المراقب سيجد أن القوى الداخلية بما في ذلك المنتمية إلى الزيدية التي تحكمت بالجمهورية قد تعاملت مع المذهب الزيدي وان لم يتم الإعلان عن ذلك كنقيض لفكرة الجمهورية، صحيح أن هناك أطرافا زيدية حاولت أن تشرعن للجمهورية استنادا على الفقه الزيدي وتعاملت مع بيت حميد الدين كنقيض للزيدية وعلى هذا الأساس تم تبرير فكرة الثورة لدى البعض، إلا أن تجربة انقلاب 48م من وجهة نظري كشف طبيعة التجديد الذي يمكن أن يحدث في بنية المذهب، فالانقلاب كان يشكل الحدّ الأعلى للانفتاح الزيدي ولم يتمكن الانقلاب من تجاوز فكرة البطنين، ومهما تم تسويق ما حدث في عام 1948م فقد كان انقلابا زيديا بتجديدات تقليدية والدستور المنتج في جوهره لم يغادر المذهب بتجلياته التي أسسها الإمام الهادي.
والغريب أن الزيدي الثوري في لعبة الصراع فقد قوته واسترد المذهب الزيدي بعض قوته عبر التكوينات التي دافعت عن بيت حميد الدين من خلال المصالحة وأصبحت القوى الملكية التي قاومت الثورة جزءاً من بنية الجمهورية، وكان للصراعات التي أفرزتها الستينيات دور في إعادة صياغة التحالفات اللاحقة في بنية الدولة، فالمصالحة سهلت التنفس للتيار الجمهوري الهاشمي وبدأ يدير معركته عبر رؤى عصرية تساندها اجتهادات فقهية تقليدية قبلت التحولات التي أنتجتها الجمهورية إلا أن تيارا متدينا ظل على قناعة عقدية بفكرة الإمامة الهاشمية.
كانت الجمهورية قوة لا يمكن مواجهتها وتمكنت التكوينات الزيدية من الانخراط في الجمهورية وقبول التحول كأمر واقع لا مفر منه، وكان للهاشميين دور في بناء الدولة بحكم تواجدهم المكثف في مراكز صنع القرار وفي أجهزة الدولة المختلفة، وتعاظم إحساس ممثلي المذهب بالغبن بعد أن فقدوا الكثير من التأثير في الدولة والمجتمع لأسباب كثيرة.. فالتحولات أفرزت فئات جديدة منافسة إلا أن الاكتساح الإخواني للدولة وللمجتمع وتبني إستراتيجية خفية في مواجهة الهاشمية في بنية الجمهورية كان بداية للصراع الذي بلغ مداه في عهد علي صالح.
كان الرئيس صالح محور اللعبة كلها، وأدار لعبة توازن دقيقة معتمدة على توزيع المصالح بين الأطراف، إلا أن تعاظم دور الإخوان واختراقهم لكل دوائر صنع القرار مكنهم من الانتشار والتوسع، ولم يمانع صالح في ظل التركيبة المعقدة لمراكز القوى وهيمنته على الحكم، لم يكن صالح إخوانيا لكنه أكثر من خدم الإخوان ومدهم بالقوة الكافية ليتحولوا إلى الفاعل السياسي المهيمن، كان صالح يتعامل معهم كقوى مساندة في مواجهة المد اليساري، وتمكن الإخوان في ظل الحرب الباردة ودعم الغرب والإقليم أن يكونوا شركاء فعليين في الحكم بل والقوة الأكثر قدرة على التأثير في اليمن على صناعة القرار السياسي، وبدأت تتعاظم قوتهم وتنفذهم مع الحرب الأفغانية وتأسيس المؤتمر الشعبي العام.
اللافت انه لا يتم التنبيه لدور اليسار في صراع المذهب الزيدي والتكوين الهاشمي مع الإخوان وحلفائهم من قبائل وعسكر، بدأ اليسار مع بداية حكم صالح دورا في إعادة ترتيب أوراق الصراع المذهبي في الشمال، فاليسار كانت الإستراتيجية التي ركز عليها هي بناء مصدر وقوة دينية في الشمال لمواجهة الخطاب الديني الاسلاموي للإخوان الذي يتم إعادة إنتاجه عبر دولة الشمال وعبر تنظيم سري ممتد ومخترق لبنية المؤسسات الأكثر تأثيرا، وتواجد اليسار في صعدة واختراقه للتكوين الهاشمي في أكثر من مكان بنزعته اليسارية كانت البداية الفعلية لتأسيس حراك زيدي له وجه يساري خالص ووجه مذهبي مائع، وكان التركيز على صعدة ومحيط صنعاء القبلي من قبل اليسار مدخلاً استراتيجياً لإضعاف القوى التي تعمل في بنية الجمهورية لا من أجل إسقاط الجمهورية بل بهدف ضرب القوى التي تحكمها لصالح اليسار وبأدوات طائفية تبحث لنفسها عن دور في ظل التهميش المتلاحق الذي أصابها بفعل قدوم تيار منظم يهيمن على مجال الطموحات الزيدية الحيوية وبأدوات القبيلة التي شكلت قوة الإمامة ومن خلال الجمهورية التي كانت تبحث عن ايديولوجيا دينية تناهض أي انبعاث زيدي قد يعيد الإمامة.
