توقعنا أثناء التغيير الوزارى الأخير أن يطرح رئيس الجمهورية اسماً آخر يتمتع بقوة وتكوين علمى يتوافق مع متطلبات المرحلة، فمصر تغرق فى أزمة اقتصادية وغياب لدولة القانون وافتقاد تام للرؤية، ولهذا كان التغيير الوزارى دون مستوى الطموحات.
إن الأحداث التى شهدتها مصر منذ احتفالات 25 يناير 2013 حتى هذه اللحظة تؤكد بجلاء على تحدى من بيده السلطة لطموحات مصر أو عدم إدراكه لواقع مشكلات مصر.
يا حضرات، كان على الحكومة الموقرة أن تتوقع أمرين:
الأمر الأول: كان عليها- فى ظل حالة الاحتقان السياسى الحالى- أن تتوقع حدوث مشاحنات وربما اعتداءات واندساسا لبعض المخربين وسط المتظاهرين الشرفاء، أين خبراء مصر الاستراتيجيين فى الحكومة؟!، مؤكد أنه لو كانت لدينا حكومة مؤهلة وعصرية لأعدت عدتها وتمكنت من تخفيف وطأة الحدث، ولتمكنت من إبعاد المندسين أو تخفيف أثرهم، ولكنها كحكومة تظهر دائما بعد وقوع الكارثة وما أكثر كوارثنا، تماما مثلما كان عليه الحال فى حكومات العهد البائد.
الأمر الثانى: وهو أحداث بور سعيد؛ لو سألت طفلا يحبو فى الشارع عن توقعاته بشأن ردة فعل الناس بعد حكم مذبحة بورسعيد، سيقول لك إن الطرف الذى لن يعجبه الحكم سيشعل البلاد!!، ألم تتوقع حكومة قنديل هذا؟ مؤكد أنه لو كان لدى الحكومة رؤية وإدراك وتحليل للأحداث لأعدت عدتها ولهيأت المناخ لاستقبال الحكم، لنا أن نتخيل أن الحكومة- من خلال وزارة الداخلية ورئيس الحكومة والمحافظين- قد جهزت الناس نفسيا لاستقبال الحكم، وعرفتهم أن الحكم يقبل الطعن، وأنها ليست نهاية المطاف، لكنا قد حقنا دماء العشرات التى سالت فى شوارعنا وبأيدينا!!.
تركت الحكومة الشارع نهباً لحفنة من المحامين الذين تاجروا بأرواح الأبرياء، ففى بورسعيد، حيث أظهر المحامون للأهالى-ليثبتوا أنهم محامون أكفاء- أن تقرير الطب الشرعى يبرئ أبناءهم، وبالتالى يفهم من هذا أنه لو صدر حكم على أبنائهم فهو حكم مسيس!!! لتحترق بورسعيد على رؤوس أبنائها، ولتدب الفرقة بين أبناء مصر قاطبة، أهؤلاء قلوبهم على مصر؟!.
الحقيقة المؤكدة، أننى ورغم لومي الكامل لبعض القوى السياسية، التى ركبت على الثورة هي الأخرى وامتهنت التجارة بها، هي أن الدولة غائبة وهيبتها باتت معدومة، ولو كانت هناك دولة واحترام للقانون لما حدث ما شهدناه خلال الأيام الماضية، فالمركب عليه أكثر من قائد، بل أصبحنا غير قادرين على تحديد الربان الحقيقى للمركب، ولهذا سقط الجميع من أعين الناس فحدث ما حدث.
السؤال هنا: هل ما تشهده البلاد من فوضى أمر مقصود؟ هل مقصود إشعال الشارع لإلصاق التهمة بفصيل سياسي معين من أجل تسجيل أهداف سياسية وانتخابية، البعض يقول إن ما نشهده أمر مقصود، حتى تظهر النخبة المعارضة، وتحديدا جبهة الإنقاذ، بأنها نخبة خراب ودمار، وبالتالى يعوض التيار الديني خسائره التى سجلها خلال الأشهر الماضية؟!!.
الحقيقة أننا مللنا هذا الواقع المرير، ولهذا أتمنى أن تثمر اجتماعات الحوار التي دعا إليها رئيس الجمهورية عن مخرج حقيقي لأزمة مصر، أتمنى من كل طرف أن يضع مصر «حاضرها ومستقبلها» نصب عينيه، أتمنى من كل طرف أن يتخلى عن طموحاته وأطماعه السياسية والانتخابية إذا أراد لهذا الحوار أن يثمر أو أن ينجح، على كل طرف أن يكون على استعداد لتقديم تنازلات من أجل مصر، على الجميع أن يدرك أن شعب مصر كفر بالثورة وكفر بالجميع، فهل يخرج المجتمعون بقرارات تعيد الأمل لهذا الشعب وهذا البلد البائس؟!.
*كاتب مصري
أستاذ بحقوق المنصورة