وبالتالي؛ فلن أقول جديداً إذا أخبرتكم إننا نتحدث عن شريحة مهمة، وإزاء فئة تكتسب اليوم أهمية متزايدة بسبب اتساع ظاهرة اليتم؛ جراء موروثات العنف السياسي، والمذهبي، والقبلي، والمناطقي، المتواصل في جسد مجتمعنا اليمني الأصيل، المنكوب بالأهواء، وبأسقام بعض مرضى السياسة، والمصالح الآنية القذرة، والأفكار الدينية المستوردة، والمشوهة؛ الذين يبيعون وطنهم، وشعبهم، ومستقبل أجيالهم للغير، وبأبخس الأثمان .
إذن نحن أمام واقع، الأصل أنه ينقص ويزيد، ولكنه عندنا اليوم إلى الزيادة المتسارعة أكثر منه إلى النقصان .. بمعنى آخر؛ نحن ( أقصد المجتمع والدولة ) إزاء مشكلة تتسع، وأعباء تكبر، ومهام لا تقبل التسويف، أو التأخير، وما لم تنظم الجهود كلها للنهوض بهذه المسؤولية الاجتماعية، والأخلاقية؛ فإن النتائج ستغدو ظلمات بعضها فوق بعض .. علقماً سيشربه الجميع، ودماراً، ووبالاً لا مناص، ولا مهرب منه .
قد نتفق في هذا إلى حد ما، يعني في حدود الكلام غير المخسر ( أي الهدرة ) ولكن .. المسألة أكبر من ثرثرة في مقيل قات، أو انفعال آني، ينتهي بالخروج من مجلس النقاش، إلى حرارة الواقع، والإمكانات، والصعوبات .
وباختصار، فالمسألة تحتاج إلى دراسة متعددة الجوانب، عميقة النظر، ونعتقد أن جمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية التي كانت السباقة منذ نشأتها في هذا الباب؛ قد خطت بالندوة التي عقدت في مبنى فرعها في عدن يوم السبت المنصرم حول اليتيم ومسؤوليات المجتمع نحوه خطوة عملية في هذا الشأن تضاف ربما إلى فعاليات مماثلة هنا، وهناك، لكنها تبقى خطوة في مربع الأقوال المخملي، وجهداً علمياً بحاجة إلى من يحوله إلى واقع حي يعيش كما ينبغي : عطفاً، وتربية، وتعليماً، وتأهيلاً، وحزماً، وتهذيباً، ومتابعة، ودعماً، وارتقاءً بهذه الفئة حتى يقف فردها على قدميه ، كما لو أنه لم يذق مرارة اليتم قط .
هذا هو ما ينبغي، ذلك أن المسألة ما عادت تتقبل مزيداً من إدارة الظهر، والتواكل على ما يجود به الخيرون من نزر العطاء المخصص بالكاد لقليل مهم؛ لإبقاء اليتيم المحظوظ قدر المستطاع على قيد الحياة، إذ ليس هذا هو المطلوب، وإذا أصررنا عليه، فسيكون علينا بامتياز أن نواصل هذا العطاء مضاعفاً أضعافاً كثيرة، ما لم فسيكون علينا أن نردد، كما يفعل الجهلاء : اتقِ شر من أحسنت إليه !!
إن هذه الكفالة الضئيلة، القاصرة، المقتصرة على الخبز، والماء، والملبس لا يمكن أن تنتج إلا آدمياً جاهلاً، حاقداً، انتقامياً، يملأ قلبَه الكرهُ للمجتمع الذي قتل فيه والده، أو والداه معاً في أحداث العنف هنا أو هناك، بل لقد سمعت ذلك بأذني من أبناء أناس قتلوا في أحداث 13 يناير 1986م، وحرب 1994م، وغداً سنسمع أبناء ضحايا العنف الرهيب الذي مورس لقمع الثورة الشبابية، وضحايا الصراع المذهبي في محافظات شمال الشمال، وضحايا الصراع في جنوب، وجنوب شرق البلاد ، الذي يُستغل فيه ضمن من يُستغل؛ أيتامُ حرب 1994م، وهو الصراع الذي تغذيه بعض القوى الخارجية، الحاقدة على اليمن، وسلامة أراضيها، وأمنها، واستقرارها، أو الطامعة في التوسع المذهبي والجغرافي لخنق، وإسقاط بعض دول الجوار التي ما زالت حتى الآن غير عابئة بالخطر الذي يتهدد وجودها أرضاً وثروات .
إننا نحذر من مغبة استمرار حالة إدارة الظهر، وعدم الالتفات إلى معاناة هذه الفئة التي ستغدو في يوم ما ـ إن لم نؤدِّ واجبنا كاملا نحوها ـ معول هدم في جسد المجتمع، وخصوصاً أنها ستكون متضافرة مع أبناء الفئات المهمشة، وأبناء الأسر المعدمة التي أوجدتها السياسات الاقتصادية الخاطئة، والخصخصة المغرقة بالفساد، وجرع الموت؛ وهي الفئات التي تستغلها في الغالب جماعات الحقد والإرهاب، والتي ما زالت تعيش حياة العصر الحجري، في بيوت الصفيح، وكهوف الجبال، إن لم تكن في المقابر !!