باب عقبة عدن لم يكن له أهمية تذكر قبل الاحتلال البريطاني لعدن، كان مجرد شق بأعلى أحد المرتفعات المتصلة بجبل شمسان وباتجاه الشمال تقريباً من مدينة عدن (او ما اسماها الانجليز كريتر)، وكان منذ مئات السنين يتسع بالكاد لمرور “حمار” فاذا كان هناك شخص أو حمار آخر يريد المرور بنفس الاتجاه أو عكسه فعليه الانتظار في الطابور (كقناة السويس التي لا تتسع لمرور السفن في الاتجاهين بنفس الوقت) فكل من كان يريد المرور فعليه انتظار دوره وفقاً لقواعد المرور حينئذ المتعارف عليها بمشاعر الذوق واحترام الآخرين، على عكس ما نحن عليه اليوم فليس هنا في عدن نظام مرور يحترمه الناس ولا سلطة مرور جادة تعاقب المخالفين (بل ولا أي سلطة وكأننا في غابة!) فهاهنا يستطيع أي شخص ان يغلق شارعاً ولا يستطيع رجال المرور وونش المرور ومدير المرور سوى مراضاته واستجدائه (وقائع أعايشها بنفسي في عدن منذ 10 سنوات) وصار إغلاق الشوارع سياسياً وعادياً جداً! المهم أن الحركة عبر ممر العقبة كانت قبل احتلال بريطانيا لعدن في 1839م تكاد تكون معدومة فالممر يصل بين عدن (كريتر) و”المعلا” ومن ثم “التواهي” وهما منطقتان لم تكونا مسكونتين بشرياً قبل الاحتلال البريطاني.
باب العقبة ليس هو باب عدن التاريخي
لم يكن باب عقبة عدن ذا أهمية مرورية قبل الاحتلال البريطاني الذي جعل “التواهي” مأهولة بشرياً بعد أن أتخذها أول حاكم لعدن وقائد عملية احتلال بريطانيا لعدن القبطان هينز (ستافوردبتسورثهينز) عاصمة بدلاً عن عدن بالنظر لمناخها الأبرد من عدن، وقبل اختراع السيارات كان الوصول لممر العقبة أو باب العقبة صعوداً يعتبر عملية شاقة فهي تقطع الانفاس سواء أنفاس البشر الراجلين أو أنفاس الدواب التي تحمل بشراً أو بضاعة فالباب يعلو سطح البحر بعشرات الامتار (وباب العقبة ليس هو باب عدن التاريخي او باب عدن او باب اليمن او باب البر مثلما زعم عبد الله محيرز (عبر تحريفه لوثائق بريطانية، وزعمه لأخرى لا وجود لها، وهذا سأتناوله في مقال قادم)وكان البعض يعتبره “مؤرخ عدن الاول” قبل أن أكشف في 2007م تزويراته للتاريخ الآثاري لعدن، فباب عدن التاريخي أو باب عدن او باب اليمن او باب البر هو النفق وهو في الحقيقة نفقان طويل وقصير يسميهما العامة بالبغدتين ويرتفعان بضعة امتار عن سطح البحر اطولهما طوله نحو ثلث كيلومتر واحد، واغلقهما الانجليز في اعقاب الحرب العالمية الثانية ليستخدما كمخازن للاسلحة..ولا يزالان! يصلان كريتر بخورمكسر ويخرج المرء من احدهما إلى ارض فضاء تسمى برزخاً ليدخل في الآخر، يقعان على يمين الذاهب من ميدان(جولة) فندق عدن بخورمكسر الى كريتر.
جسر باب العقبة
كان يعلو باب العقبة جسر يستخدم لتنقل الجنود فوق الباب ووقوفهم فوقه لغرض الحراسة، وكان الجسر ذا منظر جميل (انظر المرفقين رقم 1 و2).
