المصريون انتظروا الحرية فجاءهم نظام أكثر استبدادًا.
فشل المستعمر الإنجليزي في إحداث الفرقة بين المصريين وفعلها الرئيس.
هناك مخطط لإسقاط الشرطة بالصدام مع الشارع والهدف قيام ‘شرطة الميليشيات’!! المعركة ضد الجيش ‘ممنهجة’، والخطر لايزال قائمًا.
كأن الرئيس ليس معنيًا بشيء..
العصيان المدني يتصاعد، ينتقل من بقعة إلى أخرى، قطع للطرق، تعطيل للمصالح والمصانع والشركات والمؤسسات الاستراتيجية، وسائل المواصلات والاتصالات تكاد تتوقف في العديد من هذه المناطق، حياة الناس في خطر، ولا أحد يسأل.. ما هي الحكاية بالضبط؟!
ثلاث مدن استراتيجية مهمة، معرضة للخطر والعزلة، الناس ثائرة، تعلن عن رفضها لما يجري، تتحدى الرئيس ومؤسسات الدولة، العصيان المدني دخل يومه الثامن في بورسعيد، ولا أحد يجرؤ على مناقشة الأمر، أو القيام بزيارة إلى هناك، والجلوس مع الناس، ومعرفة ماذا يريدون؟!
في زمن يصبح فيه الكرسي هو العنوان، لا تسألني عن ردود الفعل، عن الإحساس بالآخر، عن الوطن والحدود، عن الجغرافيا والتاريخ، عن شعب انتظر طويلاً، وعندما ثار راح يتساءل في حسرة، ولماذا كانت الثورة، إذا كان هذا هو الحال؟!!
منذ أن جاء الرئيس مرسي إلي سدة الحكم، راح يعاملنا بلغة التخويف والإرهاب، العند والاستبداد، الانتقام وتصفية الحسابات، كأن بينه وبيننا ثأرًا دفينًا، كثيرون هللوا له، وقفوا إلى جانبه، لكنهم الآن يطلون من شاشة التلفاز، أو يقفون عند نواصي الطرق، ويحتشدون في المظاهرات، ويبدون الندم على وقفتهم، ويقولون ياليت التاريخ عاد بنا!!
هنا أمام دار القضاء العالي، وفي الميادين، يقف شباب الثورة، يطلقون الهتافات مجددًا، ‘الجيش والشعب إيد واحدة’ ينادون الجيش لانقاذ الوطن، إنها لحظات ندم، علي هتافات نادت بسقوط ‘حكم العسكر’، البعض وجهوا الإهانات إلى جيشنا العظيم وقادته، تحمل الجميع الإهانة في صمت، رفضوا الرد، دماء المصريين غالية عندهم، ‘لن نتورط’ قالها المشير طنطاوي والفريق سامي عنان أكثر من مرة، لكننا حتمًا سنمضي، سنعود إلى الثكنات وجرح الكرامة يؤلمنا، سنمضي إلي نهاية الطريق، لنجري الانتخابات، ثم نسلم السلطة إلى من سيختاره الشعب.
ثمانية أشهر فقط مضت على حكم الرئيس مرسي، إنها شهور ثقيلة، تميزت بحدة الصراع والاستقطاب، لقد نجح الرئي’ فيما فشل فيه المستعمر الانجليزي، عندما أطلق مبدأ ‘فرق تسد’، حدث الانقسام بعد هذا الإعلان الدستوري ‘اللعين، أصبحت مصر منقسمة، ضاعت لغة الحوار، واشتعل العنف بين الناس، أصبحنا ندمر مؤسساتنا بأيدينا، نؤذي أنفسنا بأيدينا، التاريخ سيكتب أن الإخوان دفعوا الناس إلى هذا السبيل، جعلوهم يكفرون بكل شيء، لا أمل لديهم في الاصلاح، ولا أمل لديهم في الحاضر أو المستقبل.
لقمة العيش اختطفت من بين أيديهم، فجأة أطلت عليهم وجوه، تمسك بالاقتصاد، تصبح هي صاحبة القرار، لا تسألني عن وزراء في ظل وجود خيرت الشاطر وحسن مالك وغيرهما، إنهم مفاتيح الاقتصاد الحقيقية، أصحاب الحل والعقد، يتعاملون مع الوطن كأنه سوبر ماركت، أو محل بقالة، أو عزبة من حقهم وحدهم أن يقرروا آليات العمل في ساحته.
بالأمس، كنا نعيب على أحمد عز، نتهمه بأقذع الاتهامات، فما هو الجديد الآن، أحمد عز يطل علينا بوجهه من جديد، زواج السلطة بالثروة، الاحتكار، التحكم.
