الحديث عن 30 نوفمبر اليوم يحتاج لدراسة وتمعن جاد في تاريخ هذا الحدث، لنستلهم منه فكرة الاستقلال والحرية، استقلال القرار وحفظ السيادة وحرية ارادة الناس ليعبروا عن مكنوناتهم ورغباتهم وتطلعاتهم.
يمثل 30 من نوفمبر رحيل آخر جندي بريطاني، والقضاء على حلم المستعمر في انشاء كيان سياسي وظيفته الحقيقية خدمة مخططاته في المرحلة القادمة، نحتفل بتوحيد 23 سلطنة ومشيخة وإمارة، تحت كيان وطني بهوية الوطن الكبير.
مع الاسف ان ما وحد كل القوى بمختلف توجهاتها للنضال والكفاح المسلح، مزقته السلطة والايديولوجيا، فتسبب في حرب اهلية، كانت نتائجها وخيمة على الاستقلال والوطن، وهو ما اعاق التحرر الوطني وبناء الدولة ونهضة المجتمع، ومع تراكم الاحداث انتجت لنا واقعنا اليوم، الذي لا يسر عدوا ولا صديقا، وضع مأزوم ومحتقن مصطنع لاغتيال روح فكرة الاستقلال من العقول والافكار والضمائر.
اخطر ما يصيب العقل ويدمر المعنويات هو الاستسلام للنكسات، والاصابة بداء الفتنة، فتنة اطلق دابرها وسار على دربه المصابون، حتى تمكنت منهم وعقولهم وافكارهم وقناعاتهم وتوجهاتهم.
خطر يكمن في عدم الوعي القادر على توصيف الواقع، وترتيب الأولويات المستحقة، وتوهم تحديات غير مطروحة وتهميش رهانات حاضرة و واجبة، واهدار طاقات في مواطن غير ذات جدوى، وتمزيق ما هو ممزق، واعاقة رص الصفوف في الاتجاه القويم وتقويمها نحو المواجهة باقتدار للاستحقاقات .
ولهذا امتهنا الاقبال على ارتكاب اخطاء جديدة لتكرار المآسي والنكبات، بفقدان الوعي نفتقد للتسامح مع الذات والاخر، للتضحية من اجل وطن وامة، فتغلب علينا الانانية بسوء تقدير فادح للصراع، فنكون ضحية للاستبداد والطغيان مهما اختلفت ادواته وتعددت مبرراته، ويصعب علينا استكمال استقلال الارادة والوطن والاختيارات، فبقينا ضحايا ماض عفن و تخلف وغباء فوت علينا استعادة حرية استقلال القرار والاختيار، لنبقى مستعمرين وتحت الوصاية الدولية، كأمة لم تنضج بعد وتشكل خطرا على المنطقة والعالم، فنوضع تحت الوصاية والقوانين التي تشرع للاستعمار الجديد.
كم نحتاج من الدروس والعبر لكي نتعلم ونستلهم من تجاربنا ما يفيد لامتنا و وطننا، للاستقلال من الوصاية الدولية، وعدم ايجاد المبررات للتدخل الخارجي، اليوم لم تعد تحكم لا الجبهة القومية ولا جبهة التحرير، لا منتجات الصراع ما بعد الاستقلال، ومنتجات الصراعات المتتالية، فاليوم الجميع تحت مقصلة الوصاية، والمؤسف ان البعض ما زال يبحث عن حليف دولي للتمكين، وهذا بحد ذاته مؤشر خطير لعدم استيعاب دروس وعبر الماضي، وأننا نسير على درب اخطاء الماضي وخطاياه.
لا يوجد امامنا الا فرصة واحدة متاحة هي السير في طريق الاستقلال بالقرار والسيادة للحاق بركب الامم التي افلحت في الانعتاق من عبودية التحالفات التي تجعل منا ادوات وظيفية في مشاريع لا وطنية، فالتحدي اليوم يكمن وفي وحدة الصف والشراكة في معركة وطنية مع بقايا المستعمر والارتهان للمشاريع الخارجية، ما لم سنبقى كرة تقذف بها ارجل تلك المشاريع الاستعمارية القبيحة.