
وعلى الرغم من أنه كان يشغل منصب مستشار إعلامي في هذه المؤسسة الهامة، إلا أن تعيينه لم يحمه من مضايقات قسم الإعلام داخل المؤسسة، مما اضطره للقيام بمهمة التصوير الفوتوغرافي - وظيفة أبسط بكثير من خبراته الواسعة.
هذا المثال يعكس واقع العديد من الإعلاميين اليوم، خاصة في زمن الحرب المستمرة منذ عشر سنوات، حيث أُجبر البعض على الابتعاد عن تخصصهم والعمل في مهن مختلفة بمردود ضعيف، مثل بيع القات أو العمل في محلات تصليح السيارات. أسباب هذا التشتت متعددة، وربما كان أحدها رغبتهم في الحفاظ على حيادهم المهني في بيئة تكاد تُجبر الجميع على الانحياز.
لكن الحقيقة المؤكدة أن أي عمل شريف ليس فيه عيب، إلا أن البقاء في مجال الإعلام يسمح بتحقيق إبداع حقيقي يعود بالنفع على المجتمع والإعلامي بنفس الوقت، والعمل خارج التخصص غالبًا لا يوفر الأمان المالي الكافي لتلبية أبسط متطلبات الحياة. وهذا لا يقتصر على الإعلاميين فقط، فهناك دكاترة جامعات وطيارون أصبحوا مضطرين للعمل في بسطات عربيات أو الزراعة، نتيجة الظروف الصعبة التي فرضتها الحرب والفوضى الاقتصادية.
لذلك، إذا أردنا إعلامًا متميزًا وقادرًا على التطور، يجب استثمار خبرات المخضرمين الذين بدؤوا مسيرتهم منذ التسعينيات، سواء من خلال استشارات إعلامية أو تدريب الأجيال الجديدة. أما الجيل الحالي من الإعلاميين والمبتدئين فيمكن أن يستثمروا نشاطهم الميداني في الأعمال التي تتطلب حركة وحضورًا فعليًا، بما يحقق التوازن بين الخبرة والنشاط، ويكسر الرتابة التي تعاني منها وسائل الإعلام.
في النهاية، نجاح الإعلام ليس مجرد نقل أخبار، بل صناعة تأثير، واستثمار الطاقات والخبرات هو الطريق الأمثل لتحقيق ذلك.