وإذا كانت باباعمرو قد سقطت بسرعة قبل شهرين، فإن جنبلاط وإن ارتجفت أركابه، إلا أنه لم يقر بالخطأ الذي ارتكبه، وبأن مرشده جيف قد ضلله.. فيما تمسك بوتين مع الصيني أكثر برأيه بـ”أن مستقبل النظام العالمي الجديد ستحدده معركة سورية”، التي يبدو أنها أصبحت مفتوحة على أوسع مداها، بعد أن أخذ الحلف المعادي للدولة الوطنية السورية يرمي كل أوراقه الأساسية والاحتياطية في الميدان.
ووفقا لتقارير غربية، فإن النظام التقدمي في سورية ضرب الحلقة المعمولة باتقان والمخطط لها منذ فترة طويلة، حيث تفيد هذه التقارير أن اغتيال القادة الأمنيين الأربعة في دمشق، وراءه عقول استخباراتية كبرى تحضر له منذ سنوات، بسبب دور هؤلاء القادة في دعم المقاومات العربية، وفي تنظيم وترتيب العلاقات الاستراتيجية مع إيران.
وتشير المعلومات إلى أن ثمة سيناريو شاملا كان معدا، إذ إنه في الساعة صفر التي حصل فيها الانفجار، كانت كل البلاغات والعواجل على فضائيات استهداف سورية معدة، إذ رصد أكثر من أربعين خبرا عاجلا بث على شاشتي الجزيرة والعربية في غضون أقل من ثلاث ساعات، ناهيك عن المحطات الحليفة لهما في لبنان، والتي كانت أحيانا أكثر تطرفا، حتى أن فضائية جديدة تعتبر نفسها حليفة لمحور المقاومة، وقعت في المطب الخطير أكثر من عشر ساعات، وإن كان البعض من الإعلاميين رأى فيها تصرفا غير بريء بتاتا.
إذا، عواجل العربية والجزيرة وحلفائهما كانت معدة بإتقان، إذ أكثرت الحديث عن انشقاقات في الجيش العربي السوري، وعن فوضى عارمة في مدن كبرى..
وبحسب هذه التقارير، فإن النظام الوطني في سورية أظهر مقدرة فائقة وعالية في الإدارة والقيادة والسيطرة، إذ إنه منذ اللحظات الأولى للجريمة، اتخذت الإجراءات الضرورية واللازمة للحفاظ على الدولة ومؤسساتها ومصالح الناس.
وهنا حسب التقارير، فإن الخطة المعدة لاستهداف سورية كانت مع الإعلان عن عملية الاغتيال، وبدء الفضائيات ببث العواجل، تتحرك أيضا على شاشاتها الصورة المفبركة والمعدة عن ساحات سورية شهيرة ومعروفة في دمشق وحلب، تشهد تظاهرات ضد النظام الوطني في سورية، على الطريقة نفسها التي حصلت في ليبيا، على أن يرافق كل ذلك تحرك الخلايا النائمة للمجموعات في دمشق وحلب وغيرهما من المناطق السورية، في عملية انفلاش واسعة تعمل قتلا ونهبا وتدميرا، ما يخلق حالة فوضى قل نظيرها، كما أن كل ذلك قد ترافق بعواجل مشبوهة عن مغادرة الرئيس بشار الأسد إلى الساحل، ومغادرة عائلته إلى الخارج.
لكن هنا ينطبق تماما المثل القائل “رب ضارة نافعة”، إذ إن المجموعات الإرهابية التي قدرت في دمشق وحدها ما بين سبعة و15 ألف مسلح، توهمت مع أسيادها أنها قادرة على الفعل والنصر، فخرجت دفعة واحدة في كل مكان، وكان الجيش العربي السوري لها بالمرصاد، وتعامل معها بما تستحق من مواجهة، حيث إن حلفاء سورية، خصوصا موسكو وبكين وطهران، صار لديهم تفاصيل كاملة عن حجم التدخل الذي تمارسه الدول الغربية، تحديدا بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى قطر وتركيا، والكيان الصهيوني، ليس من خلال السلاح المتطور وحسب، إنما من حيث الإرهابيين المرتزقة الذين جندوا من كل الأمكنة؛ من بريطانيا وفرنسا والشيشان، والصومال، والسعودية، وقطر، والهند وبنغلادش وأفغانستان..
وفي هذا الصدد، بدأ يتكشف لدى الرأي العام الغربي حجم التدخل الأطلسي والرجعي العربي في الأزمة السورية، إذ تفيد صحيفة “صنداي تلغراف” أن وزارة الخارجية البريطانية تحقق في مشاركة مواطنين بريطانيين بعملية اختطاف نفذها مقاتلون إرهابيون في شمال سورية.
وقالت الصحيفة “إن المصور البريطاني جون كانتلاي وزميله الهولندي جيرون أورليمانز، احتجزا لدى المقاتلين لمدة أسبوع حين دخلا عن طريق الخطأ إلى معسكرهم، أثناء عبورهما الحدود من جنوب شرق تركيا إلى سورية، لتغطية الانتفاضة ضد “الرئيس بشار الأسد”.
وأضافت أن المصورين البريطاني والهولندي “تعرضا للتهديد بالقتل ما لم يتحولا إلى الإسلام خلال فترة الاحتجاز، وأصيبا بجروح طفيفة عندما حاولا الفرار، وأخلي سبيلهما بعد تدخل مجموعة من مقاتلي الجيش السوري الحر وصلت إلى المعسكر، وطالبت بغضب بالإفراج عنهما”.