وبعد مناقشات عقيمة في المجلس التشريعي لعدن (يضم عدنيين وانجليزاً، ويسيطر عليه مقر الحكم بالتواهي ورئيس المجلس كان بريطانياً) قرر المجلس وبارادة بريطانية هدم الجسر بحجة توسعة الطريق اسفله ليسمح بمرور عدد أكبر من السيارات رغم أن توسعة الطريق لا تفرض أبداً نسف الجسر فالمطلوب توسعة الجزء السفلي بإرتفاع يزيد مثلاً متراً أو مترين عن ارتفاع الحافلات الكبيرة (الباصات) فما دخل الجسر الذي يرتفع عن الطريق نحو 15 أو 20 متراً؟!.
وفي 17 ابريل 1963م نسف الجسر (انظر المرفق رقم 3) لينسف معه جزء هام من تاريخ عدن وواحد من آثارها العظيمة.
كان بالامكان القيام بتوسعة الممر دون هدم الجسر، لكن السلطات البريطانية ارادت هدم جزء من تاريخنا وحضارتنا القديمة، وتمت التوسعة بعد ان أزيل الأثر التاريخي الجميل ليصير الممر مجرد أخدود في الجبل قبيح المنظر (انظر المرفق رقم 4).
من الذي بنى جسر العقبة؟
يزعم بعض الكتاب من عدن وحضرموت وعلى رأسهم محيرز أن البريطانيين انشأوا جسر العقبة عام 1867م وذلك غير صحيح، فأولاً ليست هناك أية وثيقة تاريخية تثبت ذلك ولكن الزعم بني على تحريف وثيقة بريطانية وهو ما سنأتي إليه بعد قليل، وثانياً أن الشكل المعماري للجسر يدل على انه أقدم بكثير من مجيء الانجليز الى عدن (ربما بني في عهد الطاهريين) أما الأهم من هذا وذاك فهو أن بعض البريطانيين جاء بعد الاحتلال البريطاني لعدن ووصف قبل 1867م الباب والجسر الذي يعلوه مما يثبت عدم صحة ما زعمه ذلك البعض من كتاب عدن وحضرموت ممن ارادوا أن ينسبوا للبريطانيين إنشاءات معمارية عظيمة في عدن اقامها جدودنا! ولا ينقص إلا أن ينسبوا للانجليز تشييد صهاريج عدن!
ومنطقياً لو كان الانجليز أقاموا الجسر فما كانوا سيهدمونه بحجة واهية بل سيحافظون عليه كمعلم تاريخي وكأثر عمراني يحكي فصلاً من بنائهم لمدينة عدن التي كانت عند احتلالهم لها في 1839م قرية لحجية بائسة بيوتها مبنية من الطين المخلوط بالقش وعدد سكانها نحو 600 نسمة فقط وعندما غادروها قبيل الاستقلال الوطني للجنوب في 1967م لم يكن يضاهي عدن (عدن الكبرى التي لم تعد كريتر فقط) أي مدينة بشبه جزيرة العرب في عصريتها.
لو ان الانجليز هم من شيدوا الجسر ثم حاولت اية حكومة بعد الاستقلال أن تهدمه لسبب ما لأقامت لندن الدنيا ولم تقعدها ولاستعانت باليونسكو للدفاع عن بقاء هذا المعلم التاريخي والأثري والانساني... الخ.
