لي رحمه الله - أنه :"من الخطأ الجسيم أن نشرح ونفسر ونحلل الأحداث والوقائع الماضية بأفكار الحاضر" . [c1]ولعه الشديد بالقراءة[/c]ولقد لفت نظري عندما كنت أرافق الأستاذ سلطان ناجي إلى العديد من مكتبات القاهرة لبيع الكتب مثل مكتبة الحاج مدبولي الشهيرة الواقعة في ميدان طلعت حرب وسط القاهرة شغفه الكبير بالكتب , وولعه الشديد بالقراءة , وكان يشتري الكثير من الكتب التاريخية فضلاً عن الكتب الأدبية , وكنت أتعجب من ذلك , فيرى التعجب مرسوم على ملامح وجهي ، فيبتسم ابتسامة رقيقة ، فيقول إلىّ : " أنه من الضرورة بمكان أن يكون المختص في كتابة التاريخ على دراية واسعة بالأدب بشقيه النثري والشعري حتى يستطيع أن يطوع الأحداث المجردة الجامدة إلى أحداث حية و متحركة تشد القراء لأحداث التاريخ " . ويضيف ، قائلاً : " وأن على الباحث أن يلم بالعلوم الإنسانية المختلفة والمتنوعة وبذلك تفتح له آفاق واسعة في ميدان التاريخ . [c1]التاريخ مسؤولية وأمانة[/c]وكان مؤرخنا الكبير - رحمه الله - سلطان ناجي - يؤكد لي بأن من يرغب أن يكون باحثاً حقيقيًا في كتابة التاريخ أن يتجرد من الأهواء السياسية ، والعواطف الشخصية ، فالمؤرخ الصادق ، والأمين في كتابة أحداث التاريخ أشبه بقاضي نزيه وضع نصب عينيه إظهار الحقيقة حتى ولو كانت مُرة أو صعبة " . فالتاريخ مسئولية وأمانة على عاتق المؤرخين - على حسب قوله - . [c1]التاريخ العسكري لليمن [/c]ولسنا نبالغ إذا قلنا ، أن مؤرخنا الكبير والقدير الأستاذ سلطان ناجي استطاع أن يكتب كتابًا لم يسبقه أحد من قبله من المؤرخين المحدثين وهو كتاب (( التاريخ العسكري لليمن )) والذي بذل فيه جهودًا مضنية ، وعلى الرغم من مرور السنوات الطويلة على صدوره إلاّ أنه مازال مرجعاً هامًا للباحثين والدارسين اليمنيين وغير اليمنيين في دراسة تاريخ اليمن العسكري حتى هذه اللحظة . والكتاب يروي بأسلوب سلس ، وعميق أحداث تاريخ اليمن العسكري ابتداءً من سنة ( 1839 وحتى 1967م) أي أنه يغطي مساحة زمنية تبلغ ( 128م ) المليئة بالأحداث والوقائع العسكرية الملتهبة والخطيرة التي وقعت في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر , وفي - رأينا - أن على العسكريين بمختلف رتبهم العسكرية أن يطلعوا عليه ليتعرفوا على تاريخ اليمن العسكري بصورة خاصة والذي هو جزء لا يتجزأ من نسيج تاريخ اليمن الحديث والمعاصر .[c1]لماذا هذه الطبعة ؟ [/c]والحقيقة لقد سعدنا ، وسعد الكثير من الباحثين والدارسين , والمختصين بتاريخ اليمن العسكري بالفتة النبيلة ، والكريمة ، والحكيمة التي أصدرها فخامة الرئيس علي عبد الله صالح ، القائد الأعلى للقوات المسلحة بإعادة طباعة كتاب التاريخ العسكري لليمن )) . و في مقدمة الكتاب يطرح سؤالاً وهو ( لماذا هذه الطبعة ؟), فتقول : " تفضل فخامة الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة بإصدار توجيهاته الكريمة بإعادة طباعة كتاب ( التاريخ العسكري لليمن ) للمؤرخ الكبير الأستاذ ( سلطان ناجي ) رحمه الله ، ويعكس التوجيه إدراكاً عميقاً بالقيمة الكبيرة للتاريخ كمسيرة بشرية وفكرية حضارية للشخصية الوطنية لأي شعب ، وكذلك لموقعه ومكانته في منظومة العلوم الإنسانية لخوض غمار الحياة ومواجهة تحديات المستقبل ، ذلك أن التاريخ ليس مجرد علم دراسة الماضي ولكنه أيضاً علم قراءة المستقبل " .