وأشارت الصحيفة إلى أن المصور البريطاني كانتلاي لم يتحدث حتى الآن عن محنته، لكن زميله أورليمانز أبلغ وسائل الإعلام الهولندية بأن أفرادا من المجموعة الإرهابية التي اختطفته مع زميله البريطاني، والتي قدرت بين 30 و100 مقاتل، تحدثوا بلهجة مدينة بيرمنغهام البريطانية، وأن المجموعة اتهمتهما بالتجسس وأرادت الاحتفاظ بهما للحصول على فدية، وتخطط لتطبيق شريعة تنظيم القاعدة الإرهابي في سورية بعد سقوط نظام الأسد.
ونسبت الصحيفة إلى مصدر مطلع قوله: “هناك ما لا يقل عن ستة رجال يتحدثون بلهجات بريطانية، بما في ذلك واحد يتحدث بلهجة سكان جنوب لندن، ولا أحد يعرف تماما كم هو عددهم، لكن هؤلاء يسافرون عادة ضمن مجموعات صغيرة من حوالي نصف دزينة”.
وكشفت أن معسكرا للإرهابيين شمال سورية “يضم رجالا من باكستان وبنغلادش والشيشان وليس بينهم سوريون، ويتحدث 40 % منهم اللغة الإنكليزية، غير أن جنسياتهم غير معروفة”.
في معركة صناعة مستقبل النظام العالمي الجديد الذي كتب على سورية، ثمة أكثر من مئة دولة تعلن الحرب على قلب العروبة النابض، مع كل الإغراءات الكبرى التي تقدم عليها بعض الدول التي تمول عملية شراء الاسلحة وتجهيز المرتزقة الاجانب ، حيث يتجول السماسرة في كل الأصقاع وهم يحملون المليارات لشراء المسلحين والمرتزقة للقتال في سورية، في الوقت نفسه الذي يحاولون فيه شراء ذمم موظفي السفارات السورية في الخارج حتى وإن كانوا حجابا، لكن ما يصيب هؤلاء السماسرة بالهستيريا، أنهم عاجزون عن شراء أي ديبلوماسي له قيمة، رغم أن هناك أكثر من 116 سفارة سورية موزعة في مختلف دول العالم، وبالتالي فإن الهجوم التآمري الأخطبوطي الواسع الذي تتعرض له سورية، لا يبدأ من تمويل المعارضات “السورية” المسلحة وشراء المرتزقة والعصابات، إنما وصل إلى حد توجيه تهديدات مباشرة لليد السورية العاملة في بعض الدول بالطرد، أو بتركيب تهم لهم، إذا لم ينضموا إلى مؤامرة استهداف وطنهم، بالإضافة طبعا إلى كم الضغوطات والعقوبات التي يفرضها الغرب الاستعماري وجامعة ( نبيل العربي ) على الدولة الوطنية السورية، ورغم كل ذلك، تصمد سورية في وجه كل هذا الهجوم الضاري، وتحقق انتصارات مهمة ونوعية على العصابات المسلحة وحماتها، ما يجعلها دولة فريدة من نوعها في الأداء والممارسة والقيادة، على مستوى المجتمع وعلى المستوى الأمني.
وتفيد معلومات أن الأداء العسكري السوري، بات محط اهتمام كليات حربية عديدة في العالم، حتى إن مركز الدراسات العسكرية في تل أبيب ذهل مما توافر لديه من معلومات عن سر القوة السورية، وخصوصا لجهة قوتها الصاروخية التي تتميز بتكنولوجيا عالية قل نظيرها، إذ تبين لديهم أن بعض الصواريخ المستوردة من موسكو، يجري تطويرها بشكل مذهل، ما جعل القيادة العسكرية الروسية توفد خبراءها إلى سورية لاكتساب خبرات إضافية، إذ إن بعض أنواع الصواريخ الروسية التي تدار باليد البشرية، اكتشف الروس أنها أصبحت على أعلى قدر من الإدارة بواسطة الحاسوب.
باختصار، سورية كما قال بوتين قبل أشهر: ستحدد معركتها مستقبل النظام العالمي الجديد، فها هي الصين تخرج من البحر الأصفر، وبوارجها الحربية تسبح في البحر المتوسط، ها هو قيصر روسيا الجديد ينبه أردوغان - أوغلو أن طورانيتكم الجديدة صفر، فزمن السلاجقة أصبح في غياهب التاريخ.
ربما واضحة تماما نبوءة هوغو تشافيز قبل عشرة أشهر: أن العالم بدأ يتغير لأن سورية تصمد و تنتصر..
ثمة ملاحظة أخيرة لا بد من الإشارة إليها: إذ إن بعض منظري اليسار السابقين، الذين كانوا في زمن الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي، لا ينفكون عن التنظير للثورة الاشتراكية وديكتاتورية البروليتارية، وكانوا على مستوى أحزابهم مستعدين لفصل أو طرد أي عنصر يقول لهم “الكحل في عيونكم جميل”، حتى لا نقول أنهم كانوا مستعدين لسحقه وقتله، باتوا اليوم منظرين للمدد “الثوري” من الإمبريالية، ولـ”الأفكار الديمقراطية” الخلاقة الوافدة من شيوخ النفط، وهؤلاء ربما كان بنظرهم يطبقون مقولة كارل ماركس: “الثورة المسلحة أسمى أشكال النضال”، سواء كان هذا السلاح من الكيان الصهيوني أو من العم سام، أو من الاخواني - القاعدي علي بلحاج ، ولا يهم من أين يأتي “الثوار” للقتال ضد الدولة الوطنية السورية، من الصومال، أو تونس، وليبيا واليمن، فكيف إذا كان معهم العشرات أو المئات من بلاد الضباب، أو من بلاد العم سام، إنه نوع من “التضامن الأممي” مع “ثوار” الإخوان والإرهاب وكل شذاذ الآفاق.