عند طلوع الأستاذ المرحوم عبدالعزيز عبدالغني من عدن دعي أعضاء المؤتمر الشعبي إلى اجتماع، وكنت أحدهم شرح فيه موضوع الخطوات الأولى في الاتفاق على الوحدة، وحين طلبت الكلام قلت إن الوحدة عمل حضاري، ولا يمكن أن يقوم ويستقيم إلا على أيد حضارية تتولى بعناية ووعي أسس بناء الوحدة، وخطوات التنفيذ، وضمانة سلامة الاتفاق وديمومته ورضا كل أطرافه على الأسس التي بني عليها.
وللأسف الوحدة تمت على أيد متخلفة، يفكر كل منها في ما سوف يتفيده وكيف يحقق الغلبة والانتقام ممن كان خصمه يوماً ما، وتمت أيضاً على أيدي قوى شمولية لا تتحمل الآخر، بل تفكر كيف تتخلص منه.
في كلمتي في الندوة، قلت: ليس أمامنا الآن إلا أن نصحح الخطأ، ونبني الوحدة بأسس حضارية تتسم بالعدل والديمقراطية والمودة للآخر. وإذا لم نتفق على ذلك، فيجب أن نتفادى أي تفكير متخلف لفرض الوحدة بالقوة، فالنتيجة لذلك تدمير اليمن شمالاً وجنوباً، والأفضل أن ننفصل بالاتفاق مع القبول بعلاقات طبيعية بما يمكن للأيام أن تمحو جراح الماضي، وبما يساعد على تحقيق المصالح المشتركة.
في زيارتي لحضرموت قال لي الإخوة الأعزاء: الحوار معكم مستحيل لأنكم في الشمال لا تقبلون بالحوار إذا ما طرحنا موضوع الانفصال، قلت لهم: وأنتم ترفضون الحوار إذا ما طرحنا موضوع الوحدة، دعونا نتفق على سقف جديد للحوار، نتحاور تحته هو «المصلحة العامة»، فإذا كانت المصلحة تتحقق بالانفصال، فليكن وإذا كانت المصلحة العامة تتحقق بالوحدة، فلتكن وإذا كان هناك طريق ثالث تتحقق من خلاله المصلحة العامة، فليكن، وقد وافق الإخوة على السقف الجديد للحوار.
من جديد إذا أردنا أن نصل إلى حل حضاري، فلتكن المصلحة العامة هي دليل الحوار. هل من مصلحة الجنوبي أن يكون له نصيب في الحديدة وتعز وصنعاء وحجة وصعدة ومأرب والجوف؟ وهل من مصلحة الشمالي أن يكون له نصيب في حضرموت وعدن وشبوة وأبين وسقطرى؟ هل يريد المواطن في الجنوب والمواطن في الشمال من يشاركه كلفة السفارات والجيش والجامعات والمدارس والطرقات وبناء الموانئ وغيرها؟ وهل يريد المواطن في الجنوب والشمال من يشد أزره، ويدافع عنه عند العدوان الخارجي؟
هل يتصور الجنوبي أو الشمالي أن ما يملكه من نفط وغاز وغيرهما، سوف يكفيه لمواجهة هذه المشاكل كلها وحده، وليس بحاجة إلى الشريك الآخر للوقوف معه في كل ذلك؟
الحياة في الدنيا تتطلب الكثير من التوحد والتعاطف، وهذا ما جعل أوروبا بكل ما تملكه، تسعى إلى التوحد، وها هي اليوم تبني الدولة الأوروبية ذات المصالح المشتركة، لقد أدركت خطأ الحروب، فقررت استبدالها بالاتفاق على المشترك، وتحييد المختلف، وكما قال رشيد رضا: لنتعاون في ما اتفقنا فيه،وليعذر كل منا الآخر في ما اختلفنا عليه.
صدق الله القائل:» واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا، وكنتم على شفا حفرة من النار».