ياوليك إذا طالتك سهام الغضب، لا تسألني كيف سيجري الانتقام منك، وبأي وسيلة، فجأة قد تجد نفسك طرفًا في قضية، أي قضية، تخلق لك القضايا، أصبحنا في زمن التلفيق الكبير، بعد فترة يمكن أن تحفظ القضية أو يجري التفاهم معك، أو إذا قبلت بالخنوع والركوع.. أما إذا لم تقبل فمصيرك السجن والتشرد.
لا تسألني عن القانون، ولا عن الأدلة، كل شيء جاهز ياباشا، لدينا جيوش منظمة تعمل من خلف ستار، ثم تدفعك إلى المقصلة، ودافع عن نفسك ياحدق!!
إنها دولة الخوف، حيث تغيب الضمائر، حيث التشهير، والإطاحة بكل الثوابت، كنا نعيب زمن مبارك، في الشارع يقول الناس، سيكتب التاريخ لمحمد مرسي، إنه دفع الناس إلى المقارنة بين زمنين، زمن ما قبل الثورة وبعدها.
يقول الناس كان الفساد موجودًا في زمن مبارك، لكننا كنا نجد لقمة العيش، كان الاستبداد هو العنوان، لكن مبارك ونظامه لم يكونا يجرؤ ان على الإطاحة بالدستور والقانون والاعتداء على القضاء كما حدث في زمن مرسي.
كنا نشكو من وقائع تعذيب كانت تجري في أقسام الشرطة، لكننا الآن في زمن ‘السلخانات’ والقتل والخطف والخوف والرعب والبلطجة وقطع الطريق.
كنا نختلف مع الحزب الوطني ورجاله، لكن الانقسام في زمن مبارك وحدة الاستقطاب، لم تصل أبدًا إلى ما وصلت إليه في زمن مرسي، زمن ثوار .. أحرار .. حنكمل المشوار!!
عشنا كذبة كبيرة، ومازلنا نعيش..
قلة هي التي حذرت من هذا السيناريو، لكن البعض تعمد الإساءة إلينا، قالوا أنتم تروجون للجيش ومجلسه الأعلى ليبقى، وجهوا إلينا الاتهامات، وقالوا أنتم تساندون أحمد شفيق وعمر سليمان وكل الفلول.
صمتنا تحملنا الألم، تطاول علينا السفهاء من اللجان الإلكترونية المشبوهة، لم نخف،لم نتردد ولم نتراجع، بقينا نمسك بالجمر، ندافع عن الوطن، نقرأ الحاضر والمستقبل بالعقل وليس بالعاطفة، وكنا على ثقة أن الناس ستعرف الحقيقة في يوم ما.
<<<
بالقرب من دار القضاء العالي، يحتشد المئات من شباب الثورة، يطالبون بإقالة النائب العام، يهتفون بعودة الجيش لانقاذ البلاد .. بالأمس القريب كان البعض ينادي بسقوط المجلس العسكري، يطالبونه بتسليم السلطة فورًا، فماذا جرى، وماذا حدث .. لقد غادر الجيش الساحة إلى ثكناته منذ أشهر قليلة.
كان البعض يأمل في ‘الإخوان’ خيرًا، قالوا إنهم يحفظون القرآن، ويعرفون الواجبات والحقوق، لن يكرروا سيناريو الظلم أبدًا، لكنهم فوجئوا بأن من وصلوا إلى السلطة في غفلة من الزمن، أشد بأسًا واستبدادًا من نظام أسقطناه وحاكمنا رئيسه ورموزه، وكشفنا أمرهم، فماذا عنكم أنتم؟!
أعود إلى المشهد من جديد، أقرأ الأحداث من بدايتها، أسأل عن الدور الأمريكي، عن خطة كونداليزا رايس الفوضى الخلاقة، عن ضغوط الأمريكان على مبارك وسكوتهم على مرسي، عن اتفاقهم مع جماعة الإخوان والشروط الخفية والمعلنة، عن مؤامرة إحداث الانقسام وصولاً إلي التقسيم.
كثيرون ترددوا في كشف المخطط، ووضعوا الحقائق على الطريق الصحيح، كثيرون قالوا ‘فلنؤثر السلامة’ قبل أن تطالنا يد العقاب والتشهير، كثيرون انقلبوا على مواقفهم وراحوا يعملون خدمًا لدي الجماعة ورئيسها ومرشدها، كأنهم جميعًا قرروا أن يستسلموا، ثم رويدًا رويدًا عاد بعضهم مجددًا إلى الطريق الصحيح، راح يعلن التوبة، والندم أمام الجميع.
منذ أيام بدأت الحرب ضد الجيش مجددًا، شائعات، إدعاءات، أكاذيب، الهدف هو التمهيد لقرار قد يصدر في أي وقت لخلخلة المؤسسة العسكرية ومعاقبة رجلها القوي، الذي أعلن منذ اليوم الأول أنه مع الشعب، ولن يسمح أبدًا بسقوط الدولة في قبضة المتربصين بها.
