في زمنٍ ليس ببعيد، كان الناس يقطعون المسافات يوميًا إلى الميناء الصغير، حيث ينتظرون سفينة البريد القادمة. لم يكن الانتظار مجرد فعلٍ عابر، بل كان ملحمةً صغيرة تتخللها مشاعر الشوق، الترقب، والقلق. رسالة واحدة قد تحمل في طياتها أخبارًا سعيدة، أحلامًا متحققة، أو حتى كلمات مواساة تداوي ألم الغياب. وفي أحيانٍ كثيرة، كانت السفينة تتأخر، أو لا تصل أبدًا، ومع ذلك لم ينطفئ الأمل في قلوبهم.
أما اليوم..!!
فقد تغيرت وسائل الاتصال، وتطورت تقنياتنا لتختصر المسافات وتلغي الانتظار، لكن هل حقًا تخلصنا من تلك الحالة الإنسانية العميقة؟ نحن لم نعد ننتظر رسائل البريد، لكننا ما زلنا ننتظر...!!
ننتظر حلمًا يتحقق،
ننتظر فرصة تأتي،
ننتظر لقاءً يعيد إلينا شيئًا افتقدناه،
ننتظر تغييراً جذرياً يحدث في مجتمعنا ..
ننتظر لحظة راحة نعتقد أنها ستصل ذات يوم.
والجميع ينتظر لحظة تحقيق السلام في العالم .....
الانتظار، بكل أبعاده، هو جزء لا يتجزأ من طبيعتنا البشرية.. وهذا الانتظار يعطينا سببًا لنعيش. إنه دليل على أننا نؤمن بالغد، وأننا متمسكون بالرجاء. الأمل الذي يرافقنا أثناء الترقب، هو الذي يضيء الطريق أمامنا حتى في أحلك الأوقات.
ففي كل صباح جديد..!!
نستيقظ وفي أعماقنا شعورٌ خفي بأن الخير قادم، وأن السفينة التي نحلم بها ستصل، حتى لو لم نعرف متى.
ونحن نطوي صفحة عامٍ مضى، ونفتح صفحة جديدة، دعونا نستلهم من تلك الصورة البسيطة التي عاشها أجدادنا. دعونا نستقبل عامنا الجديد بروحٍ مفعمة بالأمل، وبإيمانٍ بأن كل ما ننتظره قد يحمل الخير لنا حتى لو تأخر أو لم يأتِ أبدًا. المهم أن نعيش رحلة الانتظار بروح من الرضا والشغف، وأن نستمر بالسعي، لأن السعي هو الحياة.
حياتنا..!!
مليئة بالموانئ، وأحيانًا السفينة التي نظن أننا ننتظرها ليست هي التي ستأتي، بل ما سيأتي قد يكون أعظم وأجمل.
فلنبدأ عامنا الجديد بروح الأمل، الحب، والشغف، وبالاستعداد لاستقبال كل ما قد يأتي، فكل ما يأتي من الله جميل، إذ تكمن في هذه النظرة الجمالية أعظم فرص الحياة.
ودمتم سالمين ..