اعترف أنني كنت أرفض أن أقوم بزيارة تركيا . رغم الحوافز والمغريات التي قدمها لي صديقي الانجليزي الذي يملك منزلا هناك . وكان يلح علي أن اذهب لزيارة تركيا والسكن في منزله . فكنت في كل مره أتحجج باني ذاهب إلى أوربا أو إلى شرق آسيا هربا من فكرة زيارة تركيا . والسبب دعاية مغرضة يتناولها الناس عن الشعب التركي وتعامله مع العرب عندما يزورون تركيا .وقد اثبت الواقع أن كثيراً من الأخبار عن الشعوب يتداولها الناس وتنتشر فيما بينهم من دون أن يلامسها أي شيء من الحقيقة. ونحن كشعوب عربيه تعودنا أن ننشر أخباراً ومعلومات عن تعامل الشعوب من نسج خيالنا. ويبدو أن هذه صفه سيئة فينا وقد اتفق معي أكثر من مواطن عربي على ذلك .وكان صديقي الاسكتلندي يعرض علي بعض المغريات في أنني سأجد الآثار التي اعشق مشاهدتها . والمساجد العريقة . والمتاحف الكبيرة التي تبهرني . والشعب التركي الودود والطبيعة الجميلة . وكل تلك المغريات والمواصفات حقيقة تسيل لعابي في زيارة أي بلد كان في العالم . لكن ما سمعته وما وصل إلى مسمعي من أخبار عن تعامل الشعب التركي بشكل جاف مع العرب هي التي جعلتني أتردد في قبول الدعوة وأثبتت الأيام عدم صحة كل ذلك . وأثبتت الأيام أننا كشعب عربي نتقن وبشكل مؤثر صناعة وترويج الأخبار الغير صحيحة والمؤثرة . فتجد مثلا من يتحدث عن التعامل الذي يلقاه الناس من الشعب التركي وبشكل مغلوط من دون أي دليل . وآخر يتحدث عن الجفاء في تعامل الشعب السوري مع الآخرين . وآخر يمني في اليمن بتمنطق ويتحذلق بفلسفته أمام الآخرين ناشرا دعاية غير صحيحة عن تعامل الأخوة السعوديين مع اليمنيين . ونأتي أخيرا فنجد من يحمل الجنسية اليمنية وهو يمني مقيم في الخارج ولم تطأ قدمه أي شبر في اليمن يشرح وينظر ويحلل وينقل صوراً سلبية عديدة عن اليمن نقلها من خياله ومن خيال آخرين أمثاله .وأعود للحالة التركية .. وأخيرا قبلت الدعوة لزيارة تركيا على مضض . وذهبت إلى تركيا وبالطبع إلى العاصمة التجارية والاقتصادية اسطنبول كان ذلك قبل حوالي خمس سنوات مضت .وألآن وبعد كل تلك السنوات أصبحت من مدمني زيارة تركيا للعمل والسياحة وياله من إدمان محمود . حيث أزورها للمرة السابعة, بعد أن ترددت في الذهاب إليها ومن المؤكد أنني كنت مخطئا في عدم قبولي الدعوة منذ البداية . وهذا الاستنتاج الذي توصلت إليه . والاستنتاج الآخر في انه علي إلا استمع إلى أخبار وتعليقات إلا من مصادرها الرئيسية وإلا فأنني لن أخطو خطوة صحيحة في حياتي حيث سيتلاعب بي الآخرون يمنة ويسرة .لن ادخل في وصف تركيا الآن فهذه البلاد الكبيرة العريقة والعظيمة تستحق ان توصف أكثر من كل ذلك . فالشعب التركي المتمسك بإسلامه وبشكل طبيعي ووسطي وغير انفعالي ولا متشدد يستحق منا الاشادة بأنه أحد عوامل نشر الدين الإسلامي في أوروبا المسيحية . ويستحق التحية لمحافظته على تعاليم الدين الإسلامي الأساسية . رغم أعداد الملايين من السياح الأجانب غير المسلمين . والذين يأتون لزيارة تركيا سنويا من الدول الغير مسلمه والذين ( رغم كثرتهم) لم يؤثروا في تمسكهم بدينهم وأتخيل أنا هنا انه لو قدر للدولة التركية أن تكون عضوا كامل العضوية في الاتحاد الأوربي لتغيرت أوروبا ولاكتسح الإسلام أراضي أوروبا دون أدنى شك في ذلك .لقد تجولت في اغلب وأشهر مناطق الأراضي التركية ومدنها المشهورة . وأقولها بصريح العبارة فقد أثرت في نفسي زيارة تركيا وأثر في نفسي أيضا التعامل الأخوي الودي من الشعب التركي لكل سائح وخصوصا المسلمين.وأقولها بكل فخر واعتزاز أن الأتراك بمجرد أن يعرفوا أنني من اليمن أقابل بالود والمحبة بشكل لا استطيع وصفه وهذه الصورة من الاعتزاز والفخر التي ألقاها بسبب أنني يمني تدعوني للفخر أيضا فتحية هنا لبلادي اليمن . أعود وأقول وأنوه إلى انه قد سنحت لي الظروف والفرص في الاطلاع وزيارة الكثير من المصانع التركية العملاقة . والتي تغطي بمنتجاتها مساحة واسعة من دول العالم الثالث والثاني والأول إذا صح مني هذا التقسيم .