لقد جاء موقف الجيش قويًا ومحذرًا، لن نكرر سيناريو المشير وسامي عنان، لن نسمح باختراق الجيش وأخونته، كانت كلمات رئيس الأركان الفريق صدقي صبحي الأشد قوة، إذا احتاجنا الشعب سيجدنا بعد ‘ثانية واحدة’ إلي جواره، كلمة لا تخلو من معنى، تأكيد على وطنية الجيش المصري، وانحيازه للشرعية.. وقادته وأركانه.
سعد الناس كثيرًا بموقف الجيش، ربما كانت هي المرة الأولي التي يشعرون فيها بالأمان، وأن هناك من يرقب الموقف جيدًا، يمنح الأمل للناس، ويعطيهم الثقة، في الذات ويؤكد لهم أن الجيش لن يترك الساحة للميليشيات وللبلطجة السائدة لحساب الجماعة وامتداداتها وليس لحساب الوطن ومصلحة الناس.،
أدرك الناس الآن، أن الجيش، كان أكثر حرصًا على الديمقراطية والحرية من هؤلاء الذين صدعوا رؤوسنا بالحديث عن النظام السابق واستبداده، وعن إنجازهم التاريخي باسقاط الحكم العسكري.
عرف الناس أن ‘العقيدة الوطنية’ لجيش مصر العظيم ستظل نهجًا ودستورًا تتوارثه الأجيال، وان جيش مصر لن يكون أبدًا أداة في يد أي نظام أو فصيل سياسي، بل هو امتداد لهذا الشعب العظيم، يحمي البلاد ويحافظ على مصالحها وأمنها القومي، إنه الحارس الأمين على لمستقبل هذا الوطن، قطعًا الحرب لم تنته، والاشادات والاستقبالات والكلمات التي انطلقت تثني علي الجيش، وتتذكر بعد خمسة عشر يومًا أنه قام بتأمين إجراءات عقد القمة الإسلامية على خير وجه، فيجب توجيه الشكر إليه، كل ذلك لا يعني أن الأمور عادت إلى مسارها الطبيعي، حالة التربص تبقى هي العنوان، إنهم لا يريدون رجلا يرفع رأسه في هذا البلد، كلهم لابد أن يكونوا ‘طيعين’ ينتظرون التعليمات، يلتزمون بمبدأ السمع والطاعة، مهمتهم خدمة الحاكم، وليس الشعب، تنفيذ الأوامر وليس المشاركة في صنع القرار، إنه زمن العبودية يعود من جديد.
بالأمس أطلق أحد المراصد القريبة من الجماعة ‘أكذوبة جديدة’ قال ‘إن الرئيس أدب الفريق السيسي وعنفه’ أي لغة تلك وأية وقاحة، وأي خروج عن أبجديات الأدب والأخلاق .. عادوا لينكروا ويدعوا أن موقعهم قد اخترق، أصبحنا أمام مهزلة، كان طبيعيًا التصدي لها وتفنيد الهدف من ورائها.
لم تكتف الجماعة بأخونة مفاصل الدولة، لم يكتفوا بزرع أهل الثقة على حساب أهل الكفاءة، تعاملوا مع مصر كعزبة ورثوها عن الآباء والأجداد، وجاء الدور على الجيش بعد الشرطة والقضاء، إنهم يريدون اختراق القوة الصلبة حتي يستطيعوا إخضاع الجميع، ونسوا أن جيش مصر عصي علي السقوط في أيديهم أو أيدي غيرهم.
أكاد أقول جازمًا إنهم لن يصمتوا، سينتظرون اللحظة المناسبة، وسينقضون بلا رحمة، لكنهم في هذه اللحظة حتمًا سيدفعون الثمن، والثمن سيكون قاسيًا.
يا أيها الشعب المصري العظيم..
تماسكوا، التفوا حول الرجال المخلصين، الجيش ليس لقمة سائغة، لكنه في حاجة إلى أن يسمع صوتكم، لا تنجروا إلى مخطط الصدام مع الشرطة، لا تنسوا أن هؤلاء أهلنا، يقدمون الأرواح لأجلنا، البعض يريد الانتقام منهم، يدفعونهم إلى الصدام، ليحققوا الهدف، يثأرون منهم، ويشغلوننا بهم، ويكملون هم حصتهم في بناء كتائب الميليشيات تحت اسم ‘الشرطة الشعبية’.
كفوا عن الخلافات، توقفوا عن تصنيف الناس، هؤلاء فلول، وهؤلاء ثوار، الخطر يداهمنا جميعًا، الوطن في أزمة، والمخطط الأمريكي للتقسيم يجري تنفيذه بأياد مصرية، فلا تتركوا المؤامرة تمر وتمضي، الجميع سوف يدفع الثمن بلا جدال.
أنسوا أنفسكم، ومصالحكم، ومرجعياتكم الفكرية والسياسية قليلاً، تذكروا أن هناك وطنًا دون الموت والتشرد والخراب، وطنًا يمد أياديه إليكم لانقاذه من قدر محتوم!!