اختاروا السلام بدلاً من الغرق في مستنقع العنف. في مشهد قل نظيره، ابتسمت الصبيحة حين أطفأت فتيل الخلاف بين قبيلتي العلقمة والجبيحة، في لحظة فارقة تاريخية اختلط فيها الدمع بالفرح. وفي قلب هذا الصلح، تتجلى قصة التحول من صراع إلى تسامح، ومن تفرقة إلى وحدة.
تاريخ جديد يُكتب بقلوب شجاعة
يقول الكثيرون إن الأعمار تمضي بمرها وحلوها، لكن ما يصنع الفارق هو القدرة على الوقوف في وجه الأعاصير والتعلم من دروسها. ولم تكن الصبيحة لتقف مكتوفة الأيدي أمام سنوات من النزاعات القبلية، بل اختارت أن تتخذ من الأزمات فرصة للبناء. لم يكن الصلح مجرد توقيع على ورقة، بل كان إعلانًا حيًا بأن التاريخ يمكن أن يُكتب بلغة جديدة، بلغة الإنسان الذي يتطلع للمستقبل بأمل.
رؤية حكيمة لمستقبل مشرق
النجاح الذي تحقق في هذه المصالحة هو ثمرة رؤية بعيدة المدى قادها مشايخ وعقلاء الصبيحة، وفي مقدمتهم اللواء محمود الصبيحي كان الفهم العميق لواقع المجتمع ومعاناته هو أساس الاتفاق بين الطرفين. ففي عالم مليء بالتحديات، لا يكون الفائزون هم من يملكون السلاح، بل أولئك الذين يملكون القدرة على تجاوز الحقد والانتقام والبحث عن حلول تعيد للجميع كرامتهم وأملهم في الغد.
القيادات المحلية والعسكرية: دور محوري في التوافق
كانت القيادة المحلية والعسكرية في الصبيحة حاضرة وبقوة في مسار المصالحة، حيث لعب اللواء محمود الصبيحي و محافظ لحج اللواء الركن محمد عبدالله تركي دورًا بارزًا في تشجيع الأطراف على التوصل إلى اتفاق. كما كان للعميد حمدي شكري، قائد اللواء السابع مشاة، دورًا أساسيًا في إتمام المصالحة، حيث أكدت جهوده وحكمة قراراته قدرة المجتمعات المحلية على الوصول إلى حلول تُحسن من الأوضاع وتدفعها نحو الأمام.
الصبيحة... قوة الوعي المجتمعي
ما ميز هذه المصالحة ليس فقط دور القيادات السياسية والعسكرية، ولكن قوة الوعي المجتمعي الذي حملته كل أسرة وكل شخص في المنطقة. فقبائل الصبيحة لم يكن لديهم رغبة في الاحتكام للماضي، بل طمحوا إلى بناء مستقبل خالٍ من التوترات. كل خطوة كانت محسوبة بعناية، وكل كلمة كانت مليئة بالحكمة. لقد أظهروا أن الحلول لا تأتي بالقوة أو الخوف، بل بالاحترام المتبادل وبالإرادة الصادقة للسلام.
غرس بذور السلام: ما وراء الوثيقة
وثيقة العهد التي تم الاتفاق عليها لم تكن مجرد نص قانوني، بل كانت بمثابة عهد بين أبناء الصبيحة أن لا عودة إلى الوراء. هذه الوثيقة هي صرح من التفاهمات، ليست فقط لحل الخلافات، بل لتكوين ثقافة جديدة قائمة على التسامح والتعاون بين أفراد المجتمع. من خلال هذه الوثيقة، أرسلوا رسالة مفادها أن القوة الحقيقية لا تكمن في قوة القبيلة أو السلاح، بل في قوة القيم الإنسانية التي تقود إلى الوحدة والتآخي.
إشادة بالجماهير أبطال الحقيقة
وفي الوقت الذي كان البعض يتوقع أن تكون هذه المصالحة بجهود نخبوية فقط، تبين أن الكلمة الطيبة والنية الطاهرة هي من كانت تقود القافلة. ولذا كانت هذه المصالحة بمثابة إنجاز للجميع، حيث لا يكمن النجاح في توقيع كبار القادة فحسب، بل في دعم المجتمع بأسره لهذا الحل السلمي. الصبيحة أصبحت اليوم نموذجًا للأجيال القادمة، نموذجًا يتجاوز الحروب والأحقاد ليضع السلام في أولوياته.
الختام: الصبيحة، من أفق الأمل إلى قمة السلام
لقد أظهرت الصبيحة أن السلام ليس غاية في حد ذاته، بل هو طريق طويل يحتاج إلى صبر وإرادة. هي اليوم تتقدم بخطوات ثابتة نحو غدٍ مشرق، في حين أن شعاع الأمل الذي انبثق من هذه المصالحة بدأ يمتد ليشمل مناطق أخرى تحتاج إلى هذا النور. فالصبيحة لا تدعو للسلام فحسب، بل تَعلّم الجميع كيف يبني أمة من الجراح التي يُمكن أن تكون، إذا ما أُحسن استخدامها، أساسًا لبناء عالم أفضل.