وهاهو دليل قاطع بأن الجسر أقيم قبل 1867م
كان هناك مهندس مدني بريطاني يدعى “جون ترنبل تومسن” وكان مجيداً للرسم فكان يرسم مناظر لبعض معالم المدن التي يزورها، وفي عام 1853م زار عدن ورسم أكثر من منظر يظهر فيه جسر باب العقبة وقد اخترت للقراء أحدها (المرفق رقم 5) ووضعت سهماً يشير للجسر، فالجسر موجود في 1853م بينما من كان يعتبر “مؤرخ عدن الأول” يزعم في مؤلفاته أن الانجليز شيدوه في 1867م! وأهدي تلك اللوحة الرائعة لمن يقال بأنهم تلاميذ له وهم رجاء باطويل ومحمد زكريا وعلي قاسم عقلان الذين عندما كتبت في 2007م مثبتاً تزويراته ناشدتهم أن ينتصروا للحق فينفضوا ايديهم عن معلمهم (كبيرهم الذي علمهم أشياء خاطئة) ويعترفوا بصحة ما أوردته أو أن يثبتوا عدم صحته، وذكرتهم بأن الله أمرنا بأن لا نكتم الشهادة وقلت لزكريا أنه من لحيتك في صورتك المقترنة بمقالاتك تبدو متديناً فلا تكتم الشهادة، وبعدها لم يكتم الثلاثة شهادتهم وحسب بل قاموا ليشهدوا بغير الحق! بمقالات لا يردون فيها على شيء مما كتبته (فأدلتي كانت قاطعة) وانما ليشيدوابمعلمهم بعبارات انشائية فارغة حتى كادوا يؤلهونه! منتهى الموضوعية!لقد ناشدتكم منذ 5 سنوات لتقولوا كلمة حق تنتصرون فيها لعدن وتاريخها فأبيتم إلا أن تنتصروا لكبيركم الذي علمكم التلاعب بتاريخ عدن الآثاري (سألاقيها منكم أم ممن يتلاعبون بتاريخنا الوطني السياسي؟)لست بحاجة لشهادتكم فلن تقدموا أو تؤخروا فحججي قوية للغاية وكل منها يثبت أن معلمكم قام بتزييف وتحريف الحقائق والوثائق ليشوه تاريخ عدن الآثاري، والأفضل لكم أن تعتذروا لعدن وابنائها بعد شهادة الزور التي اقترفتموها في 2007م فتجنيتم على تاريخ عدن وشرف جدودنا الذي انتزعه كبيركم ونسبه للانجليز! ثم أين ستذهبون من الله فقد آثرتم معلمكم المزور على الأكبر الأعظم الواحد الأحد، فالآن تمتعوا بمشاهدة الرسم المرفق (الذي لم أنشره في 2007م وكتبت حينئذ في صحيفة 14 أكتوبر عبارة “ليس من الحكمة أن يفرغ المرء كل ما في جعبته سريعاً”) تمتعوا بمشاهدة الرسم وكبروه وبروزوه وعلقوه على جدران بيوتكم، ودعوا معلمكم ينفعكم عندما تقفون في يوم عظيم رهيب بين يدي الرحمن، أما تاريخ عدن الآثاري فقد أقسمت لكم في 2007م بأنه لن يكتب إلا بالحقائق.
ولابد أن القارئ سيتساءل كيف نسب معلمهم للانجليز تشييد الجسر في 1867م وصفق له تلاميذه بينما هناك أدلة كالرسم المرفق تقطع بأن الجسر كان مشيداً قبل 1867م بعشرات وربما مئات السنين؟ وإجابتي هي أنه لا هو ولا تلاميذه يطالعون ما يتصل بالتاريخ الآثاري لعدن وغير مهتمين بذلك ولذلك يجهلون معظم ما نشرــ ولا يزال ينشر ــ عن معالم عدن التاريخية وكم ضحكت عندما كتب أحدهم بأن محيرز كان يجتهد في السفر للخارج للبحث عن وثائق ومراجع هامة تتصل بآثار عدن! (ماهو باين يا حبيبي!) فالواضح أنه كان يسافر للحصول على بدل السفر وللتنزه بتذاكر سفر من الدولة فلم يظهر أي أثر لتلك الوثائق والمراجع في مؤلفاته ولا في مكتب الآثار عندما ذهبت للسيدة باطويل المدير العام للآثار بعدن لأبحث في الأرشيف عن وثيقة ادعاها معلمها في كتاب له فلم أجد الوثيقة لأنه لم يكن هناك أرشيف من أصله! ولأنه لا يتابع ما ينشر عن آثار عدن توهم بأنه ليست هناك مراجع تثبت أن الانجليز لا علاقة لهم بتشييد الجسر أو شق النفق فقام يفبرك ويحرف على اعتبار أن تلاميذه أكثر جهلاً منه وجاهزون للتصفيق له وكأنه عالم آثار كبير وليس مدرساً للحساب لم يتثقف آثارياً (كم هو مضحك أنه لديه تلاميذ وكأنه من علماء الآثار الكبار مثل جاستون ماسبيرو، أو جورج بوزنر، أو سيرج سونرون، أو زاهي حواس، أو جان فرانسوا شامبليون) والله يسامح من أمده بكتاب “عدن تحت الحكم البريطاني” وهو ما ينقلنا للفقرة التالية.
