ولعملية التحوُّل الرسمية ثلاثة مكونات مهمة سياسية وأمنية واقتصادية. وقد قيل الكثير عن التقدم الذي تحقق على الصعيدين السياسي والأمني.وأود أن أُركِّز اليوم على التطورات الاقتصادية.ففي هذه المرحلة، تتفاوت عناصر الصورة،فبعض الأنباء جيدة والبعض الآخر غير ذلك.
ولنبدأ بالأنباء الجيدة.أولا، على صعيد التحليل الكلي، بدأت الأوضاع تستقر.وأعلن البنك المركزي اليمني عن زيادة احتياطيات النقد الأجنبي إلى 6.2 مليار دولار من مستواها المنخفض البالغ 3.7 مليار دولار والذي انحدرت إليه في ذروة الأزمة.ويُعزَى هذا جزئيا إلى وديعة بقيمة مليار دولار قدمتها السعودية، ويرجع أيضا إلى التحسُّن في الإدارة من جانب البنك المركزي.واستقرت العملة عند نحو 215 ريالا مقابل الدولار الأمريكي.والتضخم أيضا تحت السيطرة.ويتوقع صندوق النقد الدولي معدل نمو قدره حوالي 4.4 في المائة هذا العام مقارنة مع نمو بنسبة 0.5 في المائة فحسب العام الماضي وانكماش بنسبة حوالي 19 في المائة في عام 2011 الذي نشبت فيه الأزمة السياسية.وأخيرا فإن البنك المركزي خفض في الآونة الأخيرة أسعار الفائدة إلى 15 في المائة. ومع أن هذه الأسعار لا تزال مرتفعة فإنها أقل كثيرا من مستوى 22 في المائة الذي كانت عليه قبل ستة أشهر فحسب.
والمشروعات التي تتلقى تمويلا من المانحين والحكومة تمضي قدما الآن.وعاد كل المانحين تقريبا الآن إلى العاصمة صنعاء ويجري ترسية عدد كبير من التعاقدات في الوقت الحالي.والمشروعات التي يجري تدشينها لا تتركز على العاصمة وحدها، ولكنها تشمل أيضا المدن والقرى في شتى أرجاء اليمن.ويجري إصلاح الطرق وبناء المدارس وتنظيف الشوارع وإنشاء مطارات وأقيمت مناقصة لمشروع بناء نفق رئيسي على الطريق من صنعاء إلى الحديدة.وستبدأ الحكومة قريبا بناء الطريق البري السريع الذي سيربط عدن بتعز.وهناك مشروعات أخرى كثيرة في مرحلة التصميم والمناقصات.
لقد عاد المانحون إلى صنعاء، ودبت الحياة في المشروعات مرة أخرى، وجاءت تعهدات بتقديم 7.5 مليار دولار إضافية مساندة لليمن في مؤتمرين عقدا في الرياض ونيويورك العام الماضي.وسوف تساعد هذه الأموال الجديدة في تمويل مشروعات ذات أولوية خلال الأعوام الثلاثة القادمة. وتجري مناقشات مكثفة بين الحكومة والمانحين بشأن أي المشروعات ستذهب إليه تعهدات التمويل الجديدة. وبدأت بعض هذه الأموال في الوصول فعلا.وفي 14 فبراير/شباط، وافق مجلس المديرين التنفيذيين للبنك الدولي على عدد من المنح لليمن قيمتها إجمالا 206 ملايين دولار وهي الدفعة الأولى من تعهد بتقديم 400 مليون دولار مساندة إضافية لليمن. ويتحرك مانحون آخرون أيضا للوفاء بتعهداتهم. وتوصلت السعودية بالفعل إلى اتفاق مع الحكومة بشأن تخصيص معظم المبالغ التي وعدت بتقديمها وقدرها 3.25 مليار دولار.
وأما فيما يتعلق بالأنباء غير الجيدة، فأولا، ليس كل المانحين يفي بتعهداته.ففي حين تحركت السعودية سريعا بإيداع مليار دولار لدى البنك المركزي، وتحديد مشروعات معينة لمعظم التمويلات التي وعدت بتقديمها، لم تف بعض البلدان بوعودها ولم تبدأ الحوار مع الحكومة بشأن وجهة الأموال التي ستقدمها.
وثانيا، فإن الأمور آخذة في التحسُّن على صعيد الاقتصاد الكلي ووتيرة المشروعات التي تُموِّلها الحكومة والمانحون، لكن النشاط الاقتصادي بوجه عام وخاصة فيما يتعلق بالقطاع الخاص لم يتحسن بدرجة كافية للتأثير على معدلات البطالة أو مستويات الفقر.فأكثر من 50 في المائة من اليمنيين ما زالوا دون حد الفقر. ونقص الأمن الغذائي لا يزال شديدا، ومستويات سوء التغذية مرتفعة، ولاسيما بين الأطفال.
وأخيرا، فإن الحكومة لم تحقق تقدما في تنفيذ التعهدات التي قطعتها مع المانحين في مؤتمر العام الماضي، وتجسَّدت في توقيع إطار المساءلة المتبادلة. لقد استغرقت الحكومة قرابة خمسة أشهر لتوافق على إنشاء آلية المسار السريع، وهي مؤسسة حيوية ستضمن سرعة استيعاب أموال المانحين وتوزيعها على المشروعات التي خصصت لها.وسيمضي على الأرجح بضعة أشهر أخرى قبل أن تصبح هذه الآلية في حيز التنفيذ الكامل.ولم يتحقق تقدم كبير نحو اتخاذ تدابير مهمة للسياسات تضمَّنها إطار المساءلة المتبادلة. ومن هذه التدابير تحسين نظام الإدارة العامة ومساندة جهود مكافحة الفساد، وإجراء إصلاحات لقطاع الكهرباء وبيئة الأعمال، وبناء شراكات مع منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص.
إلى أين نتجه من هنا؟ يجب على الحكومة أن تسرع خطى إنشاء المكتب التنفيذي للمسار السريع وأن تبدأ جهودا جادة لتنفيذ التعهدات التي تم تقديمها في مؤتمر المانحين في الرياض وإلا فإن مصداقيتها سوف تتضرر.ويجب على المانحين الوفاء بوعودهم والإسراع بتنفيذها.فلا وقت نُضيِّعه في أي من الجانبين.
مدير مكتب البنك الدولي بصنعاء