المفارقات في الصراع اليمني كثيرة وغريبة فالقوى القبلية الزيدية كحاشد وبكيل صارت بعض تكويناتها المؤثرة قوة مساندة للإخوان المسلمين أو لم تهتم القبيلة بالمذهب الزيدي، ولعب الإخوان لعبتهم بذكاء حيث رفضوا فكرة المذهبية ولكنهم تحولوا إلى مذهب ديني سياسي لابتلاع بقية المذاهب، فالإخوان مذهب سياسي مثلهم مثل الزيدي مع فارق في القواعد والتنظير، وتنظيرات آل الوزير في اتحاد القوى الشعبية أسس لها منهج إخواني بنكهة زيدية وتبدو أكثر نضجا من الإخوان.
بحث الإخوان في تاريخ الزيدية وبعثوا فقه الزيود الذين أسسوا للمذهب السني في قلب الزيدية عبر اجتهادات فقهية واسعة أنتجتها مرحلة الثقة التي كانت الزيدية تعيشها بفعل هيمنتها الكلية على الدولة والمجتمع وفي مرحلة كانت الإمامة بحاجة إلى استيعاب التكوين السني في بنية دولة الزيدية عبر فقهاء من أصول زيدية مستوعبين للفقه الزيدي وللفقه السني وأقرب إلى الفقه السني الأكثر اعتدالا وهؤلاء الفقهاء لم يقتربوا كثيرا من النظرية السياسية المؤسسة للإمامة الزيدية باعتبارها أمراً مفروغاً منه تفرضه حالة الهيمنة الواقعية. وانقلب الآية في العهد الجمهوري فالقوى المهيمنة على المجال القبلي الزيدي كانت بحاجة إلى حركة سنية لتبرير هيمنتها باسم الجمهورية.
الجمهورية لم تلغ الصراع المذهبي فقد برزت صراعات مذهبية في بداية الستينيات في الوسط الجمهوري عبر خطابات معلنة إلا أنها أخذت تختفي وكأنها تعتمل في النفوس ولا يتم التصريح بها وتمكنت الحركة الوطنية من تخليق خطاب عام مؤسس على القيم التي أسست لها الجمهورية وظلت التناقضات الطائفية تعتمل في الصراع على القوة وكان هذا الصراع سياسيا يتم تداوله في الدوائر المغلقة والضيقة.
كان بالإمكان تجاوز الصراع المذهبي في اليمن مع الوقت فتجذر الدولة كان كفيلا بتمدين اليمن إلا أن بروز الإخوان المسلمين كفاعل قوي ومؤثر فجر حالة الكبت بالتدريج والذي برز بوضوح مع تحقيق الوحدة اليمنية.. وكان لليسار دور في تفعيل الطاقة الزيدية بوجهها الهاشمي، ففي ظل تفعيل الاسلاموية الاخوانية كجناح ديني للمراكز الشمالية الفاعلة كان الحزب الاشتراكي بحاجة إلى سند ديني في مجتمع تقليدي الخطاب الديني فيه مؤثر وفاعل وقد تمكن الإخوان من تحويل الإسلام وقيمه إلى طاقة جبارة لتشويهه ومحاصرته وتبرير تصفية قياداته، ولم يتوان اليسار عن تفعيل ارتباطاته التاريخية التي أصبحت تتحرك في أفق حر في دولة الوحدة وحاولت الاسلاموية الزيدية أن ترتب صفوفها بشكل علني وتقوم بدور الحليف للحزب وفي نفس الوقت كان لها طموح أن يفعلوا من وجودهم في ظل شريك يمتلك نصف السلطة، انتصاره كان كفيلا بإعادة الاعتبار للتكوين الزيدي الهاشمي.
