في روايتها التي لم تر النور
بغداد / متابعاتتداولت بعض المواقع الإلكترونية رواية لمراسلة قناة (( العربية )) الفضائية الشهيدة أطوار بهجت التي أغتيلت مع زميليها عدنان خير الله وخالد محمود الأسبوع الماضي، بينما كانوا يغطون تداعيات تفجير قبة مزار شيعي في سامراء. وجاءت الرواية التي لم تسمح لها يد الغدر أن ترى النور في حياة الزميلة أطوار، بعنوان "عزاء أبيض أو ليلة وأد بغداد" وحملت الكثير من الشجن في مقاطعها التي رصدت خسارة الوطن وخسارة الحبيب في آن واحد وكأنها استشرفت الموت.تقول أطوار في إهدائها في بداية الرواية "إلى الذي تمنى بدايتي وانتهى قبل أن أبدأ.. أبي.. إلى التي لا تستحق عقوقي أبدا.. أمي.. وإلى أبي الهول.. أصخب صمت عرفته... إليك فقط.. بشّر غرورك بالشوق" وتقول الكاتبة في تمهيدها للرواية " لن أكذب لو سئلت عن هذه الرواية.. لن أدّعي أنك لم توجد في حياتي، وأني امرأة تجيد ابتكار الرجال كما تجيد الجراحُ ابتكارها.. لن أقول إني اخترعتك لأجل الأدب فقد كنت مؤمنة بأن الكون اخترع الأدب إكراما لحروف اسمك.. يا سيدي، لن أكابر فطمئن نزقك. هاأنا ذا وعلى الملأ أعلن أني ما عشت حياتي إلا لك، أبدا أنت الحقيقة الأمر فيها وأنت الحلم الأحلى. سأعترف أمامهم بأنك من هجرني، وأنك من استلبني حد الكرامة، وأنك من أحببته للموت وما أحبني. مشكلتي أبدا أن الكلمات فضيحتي، ومشكلتها أنك فضيحتها الأجمل. لا أدري إن كنت مازلت أحبك، لكن لا أنكر توقي لصوتك، ولهي بعطرك، حنيني لشِعرِكَ..أجل، أفتقدك رغم النزيف، ليس لأني امرأة لا تقوى على الفراق، بل لأنك رجل لا يقوى الفراق عليه، رجل بخيره وشره لا يمرّ عابرا أبدا.. حنين 11-12-2004". فيما يلي نورد مقاطع من رواية أطوار بهجت كما أوردتها صحيفة "الوطن" السعودية: « أكان ذلك ذات حلم أم ذات كابوس؟؟.. لا أدري.. بدأ الأمر لحظة قررتُ أن ألقي بنفسي في لجّة كفيك لتتلاقفني خطوط القدر وتلفظني حطاماً على شواطئ الأسئلة. كم سنة من الحزن أحتاج لتذكر عام ونصف، وكم نهراً من الدمع سيلزمني لأبكي دجلة والفرات؟! كم كفاً أريد لأبدد حشود الضباب التي تئد عيني كلما حاولتُ استعادة صور تلك اللحظات.. دبابات تسعى فوق جسد روحي، ووطن خنقته الخيبات فما عاد يملك لحظتها حتّى أن يستغيث، وتمثال أرادوا له أن يختصر بلاداً عرضها النخيل والوجع. صراع الحديد مع الحديد طال، وفاتح العصر الجديد تسلق قمّة الهزيمة العربية ليعقل الرأس الحديدي بعلم بلاد الكاوبوي بعدما لم يجد له عقالا في أمته.. كل الكاميرات اتجهت نحو المهللين والعالم ما عاد يرى غير صورة حشود غوغاء وقفت ترقص على جثة بلادها التي استبيحت أمّا من بكى فلا مكان له.. كلّ حصّته تلك الزاوية القصية عند مدخل فندق الميريديان، وخياره الوحيد التواري فبكاء العراق اليوم تهمة.. لا بأس تواروا فالتاريخ بأكمله توارى مختاراً دور مسيحنا