تمر بنا اليوم الذكرى التاسعة لرحيل القائد السياسي الفذ والمناضل الوطني البارز الشهيد / جار الله عمر، و من مصادفات القدر أن يتزامن حلول الذكرى مع ما تعيشه اليمن اليوم في خضم الثورة الشعبية السلمية التي اندلعت في العام 2011 ، وحين يأتي ذكر الشهيد جار الله عمر متزامنا مع الثورة المتنامية فإن أشياء كثيرة تجمع بين الاثنين، و يتمثل الأول بالفكرة التي آمن بها جار الله منذ بواكير حياته السياسية ويرتبط الثاني بمدلولات الثورة التي يخوضها الشعب اليمني في كافة مناطق البلاد..
اليوم يتردد اسم جار الله و ترتفع صورته في ميادين الثورة وساحات التغيير بوصفه أحد رواد النضال السلمي، و قدم حياته في سبيل ما يؤمن به من قيم وما يناضل لأجله من أهداف سامية ونبيلة، وقد ظل بناء الدولة اليمنية الحديثة في مقدمة ما ناضل لأجله الشهيد الخالد جار الله عمر.
لذكرى جار الله وثورة الشعب ارتباط وثيق عنوانه النضال السلمي لإسقاط النظام و الشروع في بناء اليمن الجديد.
لقد ناضل جار الله من أجل هذا الهدف شمالا وجنوبا لسنوات طويلة، و ظلت الجماهير تتطلع لساعة الخلاص من حكم الفوضى لكن تلك الساعة لم تحن، وبينما كانت أحلام البسطاء تتلاشى رويدا رويدا كان جار الله يسعى جاهدا للم شمل أحزاب المعارضة الوطنية في تكتل واحد رغم الفروق والاختلافات الفكرية والسياسية بين تلك القوى، و أوقف غالبية نشاطه السياسي منذ سنوات ما بعد حرب 94 لتحقيق هذه المهمة النبيلة، و على الرغم من الظروف الاستثنائية التي كانت اليمن تعيشها علاوة على وجود كثير من المعوقات الذاتية والموضوعية كانت تحول دون إنجاز المهمة التاريخية إلا أن روح جار الله لم تضعف و عزيمته لم تفتر..
يتذكر رفاقه و أصدقاؤه كما يدرك خصومه أيضا ما بذله لتشكيل اللقاء المشترك، خصوصا ما قام به من جهود استثنائية في التقريب بين حزبه الإشتراكي و تجمع الإصلاح كأبرز حزبين في الساحة كانت العلاقة بينهما محكومة إلى حد بعيد بالتنافر والتصارع تبعا لحسابات وخصومات ذات طابع فكري و أيديولوجي..
استطاع الشهيد بجهود مخلصة و عمل متفان أن يردم فجوة الخلاف، و تمكن مع قيادات مجلس التنسيق الأعلى لأحزاب المعارضة و حزب الإصلاح من تشكيل تكتل سياسي جديد بات يعرف باسم «اللقاء المشترك»، وهو التكتل الوطني الذي حمل على كاهله الدور المنوط بالمعارضة الوطنية منذ تشكيله أواخر التسعينيات حتى لحظة ميلاد الثورة الشعبية.
قبيل استشهاده بدقائق كان جار الله عمر يخاطب المؤتمر العام الثالث لـ» الإصلاح» عن اللحظة المفصلية التي ينعقد فيها المؤتمر مشيرا لما يجب على القوى الوطنية أن تضطلع به في مواجهة مشاريع السلطة الرامية حينها لإحكام السيطرة على كافة مقدرات البلد ووضعها في قبضة شخص في تحد واضح ومفضوح لما تعلنه السلطة ذاتها من التزام بتطبيق الديمقراطية و احترام حقوق الإنسان والحريات العامة، وقال جار الله يومها إن العلاقة بين الاشتراكي والإصلاح هي في وضع أقوى مما كانت عليه في الماضي، و قال إن اللقاء المشترك غدا إحدى حقائق الحياة السياسية..
وبالفعل تنامت العلاقات بين طرفي الصراع السابق و انصهرت أكثر في إطار تكتل اللقاء المشترك، و إن كان أبرز أهداف جريمة اغتيال جار الله هو زرع بذور الصراع بين الإشتراكي الذي كان جار الله يشغل أمينه العام المساعد والإصلاح الذي اغتيل جار الله في مؤتمره العام و أمام الآلاف من أعضائه لكن الطرفين تعاملا بقدر كبير من المسئولية حتى تم تجاوز المنعطف الخطير في مسار اللقاء المشترك والعملية السياسية برمتها، وعلى النقيض مما خطط له مدبرو اغتيال الشهيد جار الله عمر تعززت العلاقة بين كافة مكونات اللقاء المشترك وخصوصا الاشتراكي والإصلاح، و غدا في عرف القيادة والقواعد لكلا الحزبين أن أي تفريط أو تجاوز لهذا التكتل الجديد يعد خيانة لدماء الشهيد المؤسس..
وعلاوة على كون الشهيد جار الله عمر من أبرز رواد العمل الحزبي والسياسي والتعدد الديمقراطي فهو داعية تسامح ورجل حوار من الطراز الأول، إذ تحفل حياته السياسية بسلسلة طويلة من الحوارات الداعية للقبول بالآخر والتعايش مع الخصم واحترام قواعد العمل السياسي بعيدا عن الصراع والتصفيات واستخدام مفردات التخوين والتكفير والمكايدة التي بدورها تقضي على فرص التعايش و تعطل إمكانات التوصل للحلول المرضية لأطراف العملية السياسية.
يقترب اليمنيون اليوم أكثر من أي وقت مضى من حلمهم المشترك في إرساء دعائم دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية، وهو الهدف الذي نذر جار الله حياته لأجله، ومن أجله ظلت سيرته ومسيرته حافلة بالكفاح الواعي والنضال المستنير، كما ظل الشهيد صديقا للجميع ودودا مع الفرقاء، كما ظل رفيقا للكادحين والبسطاء و صديقا للفقراء ونصيرا للحقوق و مدافعا عن الحريات حتى لفظ آخر أنفاسه متمثلا قول الشهيد الزبيري:
بحثت عن هبة ٍ أحبوك يا وطني
فلم أجد لك إلا قلبي الدامي.
نشر المقال في العام 2011م