لم تتمكن الإسلاموية الزيدية من مواجهة المدّ الاخواني الذي تغلغل في الدولة والمجتمع وقاد حملة شرسة ضد الهاشمية من خلال تبني خطاب الجمهورية وإدانة الفكر السياسي الإمامي وكان لنصر طه مصطفى دور عبر صحوة اليدومي فقد جسد الحالة التي عاش الإخوان عليها، فالتمايز ات التي تؤسس لها الزيدية جعلت القوى التي نشأت في المدن أكثر تحفزا لمقاتلتها بخطاب قوي وذكي فيه الكثير من التجني، الخطاب التحقيري الذي أسست له الإيديولوجيا الاخوانية ضد الأئمة وفكرهم واختراقها للتكوين الهاشمي ولد ردود فعل كثيرة لم تكن الحوثية إلا التجلي الأعلى لها.
كان الإخوان على قناعة تامة أن الهيمنة على الجمهورية لن يكون إلا بتفكيك كل ما له علاقة بأي انبعاث لإسلام سياسي زيدي وبمحاصرة أي قوى قد تمثل لهم سنداً، وتمكن الإخوان من تحويل الدولة بأجهزتها إلى طاقة لتحقيق إستراتيجيتها، إلا أن صراعها في هذه الاتجاهات بعث روح التحدي والمقاومة ولم تكن الحوثية إلا التجلي الغاضب لتيار زيدي تمكن من إعادة بناء نفسه وتحالفاته بطريقة غير مرئية.
كان صالح يدير معاركه السياسية بعد خصومة الإخوان باتجاهات بناء كتلة صلبة في قلب الدولة لتكون مرتكزا له في مواجهة الجموح الاخواني الذي حدد موقفا واضحا من صالح واستبعد وجودهم الحزبي المؤثر في الدولة دون أن يواجه أو يتحدى أجنحتهم القبلية والتجارية والعسكرية والأمنية التي تمكنت من تحرير نفسها من تجمع الإصلاح وارتبطت بالتنظيم الإخواني المشتت في تركيبته والمنتظم بدقة في ولائه لذا فأثناء الاحتجاجات فقد صالح شرعيته عند التيار الإخواني بكافة تفاصيله بعد أن حسم التنظيم أمره، وتمكن من فرض وجوده ولملمة صفوفه في إدارة المعركة، ولم يكن قرار الإخوان بالوقوف ضد صالح نتاجاً للاحتجاجات، كانوا ينتظرون الوقت المناسب، وقد لعبت أجنحة الإخوان من خلال صالح لعبتها بذكاء ومن خلاله قادوه إلى تدمير حلفائه وكبح جماح القوى التي كانت تحاول فرض وجودها لتثبيت أركان الحكم.. ولعبت الانتفاضة الشبابية دورا محوريا في إضعاف صالح وجعلته مكشوفا.
كانت حرب صعدة بوابة لإنهاك صالح والقضاء على خصم بدأ يكشر عن أنيابه ويفرض وجوده، كان صالح يدرك اللعبة لكنه انساق وراءها وكان قائد المعركة التي كان يدرك انه لا مفر منها ومآلاتها لن تمكن الإخوان من القضاء عليه، ولكنها ستفتح جبهة لن تنته، وستقود المحورين إلى صراع يمكنه من محاصرة قوتين تهددان مستقبل هيمنته الكلية، وراهن صالح على الزيدية التقليدية والاخوانية السلفية باعتبارهما ستكونان واجهة هيمنته القادمة، مع السماح للسلفية التقليدية بالعمل ومساندة شرعيته، لذا لم يكن مهتما بمحصلة معركة الإخوان مع الحوثيين من خلال الدولة، ولم يعتقد انها ستضعفه، ولكن الإخوان كانوا على يقين أنها ستنهك شرعيته.
الكثير لم يدرك دور الإخوان في حروب صعدة بفعل «المشترك» الذي خلق خطابا مغايراً لطبيعة الصراع وخلق وهمـا كبيرا حجب الاعتمالات التي تتحرك في الواقع، وتم نقل الصراع إلى دائرة صالح ليتم إنهاكه بحرب الإخوان والحوثية، والذي أسند باختراق الجنوب وتحويله إلى بوابة قلقة ومضطربة لهز شرعيته وزعزعة منجز الوحدة كسند داعم لتاريخه، وتمكن طرفا الصراع والمشترك معهما من تحميل صالح نتائج الصراع فهو حوثي لدى الإخوان وإخواني لدى الحوثية وجذر الأخطاء وإعاقة التغيير لدى الجميع، تمكن المشترك بتركيبته المعقدة وبتحالفات مع أركان نظام صالح من خلال أجنحة الإخوان في النظام بتحميله كل الحروب وسبب مطلق لا يمكن مناقشته لكل مشاكل البلاد، وأصبح صالح شماعة لكل أخطاء الواقع ومن خلاله تطهر الكل من أخطائهم ورموها على ظهره وتم تحويله عبر فكرة الثورة لاحقا إلى كبش فداء لإنقاذ النظام السابق وهذا يفسر الصراع الحالي في الساحة اليمنية.