المنتظر وساعته على ما يبدو ما زالت بعيدة وبعيدة جدا إن كانت ستجيء.. توارى الباكون وتصدر المهللون صفحات الجرائد وشاشات التلفزة، ما عاد أمام سنواتنا الآلاف إلا مداراة الخجل وانتظار الأجل. و... وسقط التمثال.." "كعادتي أبدا، أتشبث بأذيال الذاكرة وأبحث عنك بدأب يليق بفجيعة الفقد. تقول أحلام مستغانمي: عندما تفقد المرأة حبيبا تكتب قصيدة وحينما تفقد وطنا تكتب رواية، تُرى أي كتابة ستلخصني اليوم وقـد رزقـت الفجيـعـتين مـعا؟!. أنـا التـي خسـرت كـلّ شيء فغـنّي بذكري يا بـلادي.. أنا التـي خسـرتكِ وخسرته وجاءت اليوم ترثي نفسها بكتاب.. أخالف أحلام كثيرا هنا إذ ادّعت أننا نكتب الرواية لنقتل من نحب في دواخلنا، هاأنا ذا وبعد أن يئست من قتلك أعود فأكتبك. أكتب عنك، أكتب لك، أكتب بك، أكتب منك، أكتب فيك، أكتب وأكتب وأكتب إيغالا في حبك وإمعانا في قتلي.. أغسل جرحي بملح الذكرى لا لشيء إلا مخافة نسيانك أو نسيان تلك اللحظة.. هل تذكرها؟؟ كنتَ على حافة وطن، وكنتُ على حافة حب، التقينا في الوسط تماما عند الخسران. القاعة نفس القاعة والعازفون هم أنفسهم، وحدها الأحزان من تغير. حاولتُ مراراً ستر دموعي عنك، فهي المرة الأولى التي نلتقي، لكنك رأيتَ وسكتََّ عما رأيت.. أوّل لقائنا كان دمعاً، أتساءل الآن أما كان عليّ قراءة الكتاب من عنوانه؟! أما كان عليّ تجنب التيه في صحرائك كل هذه الدهور؟! لا أدري لكنني ورغم كل ما حصل لا أظن أنّي أشعر بالندم.. هل هو إصرار على الجنون، ربّما، لكنّه إصرار على الحياة أيضا.. ممتنة لك، أمهلتني يومها من البكاء ما أشاء ثم منحتني كذبة المكابرة. وكابرت أو هكذا ظننت إلى أن لاح ذلك الرجل طيفا من أيام خلت، وضعني تماما في مواجهة كل الذي مضى.. أدهشني وقوفه في هذا المكان، لم أملك كبح جماح نفسي وأنا أعدو إليه، كنتَ ما زلتَ غريباً وكان ما زال قريباً وصديقاً.. عانقتُـه وبكيـت فلم يملك لذهـوله إلا الصمـت ولـم أمـلك لصمتـه إلا البكـاء. مازال هناك أمل، كلّ شيء قابل للإصلاح. لا أظنّه سيعيد نفس الكلمات لو التقيته اليوم، ودّعته على موعد لم أفِ به حتّى الحين وهرعتُ نحوك بلا موعد.. دخلتُ دنياك لحظتها، أو ربّما اجتحتَ أنت عالمي.. اقتحمتَ عليّ جرحي بمنديل ونشيد وطن سليب، مسحتَ دمعتي يومها، لكنك منحتني بعدها عمراً من الدمع، لم تكن صفقة عادلة أبدا يا سيدي.. ليتك كنتَ تركتني أبكي وطني فقط، ربّما كنتُ أجد نفسي في رصاصة محتل وما كنت لأضيع هكذا بين وطنين سليبين لا يبدو أنّ أحدهما سيقبل قريباً منحي حقّ الموت على بابه. هل أنتِ الآن أفضل؟ أجل أفضل بكثير.. كنتُ واهمة، كانت سكرة الموت في المنافي وكنتَ ملاكه وكانت البداية، قرأتُ في عينيك ألف عام من الحب وعام وما ملكتُ أن أكون شهرزاد، لم أكن غير جواريك المنذورات للذبح يامولاي، وها قد اختصرتُ عليك الطريق إلى رقابهنّ جميعاً.»