كانت البداية مجموعة من الشباب الوطني الجسور، لقد قرروا جمع 15 مليون توقيع من أبناء الشعب المصري للمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة فنجحوا فى عشرة أيام فقط من إطلاق الحملة في جمع حوالى مليوني توقيع.
بعض المحبطين لم يتوقعوا تحقيق هذا الانتصار الكاسح، بل إن آخرين راحوا يشككون فى جدوى هذا التحرك، غير أن الشباب الذين ينتهون إلى قوى سياسية مختلفة وكثيرون منهم مستقلون قرروا أن ينزلوا إلى الشارع وأن يجسدوا الحلم فى استمارة جرى طبعها وتوزيعها على المواطنين، لقد استقبل الناس هذه الدعوة بحماس شديد، تخاطفوا الاستمارات، انضموا للمبادرة، أقاموا لجاناً شعبية فى كل مكان، راحوا بقروشهم الفقيرة يصورون الاستمارات ويمضون إلى الشوارع فى المدن والقرى والكفور، فى المدارس والمصانع فى المناطق الشعبية والأحياء الراقية، وكان الالتفاف حولهم مبهراً..
بعد قليل أدركت القوى السياسية أن مبادرة الشباب بدأت تؤتي نتائجها، قرروا الانضمام، أعلن بعضهم النفير العام، لقد وحد الشباب جميع القوى لتلحق بقطارهم السريع، فتحوا الأبواب أمام الجميع، تحرك الصعيد، وانضم إلى القافلة، الناس هناك تتحول سريعاً، تعلن غضبتها على الرئيس مرسي وجماعته، كانت الرسالة تقول: انتظروا الصعيد قادم، وما أدراك ما الصعيد!!
اهتزت الجماعة ومكتب إرشادها، انزعج الرئيس محمد مرسي كثيراً، عبر عن غضبه أمام مساعديه وأعضاء بمكتب الإرشاد، تساءل: أين رد الفعل المقابل؟ لماذا تتركون هؤلاء الشباب وحدهم فى الساحة؟!
وعلى الفور تحركت جحافل الجماعة وتابعوها، أصدروا التعليمات إلى الأجهزة الحكومية بمحاصرة هؤلاء الشباب، والقبض عليهم، وطلبوا من كوادرهم مطاردتهم والاعتداء عليهم فى الشوارع والميادين لإثارة الخوف والذعر فى أوساط المواطنين، شنوا حملات غاضبة وساخطة فى وسائل إعلامهم وصحفهم المقيتة، وأطلقوا لجانهم الإلكترونية لترد بأسلوب «فظ» واتهامات ساقطة ضد منظمي الحملة.
خرج بعضهم ليقول إن الحملة هي وسيلة غير ديمقراطية وغير حضارية وتمثل خروجاً على الشرعية وتهدد أمن واستقرار البلاد، وطالب أحد شبابهم بضرورة سحب الجنسية من الداعين لهذه الحملة وراح البعض ينشئ لجنة فى المقابل تسمى «تجرد» هي على النقيض فى أهدافها من حملة «تمرد»، وهكذا بدأ الأمر وكأن الإخوان وأنصارهم يخوضون حربهم الأخيرة!!
لقد تساءل أحد المحللين بعد أن تابع ذعرهم وانزعاجهم: هل هم ضعفاء إلى هذا الحد؟! وهل أصبحوا يرتعدون أمام استمارة ربما يكون عائدها المعنوي أكبر بكثير من تأثيرها المادي؟!، والإجابة: «نعم»؛ ذلك أن الجماعة التى قفزت على السلطة فجأة تدرك أن مجرد الإنذار بإسقاطها يعني النهاية الأخيرة لها!!
وهكذا أصبح فى يقين جماعة الإخوان أن التصدى لمثل هذه المبادرات ومحاولة إجهاضها، سوف يقيها شر ما هو قادم، إنهم يتخوفون من المعلومات الواردة إليهم التى تقول إن معركة الحشد ليوم الثلاثين من يونيو القادم، ربما تشكل الخطر الأكبر على وجودهم من الأساس، ذلك أن الشعب المصرى أدرك أن خياره الوحيد فى اقتلاع هؤلاء وإنهاء احتلالهم لمصر، وإنقاذ البلاد من الانهيار الكبير على أيديهم، لن يحدث إلا بإعادة سيناريو 25 من يناير مجدداً.
إن المعلومات التى وصلت لجماعة الإخوان المسلمين أشارت إلى أن الحشد هذه المرة سيختلف عن أي مرة سابقة، وأن القوى الوطنية والمدنية المختلفة قررت دخول معركتها الحاسمة فى مواجهة سلطة اختطفت الدولة وراحت تسعى إلى هدم وتخريب مؤسساتها الواحدة تلو الأخرى لإقامة الدولة الإخوانية الموازية على أنقاضها.
صحيح أن العديد من القوى الشبابية دعت إلى بدء هذا الحشد ابتداء من الجمعة المقبل 17 مايو، إلا أن هذا الحشد قد لا ينفض فى ذات اليوم، وإنما هناك دعوات تنطلق بالبقاء معتصمين فى الميدان حتى الثلاثين من يونيو، الذى يوافق يوم تسليم السلطة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى الرئيس محمد مرسي.