محيرز حرف ما وثقه البريطانيون لينسب لهم بناء الجسر!
ادعىالمعلم بأن جسر باب العقبة (الذي هدم في 1963) قد بدأ الأنجليز في بنائه في يناير 1867 وانتهى في السنة التالية ونسب هذه المعلومة للمؤرخ البريطاني آر.جيه.جافين مؤلف كتاب “عدن تحت الحكم البريطاني”! فطالعت الكتاب فوجدت جافين يتحدث (صفحة 99) عن قيام الانجليز في الوقت المشار إليه ببناء “gate” أي “بوابة” في مدخل الباب وليس بناء جسر مثلما زعم محيرز! لقد حرف المعلم “كلمة واحدة فقط” مما كتبه جافين فترجم “”gate إلى “جسر” بدلاً عن “بوابة”وكان هذا كافياً لينزع عن جدودنا شرف بناء جسر باب عقبة عدن وينسب ذلك الشرف للانجليز الذين كانوا يستعمرون عدن ولم ينحدر أحد منهم ليزعم أن أبناء جلدته شيدوا جسر العقبة، لكن المعلم انحدر فتلاعب بكتابات البريطانيين ليزيف تاريخ عدن التي لجأ اليها أهله فاحتضنتهم وبدلاً من أن يرد الإحسان بالإحسان فإنه رده بالإساءة ومحاولة تجريد جدودنا من شرف تشييد آثار عظيمة لينسب ذلك للإنجليز! وهذه هي حقيقة من قام الجهلة بوصفه بـ “المؤرخ” بينما هو مجرد “محرف”. وهو بالطبع ليس عالم آثار فهو لا يعرف الفرق بين المسلة الفرعونية وكوز الذرة ولكنه حاول أن يكون كاتباً في تاريخ آثار عدن لا ليخدم عدن وابناء عدن وتاريخ عدن ولكن ليزيف تاريخ عدن وينزع عن جدودنا شرف تشييد آثارها العظيمة ليمنح ذلك الشرف للانجليز!
وإلى اللقاء قريباً بإذن الله مع “النفق باب عدن التاريخي” فالمعلومات أكثر، والمراجع أكثر، والرسومات والصور أكثر (ومنها ما لم ينشر من قبل في صحافتنا)،وتزويرات ولخبطات “المعلم” أكثر وأكثر.. وليطمئن من يحبون عدن بصدق فتاريخها الآثاري (والسياسي) لن يكتب بغير الحقائق.
*كتاب جافين:
Gavin.R.J : Aden under the British Rule 1839-1967
(London : C.Hurst& company،1975)
* مصدر اللوحة التي رسمت في 1853م (وأظنني أول من ينشرها في صحافتنا وإذا سبقني أحد فشكراً له والشكر الأكبر لمن رسمها ويليه من وثقها وجعلها متاحة للباحثين وهي جامعة “أوتاجو” بنيوزيلاند وهي جامعة عظيمة وعريقة فعمرها نحو 143 سنة وهي جامعة بمعنى الكلمة لا بالاسم فقط كجامعات الجمهورية اليمنية):
Library Digital Collections،Otago University،
Hocken Pictorial Collections - 92/1149