وهذه الجامعة في الأصل هي امتداد للمعاهد الدينية السلفية الجهادية التي أسست في الثمانينيات لمواجهة المد اليساري في الشمال وقتئذٍ، وهو نشاط لا يمكن إلغاء البعد الاستخباري المحلي والخارجي من ورائه عند التأسيس. وكان يقود ذلك النشاط في الشمال الزنداني، فيما كانت العناصر الجنوبية من السلفيين الجهاديين تحت إمرة أسامة بن لادن كما ظهر مؤخراً. وهو نشاط تحول بعدئذٍ إلى مشروع لمواجهة الجنوب بهدف تحويله إلى أفغانستان ثانية؛ ولكنه أوقف بسبب تحقيق الوحدة في العام 90م. وهو صرح من حيث مضمونه الأيديولوجي - السياسي والاجتماعي - يؤصل لحكم تحالف القوى الاجتماعية التقليدية ، بغض النظر عن الواجهة الشرعية ذات المنحى السلفي الجهادي التي يظهرها .. وهي قوى دأبت على احتواء الحركات الثورية الحداثية في الشمال منذ وقت مبكر حتى اليوم كما حدث لثورة الشباب مؤخراً. وقد حاول هذا الفكر مد مخالبه إلى الجنوب بعد حرب 94م ولكنه لم يصل إلى مبتغاه ، بعد أن فشل في احتواء الجنوب كي يجعلوا منه تابعاً اللهم إلا في حدود ضيقة جداً.
إن المتابع لتطور الأوضاع الحالية في الجنوب وحتى في الشمال يصاب بالدهشة من مغزى افتتاح هذه الجامعة في عدن في هذا الوقت بالذات ، خاصة أن الظروف الموضوعية لا تساعد إطلاقاً على مثل ذلك التوجه. وهو توجه لم يسمح به حتى في زمن الرئيس السابق ، مع وجودهم طرفاً أساسياً في نظامه وظيفتهم ممارسة التبرير السياسي باسم الدين. وما يزيد من تعقيد الوضع أن رموز هذه المؤسسة والقائمين عليها معروفون بتبعيتهم لحزب الإصلاح فكراً وانتماء. وهو ليس حزباً أخوانينا كما يحاول أن يصف نفسه ، بل هو حزب متذبذب بين الفكر السلفي الجهادي والأخواني. وموقف هذه القوى وشيوخها معروف من القضية الجنوبية والحياة المدنية عموماً في الجنوب ، وقد عملوا ولا زالوا يعملون على وأد الحياة المدنية فيها. وقد رأينا موقفهم في حرب 94م وكيف جيشوا السلفيين الجهاديين في الحرب على الجنوب ، وكيف أخرجوا الفتاوى الدينية باستباحة دماء الجنوبيين وتبرير الحرب الظالمة عليهم. ثم تحولوا إلى واجهة للتبرير الديني للحاكم من خلال صمتهم عن كل الجرائم التي لحقت بالجنوبيين وأرضهم. و تواطؤوا كذلك مع أنصار الشريعة الذين أذاقوا الجنوب الأمرين ولم يصدر عنهم أي إدانة لهم أو استنكار لما يقومون به ، بل ذهبوا يبحثون عن إنقاذهم بعد أن شعروا بأن نهايتهم قد قربت بعد ظهور المقاومة الشعبية الباسلة في أبين حين تقدموا للرئيس هادي في ما سمي ببيان علماء اليمن كي يقوموا بدور الوسيط بعد أن كانوا يطرحونها عبر قنوات غير رسمية، وهي خطوة رفضها هادي حينئذٍ. بل وجعلوا من الوحدة اليمنية فريضة دينية وكأن من يدعو لغيرها كما هي دعوة قوى الحراك بأنها دعوة مارقةً. وهي تخريجة بين العلماء الجنوبيون فسادها الشرعي. وهو فساد مرجعه توظيف الدين توظيفاً أيديولوجياً وهي ممارسة لها تاريخ طويل في التجربة السياسية في العالم العربي والإسلامي .وهي لم تعد تنطلي حتى على العامة من الناس ممن نالوا مستوى متواضعاً من الثقافة بعد انتشار وسائط المعرفة الحديثة ، إلا السادرين وراء العماء الأيديولوجي.
ومع كل ذلك فلازالت هذه القوى حتى اليوم في طليعة من يحمل لواء المعارضة ضد أي توجه يقضي حتى بالاعتذار لأبناء الجنوب عما لحق بهم وبأرضهم من حرب 94م. فما نخشاه أن تكون المعالجات الحالية تجاه القاعدة على شاكلة المعالجات السابقة وهي التعامل مع النتائج وترك الأسباب. وإلا كيف نفهم الدعوة لمحاربة القاعدة (السلفية الجهادية) مع غض الطرف عن المنابع الفكرية المنتجة له، بل والسماح بانتشار تلك المنابع إلى مدن أخرى. ثم هل تحمل تلك الخطوة توجهاً جديداً لتعزيز وضع الإصلاحيين في عدن تجاه أي سيناريوهات محتملة في المستقبل بعد فشل محاولاتهم للسيطرة عليها فيما سبق ؟ أو هو مؤشر على صحة تحليلات بعض المراقبين بأن هناك خيوطاً لتحالف جديد بدأت تنسج، قوامها فصيل جنوبي مع أحمر عمران وحزب الإصلاح لإدارة اليمن خلال المرحلة الحالية وربما مستقبلاً ؟ وكلها هواجس مشروعة في ظل معطيات الواقع على الأرض. و مع كل ذلك فهناك مناشدات لأصحاب القرار في صنعاء لإيقاف هذه الخطوة ؛ لأنها أشبه بتوجيه النار نحو فتيل البارود. وتأسيساً عليه فإن المخاوف التي بدأت تساور كثيراً من المواطنين في عدن وغيرها من مستقبل هذه الخطوة هي مخاوف مشروعة. ولكن السؤال هل من مستمع لندائهم؟ أم أن الصمت سيكون سيد الموقف؟ حتى تقع الفأس في الرأس لا سمح الله ؟.