لم تكن الانتفاضة الشبابية إلا الانتصار الذي لم يتخيله الإخوان، كان صالح قبل الاحتجاجات يدير صراع رقعة الشطرنج اليمنية بدقة قلقة ومرتبكة وكان يخطط لتوجيه ضرباته لمقاومة الضغوط، وكان يبدو رغم مشاكل الواقع ماسكاً بزمام القوة ومتحكماً فاعلاً في الصراع، تغيرت طبيعة الصراع مع الاحتجاجات وتمكنت الانتفاضة الشبابية من بناء تلاحم بين الأطراف المتناقضة وأصبحت الحوثية جزءاً من الثورة ضد نظام صالح إلا أن تطور الصراع أعاد فرز القوى المحتجة بعد أن أصبح ضلعان من أضلاع نظام صالح جزءاً من فكرة الثورة، فتغيرت إستراتيجية الكل ولم يتمكن الإخوان من فرض الهيمنة الكلية على الساحات، ومع الصراعات في بنية القوى المحتجة بدأت الثورة تفقد هيبتها، والأهم أن الحوثي أصبح ثوريا وتحرر من عقدة الدعاية السابقة وكأن فكرة الثورة طهرته وقذفت به إلى خوض معاركة ولديه ثقة أكثر، وهذا يقلق الإخوان، فثورية الحوثي جعلت الصراع معه ذا بعد طائفي يتحمل نتائجها الإخوان، كان الحوثي أكثر الرابحين من الثورة التي يعتقد الإخوان أنهم قلبها وروحها إلا أن القوى الأخرى بما فيهم الحوثي لديهم قناعة أن أجنحة الإخوان ثورة مضادة!!!
ونلفت الانتباه إلى أن التناقضات التي تولدت في الساحات طبيعية وهي صراعات أنتجتها تركيبة القوة التي استند عليها نظام صالح ومحصلة الصراعات التي تولدت في المجتمع بفعل النزاع على الثروة والسلطة في تاريخ الجمهورية، وما يجدر الالتفات إليه أن الساحات والقوى التي تدعي أنها ثورة وأنها في العمق على مستوى الوعي والفهم والأفعال لا تختلف عن نظام صالح في مواجهة بقايا نظام صالح، وهذا سيقود إلى تآكل القوى التي أنتجتها مرحلة صالح أيا كان مكان تموضعها واحتمال أن تتوه في صراعاتها العبثية آيا كانت مآلات التحول، والملاحظ أن الخطاب الثوري أو خطاب الشرعية لدى الطرفين لم يكن إلا التعبير الحاجب للبؤس الذي تعيشه مختلف القوى في اليمن، وعجزها عن تحديد خيارات تتجاوز المرحلة.
باختصار يمكن القول إن صراع الإخوان والحوثيين لا يمكن تجاوزه إلا بدولة مدنية، فكلاهما يتصارعان على القوة باسم المذهب وكلاهما يتحدثان عن الثورة والمدنية، بيد انه لا مفر من الصراع بينهما مهما تغيرت طبيعة التحالفات، فهما سيظلان الوجه الأبرز للمستقبل وللتحولات وهذا سيضعف التحولات المدنية ويزيد من هشاشة التغيير، يبدو لي أنهما في طور الإعداد لمعارك كبرى، ومعاركهم الفكرية والعقدية تؤسس لمرحلة قادمة سيكون التراث سيد الموقف لا لغة العصر، والأخطر أن الصراع العنيف بينهما الذي أصبح أكثر وضوحا من بداية الاحتجاجات يتطور بلغة طائفية أكثر وقاحة وقد يأخذ أبعادا خطيرة ومؤلمة إن لم يتعقلا ويتجها إلى إسناد دولة مدنية وهذا يبدو صعبا فالبنية المشكلة لوعيهما تعمل خارج سياق العصر.