والصناعة التركية الثقيلة والمتوسطة الآن لا تحتاج إلى شهادة مني بكفاءتها . فتفوقها وجودتها ورخص سعرها عن الكثير من الصناعات الأوروبية والأسيوية يلمسه كل من يتعامل في هذا المجال وقد أثبتت الأيام والتجارب كل ذلك .هذا في مجال الصناعة . أما لو عرجت على البنية التحتية التركية . وهي التي شدتني وتشدني كثيرا كل مرة. فان هذا البلد يملك بنية تحتية قوية ومتينة تجاوزت حدود المدن ووصلت إلى ا لقرى النائية البعيدة أقول ذلك من واقع ما شاهدته ولمسته . وما وصول شبكة الكهرباء والطرق والاتصالات والصرف الصحي لقرى نائية إلا دليل على التخطيط السليم وعظمة وكفاءة الخبرة التركية ليس الآن وإنما منذ سنوات طويلة .فالبلاد التركية ترتبط مدنها بشبكة من الطرق الحديثة والسريعة والمنظمة والميسرة لأي سائق غير تركي للوصول إلى هدفه . مادام يحمل خريطة واضحة ميسرة دقيقة لكل مناطق الجمهورية التركية رغم اتساعها . ولم تكن اللغة عقبة بتاتا . وان دل هذا على شيء فإنما يدل على التخطيط السليم والمنجزات الضخمة في مجال النقل .أقول ذلك وقد قمت سائقا بعدة جولات وزيارات لعدة مدن مختلفة في شمال وجنوب وغرب تركيا الكبيرة المساحة وقد قطعت مئات الكيلومترات من مدينة إلى أخرى وفي بعض الأحيان تنقلت بالحافلات من مدينة إلى أخرى . فلم أجد فرقا بين السفر بين المدن التركية بالطائرة أو بالحافلة . وهذه شهادة على جودة النقل ورقيه في تركيا سواء في نوعية الخدمات والاستراحات الراقية والنظام أو مراكز التنقل والانطلاق الضخمة للسفر بين المدن .ولو عرجت على مطارات المدن التركية الخمسة التي زرتها فإنني هنا أذكر مقارنة بسيطة استنتجتها قبل شهر من وقتنا هذا. وهي أن مطار سان بطرسبورغ الدولي ( وهي المدينة الثانية في روسيا بعد موسكو) لا يساوي في جمال وحداثة وضخامة اصغر مطار سافرت منه في تركيا والمطاران سافرت منهما في شهر يوليو الماضي وفي هذه السنة 2009 .ومن المؤكد أن مفهوم المقارنة قد فهمت هنا لدى القارئ الكريم . وآمل أن تكون مفهومة لدى المسئول الكبير.حقيقة كنت محظوظا جدا لزيارة عدة مصانع تركية في عدة مدن . والسير في طرق سريعة بين المدن . ومشاهدة تركيا من الداخل بشكل واضح . والتعامل التجاري مع الشركات التركية . والتعامل مع الشعب التركي كرجال أعمال ومواطنين وموظفين وعاملي فنادق واستراحات بل وسكان قرى بسطاء .تركيا بلد عظيم بما تعنيه هذه الكلمة من رفعة وفخر . والمنتجات التركية والصناعة التركية ومشاريع الطرق والسدود والمنشئات السياحية والرياضية والمطارات تثبت لنا جميعا وللعالم أن تركيا كانت ولازالت إمبراطورية.في ختام هذه الجولة السريعة والقصيرة جدا لمآثر الشعب التركي الشقيق ومنجزاته في بلده . وللوصف الموجز لتركيا الجديدة العظيمة والحديثة . وللنهضة التركية والتقدم الذي لمسته في كل النواحي . وللخبرات التركية في كل المجالات تبرز اسئلة هنا أتمنى من أصحاب القرار والنفوذ الاهتمام بها ألا وهي :لماذا لا نستفيد من كل تلك الخبرات الفنية والتكنولوجية التركية ونحن اٌقرب إليها وهي قريبة منا من الناحية الاجتماعية والعقائدية ؟ ألسنا أحق من أن يستفيد منها الغرب ونحن نتفرج !؟أليست تركيا أحق (كدولة شقيقة) في إرساء بعض المشاريع الكبيرة عليها في اليمن وفي البلاد العربية الأخرى؟كثير من المصانع التركية (وقد زرت احد المصانع في اسطنبول) تذهب منتجاتها إلى أوروبا . ونستوردها نحن من أوربا على أنها أوروبية فهل هذا غباء منا أم عدم معرفة ! فعلا تركيا بلد عظيم تستحق كل تلك الإشادة .ومادام بيننا وحل ضيفا علينا وزير الصحة التركي والوفد المرافق له للأطلاع على موقع انشاء المستشفى المركزي في محافظة أب والذي ستساهم في انشائه تركيا الشقيقة فانها مناسبة عظيمه ان نشير الى كل ذلك وكلي أمل ان تلقى هذه الكلمات صدى لدى حكومتنا ولدى القطاع الخاص فتركيا مازجت بين الماضي والمستقبل.[email protected]
تركيا .. هل نستفيد منها ؟
أخبار متعلقة