تتجاوز درجات الحرارة في عدن حدود الاحتمال، حيث تصل إلى مستويات تسحق الأجساد وتستنزف الطاقات. ومع ذلك، يتواجد العمال بشكل يومي على رصيف الميناء، يكدحون في شحن وتفريغ البواخر، ويعرضون أنفسهم لمخاطر عديدة، لا تقتصر على الإصابات الجسدية فحسب، بل تمتد إلى القلق الدائم بشأن حياتهم وصحتهم. ورغم كل هذه المخاطر، فإن الأجر اليومي الذي يتلقونه هو مبلغ زهيد، بالكاد يكفي لتلبية احتياجاتهم الأساسية، في ظل غياب أي ضمانات أو تأمين صحي.
تجربتهم المعيشية تزداد صعوبة، فهم يواجهون الأمراض باعتمادهم على أنفسهم، ويتحملون تكاليف العلاج التي تثقل كاهلهم، حتى يصل بهم الأمر إلى مفارقة الحياة دون أن تقدم لهم أي دعم أو مساعدة تقيهم براثن العوز والإهمال. بينما يُفترض أن يكون لديهم نظام رعاية صحية وتأمين متكامل، نظرًا للمخاطر التي يتعرضون لها.
ومما يفاقم معاناتهم هو غياب دور النقابة، التي تم تشكيلها منذ سنوات تحت راية الدفاع عن حقوقهم، لكنها لم تُظهر أي فاعلية في تحسين ظروفهم أو حتى الاستجابة لمطالبهم. ويبقى السؤال مطروحًا: ما دور هذه النقابة إذا لم تكن قادرة على حماية من تُمثلهم؟
خلال السنوات الأخيرة، تعرض الميناء لركود كبير في حركة التجارة ونقل البضائع، نتيجة للظروف الاقتصادية والسياسية وانعاكسات الحرب التي دمرت البلاد. ذلك الركود كان له أثر مدمر على العمال، الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة قاسية مع انهيار ظروفهم المعيشية، مما جعلهم يشعرون بالخذلان بعد أن أمضوا حياتهم في خدمة هذا المرفق الحيوي.
إنّ حال عمال ميناء عدن يدعو إلى التعاطف والتفاعل. فهم بحاجة إلى نظرة جديدة من الجهات المعنية، لإنهاء حالة الإهمال التي يعيشونها. يتطلب الوضع تصعيدًا في المطالبات لتوفير الرعاية الصحية، والتأمين والدعم المالي، بما يتوافق مع وضعهم الفريد والجهد الذي يقدمونه.
لقد حان الوقت لتأكيد مشروعية حقوق هؤلاء العمال، ومنحهم الحياة التي يستحقونها. فهم ليسوا مجرد أرقام في سجلات الميناء، بل هم مثال حي للإرادة والعزم، ويجب أن تُحترم مجهوداتهم بمد يد العون بدلا من تجاهلهم.