اليوم ودونا عن كافة الأيام الماضية،وتحديدا منذ الأزمة السياسية والحرب الإعلامية بين شركاء الوحدة والسلطة عام 1993 التي سبقت حرب صيف 1994،حين نتأمل في المشهد السياسي،نكتشف أن السواد الأعظم من الأحزاب والقوى السياسية مع إخراج البلد من الأزمات والصراعات والنزاعات الدائمة، ونجد -أيضا- مختلف شرائح المجتمع أكثر تفاؤلا من أي وقت مضى،بقرب موعد حل قضاياهم ومشكلاتهم بشكل جذري عن طريق الحوار الوطني الشامل ومخرجاته التي سيتفق ويتوافق عليها المتحاورون، وعليه يجب على مختلف المشاركين بمؤتمر الحوار أن يكونوا عند مستوى المسئولية الوطنية الكبرى الملقاة على عاتقهم ،وعند مستوى تطلعات وآمال الجماهير اليمنية ،وأن يدركوا جيدا إنه ليس لنا من فرصة لتدارك المخاطر الجمة المحدقة بنا وبوحدة وأمن واستقرار وطننا ،ولحل القضايا والمشكلات والأزمات التي نعيشها في وقتنا الراهن غير الفرصة التاريخية المتمثلة بعقد مؤتمر الحوار الذي انطلق صباح الاثنين بدار الرئاسة بالعاصمة صنعاء،والذي يعد بارقة الأمل الوحيدة لليمنيين كافة للعبور إلى بر الأمن والأمان والى دولة النظام والقانون.
اليوم ودونا عن غيره من الأيام الخوالي نكتشف أن ثقافة الكراهية والحقد والنزعة المناطقية والانفصالية التي نمت نتيجة للإقصاء والتهميش والاستبداد والتسلط والفساد خلال الفترة الماضية الممتدة من عام 1994 حتى بداية العام المنصرم 2012،قد حدت كثيرا،بفضل الإصلاحات والمعالجات التي قامت بها قيادتنا السياسية ممثلة بالأخ عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية ، وبفضل إدراك أبناء عموم محافظات الجمهورية أهمية أمن واستقرار ووحدة اليمن لهم وللأجيال القادمة،خاصة بعد أن سنحت لهم الفرصة بالجلوس إلى طاولة الحوار لحل كافة قضاياهم ومشاكلهم..وإنهاء ممارسات الإقصاء والتهميش..، وكذا بعد أن شعروا وآمنوا بضرورة وأهمية عقد مؤتمر للحوار الشامل يضم مختلف شرائح ومكونات الشعب اليمني،وأدركوا أن الثقافة الحوارية تعد ضرورة وطنية وإنسانية كونها الممهد الرئيسي لحل الخلافات والنزاعات ولتقدم ورفعة أبناء الوطن..ولكون الحوار هو وحده من سيعيدنا جميعاً إلى اكتشاف ذواتنا وأخطائنا وخطايانا،ويقودنا إلى معرفة الصواب ويعزز ويقوي روابط الأخوة فيما بيننا، ويدفعنا جميعا إلى التخلي عن الثقافة والممارسات والسلوكيات السيئة وخيارات العنف والفوضى والإقصاء..
اليوم يؤكد اليمنيون أن الحوار الوطني الشامل ومثلما هو ضرورة للحفاظ على وحدة ترابهم الوطني ولتحقيق الأمن والاستقرار..فإنه أيضا ضرورة وطنية من أجل تعميق وتوسيع المساحات المشتركة فيما بينهم،ومن أجل بلورة أطر وأوعية للتفاهم المتبادل..، ولحل الخلافات التي قد تطرأ بين شركاء العملية السياسية أو غيرهم،وانطلاقا من هذا التأكيد الشعبي فإنه يستدعي من المشاركين في الحوار أن يفرقوا بين ثقافة ومفهوم وآداب الحوار،وبين ثقافة ومفهوم الجدال..،لأن ثقافة ومفهوم الحوار تعني البحث عن حلول جذرية للنزاعات والخلافات وعن القواسم المشتركة..، وتتجه بالمتحاورين إلى معالجة الواقع السيئ الذي يعيشونه ومحيطهم الاجتماعي ،بعكس ثقافة ومفهوم الجدال التي لا تتعدى العمل على إثبات تفوق وتطرف وتعصب طرف على الآخر،عن طريق مهاجمته وعدم احترام رأيه أو الأخذ بحججه أو بجزء منها ،أضف إلى ذلك أنه في حالة الجدال لا يتم الاهتمام بالبحث عن حلول للنزاعات والخلافات وعن القواسم المشتركة بين الأطراف التي تجلس حول الطاولة وبقية من تمثلهم،بقدر ما يتم البحث من قبل هذا الطرف أو ذاك عن مكاسب ومصالح ضيقة،وهو ما يعني أن الجدال يعمق الخلافات ويزيد الوضع أو الأوضاع محل الجدال اشتعالا.
ومن خلال المقارنة البسيطة هنا بين الحوار والجدال،التي لا ينكر حقيقتها أي إنسان عاقل،فإنه يفترض،بل يجب على كافة المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني أن لا يستبدلوا الحوار المسئول والبناء..،بالجدال غير المسئول والعقيم.. وأن لا تكون همومهم أو قضاياهم ومصالحهم الشخصية والحزبية والمناطقية الضيقة،هي الحاضرة والبديلة للهم الوطني وقضايا الوطن والمصالح العامة في المؤتمر..،حتى لا تذهب الفرصة التاريخية الوحيدة (مؤتمر الحوار الوطني) التي أتيحت لنا لحل مشاكلنا وقضايانا ولاختيار نظام الحكم الذي نتطلع له ،من بين أيدينا فنصبح على ما اقترفنا من جرم بحق أنفسنا وأجيالنا القادمة وبحق الوطن نادمين ..،وعندها لن ينفع الندم..