إن الكثيرين يعقدون آمالهم على الأسابيع المقبلة وما يمكن أن ينجم عنها من تطورات قد تعيد رسم الخارطة السياسية والاجتماعية فى البلاد مجدداً، وهنا يمكن التوقف أمام عدد من الملاحظات أبرزها:
إن القوى الوطنية أصبحت على يقين من أن المعركة القادمة أصبحت مصيرية، وأن فشلها فى الحشد الجماهيري فى ميدان التحرير وبقية المحافظات من شأنه أن يرسخ وجود دولة الإخوان ويدفع الجماعة إلى فرض المزيد من الهيمنة والسيطرة على جميع المؤسسات وتفكيكها إن استلزم الأمر ذلك.
إن هذا الفشل سيؤدي إلى إحباطات جماهيرية عارمة، وسوف يدفع الكثيرين إلى فقدان الأمل فى التغيير السلمي وفق سيناريو ثورة الخامس والعشرين من يناير، مما يدفعها أيضاً إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة، وهو أمر سوف يصب لمصلحة الجماعة التى تخطط للسيطرة على البرلمان المقبل لإصدار القوانين التى تخدم مخططاتها الآنية والمستقبلية؛ لترسيخ بقائها فى حكم البلاد لعقود طويلة من الزمن.
إن عدم نجاح القوى الوطنية في الحشد الجماهيري معناه تراجع الخيارات التى يعول عليها كثير من المصريين فى تدخل الجيش لحماية الدولة الوطنية ومؤسساتها وإجراء انتخابات رئاسية تنهي الأزمة الراهنة والمتصاعدة بين القوى الشعبية وجماعة الإخوان، خاصة أن الجيش سوف يدرك فى هذه اللحظة أن تدخله سيكون بهدف إنقاذ البلاد من فوضى متوقعة وانهيار شامل ومعارك أهلية محتدمة.
إن الحشد الكبير المتوقع حدوثه سوف يعني أيضاً رسالة هامة للولايات المتحدة وبعض القوى الغربية التى تقف سنداً خلف جماعة الإخوان وكان لها دورها فى مساندتها للوصول إلى السلطة فى مصر وعدد من البلدان العربية الأخرى، وأظن أن ذلك من شأنه أن يدفع هذه القوى إلى مراجعة مواقفها، خاصة بعد أن أدركت عن يقين أن خياراتها كانت خاطئة فى فترة سابقة.
إن نجاح هذا الحشد المتوقع بعد نجاح حملة «تمرد» من شأنه أن يثير حالة شديدة من الإحباط لدى جماعة الإخوان وحلفائها فى الداخل، خاصة بعد أن أدركوا أن غضب الشارع المصري بدأ يعبر عن نفسه فى إطار آليات سلمية متعددة دفعت إلى مزيد من الالتفاف حول أهدافه، وساعتها سيجد الإخوان أنفسهم بين فكي الرحى؛ الجيش من جانب والشعب من جانب آخر، إذا ما حاولوا الخروج عن الشرعية والتصدي للمتظاهرين السلميين.
إن المرحلة المقبلة لن تكون كمراحل سابقة لأنها تأتي بعد تجربة سيكون مضى عليها نحو العام تقريباً، عانى فيها المصريون من الإحساس بالمهانة والضياع وأصيب الكثيرون منهم بالعديد من الأمراض النفسية بسبب إحساسهم بأنهم أصبحوا غرباء على أرض وطنهم وإدراكهم بأن مصير وطنهم أصبح فى يد غير أمينة، ولكل ذلك فإن كثيراً من المصريين أصبح لديهم شعور بأن المعركة المقبلة ربما تكون المعركة الأخيرة؛ معركة وطن أو لا وطن، معركة شعب يتحرر أو يبقى أسيراً للعبودية لعقود طويلة من الزمن..!
وإذا كان الإخوان المسلمون لا يدركون هذه الحقائق وسوف يتعاملون مع ما هو متوقع بالطريقة التى تعامل بها نظام حسني مبارك «هوجة وتعدى دول شوية عيال» هنا سيفاجأ مرسى وجماعته بشيء آخر مختلف ربما يكون أخطر بكثير من هذا الذي شهدته البلاد فى 25 يناير 2011.
لقد راح البعض ينصح الرئيس الإخواني بضرورة اتخاذ إجراءات استباقية من شأنها أن تردع وتخيف الداعين والمدعوين، وقدموا لذلك كشفاً إلى وزارة الداخلية يتضمن 178 اسماً من بينهم ثلاثون إعلامياً وصحفياً لإجراء جميع التحريات حولهم وأماكن سكنهم، انتظاراً لقرارات مهمة قد تصدر، غير أن هذا الحل الأمني لن يحقق نتيجة بل سيزيد الأزمة اشتعالاً، وقد يدفع إلى تصعيد خطير من شأنه أن يؤدي إلى معارك دموية تشارك فيها فئات شعبية عديدة.
الأيام المقبلة حاسمة يزيد من اشتعالها أزمة اقتصادية طاحنة وعودة للأساليب الأمنية السابقة، وصلف وغرور وتفريط فى مقدرات الوطن ونهب وسلب وظلم وديكتاتورية واعتداء على السلطة القضائية وجميع مؤسسات الدولة، وكل ذلك بالتأكيد سوف يرسم -أراد البعض أم لم يرد- خارطة جديدة لطبيعة الصراع بين شعب يعاني ويتطلع إلى الأمن والحرية ولقمة العيش، ومحتل يسعى إلى اختطاف الدولة كاملة وتأميمها لصالح التنظيم الدولي للجماعة وأهدافها..!!