مع ملاحظة أنه تم ضبط الصراع بينهما عبر صفقات وضغوط داخلية وخارجية فإنه قابل للانفجار في المستقبل بين الحين والآخر وسيحارب كل طرف الآخر للحدّ من قوته، أنها حرب أفكار وحرب على النفوذ، من الواضح أن الإسلام السياسي الزيدي تتراكم قوته ولا يمكن أن يسلم تراكم قوته للإخوان، والإخوان لن يتحملوا خسائرهم في المجال التاريخي للزيدية، حيث تؤكد بفاعلية الحوثية أن اختراقاتها التي ستفرضها التحولات القادمة ستزداد وهذا يرعب الإخوان، والخيار الوحيد الذي سيمكنهم من تفكيك أرباح الحوثي يركز على السيطرة على الدولة وكبح جماح التحول الديمقراطي وهذا بطبيعة الحال سيجعل الحوثية قوة ثورية أكثر قدرة على التفاعل مع المعارضة التي ستنتجها أي هيمنة إخوانية، بمعنى أن الإخوانية هي من تنتج الحوثية وتعظم من قوتها وهذا طبيعي فالأيديولوجية الأصولية تخلق نقيضها الأصولي في المجتمعات التي فيها أكثر من مذهب.
الاحتمال الأكبر أن يكون المؤتمر وعبر القوى التي تمثله هو المعادل الموضوعي لكبح جماح هذا الصراع وعلى الإخوان أن يعيدوا صياغة إستراتيجيتهم التصفوية ضد صالح والمؤتمر حتى يتحرروا من معضلة غير قابلة للحل إلا بوجود محكم وسطي معتدل لا علاقة له بصراعات المذاهب الأصولية الأيديولوجية، من الواضح أن المؤتمر يملك الطاقة الكفيلة بضبط الصراع المذهبي وهذا يتطلب منه أن يحمل المشروع المدني.
يبدو لي أن الحوثيين أكثر ذكاء في تعاملهم مع المؤتمر ورئيسه ويدركون أهميته في لجم صراعهم مع الإخوان، وفي حالة إصر الإخوان على نفي الآخرين لفرض هيمنتهم التي يبدو لي أنها مستحيلة في ظل التركيبة الحالية للقوى فإن أمراً كهذا سيجعل الحوثي هو الرابح إما بتقوية خطوط التواصل مع المؤتمر أو الاستفادة من غياب المؤتمر في حالة أصر الإخوان على تصفيته، وعلى الإخوان أن يدركوا أن الحوثية ليست صعدة.. إنها تيار ديني معقد لا يمكن فحصه ففيه أبعاد قبلية وسياسية ومذهبية وعرقية وحداثية واقتصادية، هذه التركيبة المعقدة قد تمكن الحوثية من تحرير نفسها من التشوهات المذهبية وحجبها عبر تحالفاتها المختلفة والممتدة عبر الجغرافيا اليمنية وإعادة صياغة وجهها في تيارات متنوعة ومن خلالها تدير معركة إحداث تغيير جذري في تركيبة القوة وسيكون الإخوان أكثر الخاسرين لا المؤتمر.
الإخوان بيدهم الكثير للخروج من المعضلة فمن يتم شيطنته قد ينقذ الطرفين من ورطة لا مخرج منها، والإصرار والعناد على إدارة اللعبة خارج سياق الواقع وتحولاته أو تبني خطط انفعالية متهورة سيقود إلى خسائر كثيرة وسيربح الحوثي على حساب الأخوان والمؤتمر.
وما من شك في أن الفاعل الخارجي ليس المحدد الجوهري لنتيجة هذا الصراع فتفاعلات الداخل وتناقضاتها وصراعاتها توظف الخارج للتعبئة، الخارج مهموم بالأمن والسلام في اليمن ويبدو لي أنه يتم جذب أو توريط الخارج في صراعات القوى اليمنية بوعي انتهازي، طبعا إيران لديها هموم قومية واليمن ورقة في صراعها وهذا ما يجعل تدخلها مخيفا لكل يمني إلا أنها ستتحول إلى ورقة غبية في لعبت دهاء تدار بتقنيات يمنية وليس من يده بالنار مثل من يتعامل مع اليمن كورقة لها أبعاد عقدية ساذجة، لذا قد تخسر إيران وهذه الخسارة هي بوابة انتصار الحوثية.
في المقالة القادمة سنقدم تحليلاً واسعاً للحظة الراهنة وصراعها ودور الإخوان والحوثيين في هذا الصراع ونضع ملامح الكتلة التاريخية الكفيلة بإنقاذ اليمن، هذه الكتلة لا يمكن تكوينها ونجاحها ما لم يكن المؤتمر هو المرتكز فيها وسنوضح هذه المسألة ونضع المقترحات الكفيلة بإنقاذ الكل عبر تناول السيناريوهات المختلفة.