يُعد التراث الشعبي رُوح الأُمم المُتدفِق وفؤادها النابض، كونه يُمثل الهواء والهوية الوطنية للشعوب والأمم، ويَظل الحكاية الأبدية، والرواية الأدبية المرْوية للأجيال والأحفاد، على مر التاريخ، حيث يَحتل التراث الشعبي اليمني مكانة رفيعة ويتميز بتنوع فريد ومتعدد، مقارنةً بموروث الشعوب والأمم نتيجة لعراقة اليمن العظيم وجذوره التاريخية الممتدة لآلاف السنين، إضافة إلى ما صاحب هذه الفترات من حضارات وقيام عدد من الممالك الشهيرة، كمملكة سبأ ومَعين وقتبان وحضرموت وحِمْير، وما تلاها من دول وإمارات.
وهكذا، يظل التراث اليمني - سواءً المادي أو اللامادي – حكاية جديدة مُتجددة وتاريخا ذا شجون، وجغرافيا ليس لها حدود، فهو ليس مجرد موروث قديم، بل هويةٌ حيّة تُعبّر عن أصالة الشعب اليمني، وتُسهم في حفظ تاريخه المجيد، وتُعزز تماسكه الاجتماعي والثقافي والاقتصادي على مر السنين.
العاصمة عدن كانت صاحبة الجلالة في إقامة المهرجان الدولي للشعوب والتراث، بنسخته الرابعة. وليس بغريب على مدينة كعدن أن تكون حاضنة لمهرجان دولي أو عالمي، فالمدينة العتيقة الضاربة في عمق الحضارة والثقافة والفن والإنسان قادرة على خوض مضمار الفروسية والنجاح وبكل اقتدار، وذلك لما تكتسبه هذه المدينة من تاريخ وعادات وتقاليد فنية وروحانية ووجدانية وسمات وطيبة أبنائها وتراثها العتيق، من قلاع وصهاريج ومساجد وكنائس وبحر وجبال وجُزر وشواطئ، وعادات وتقاليد، وفن ومسرح، وبطولات وروايات، للنساء والرجال، على حدٍ سواء. وها هي اليوم عدن العروس الفاتن تحتضن الجمال الآسر للشعوب والتراث والفن والثقافات والإرث والتُراث، والإبداع والبهجة، في حُلة زهية باهية الطلة.
عدن اليوم حلقة الوصل وجسر العبور الثقافي الممتد ما بين آسيا وأفريقيا، ومن العرب للعالم، فَتحت أبوابها لثقافات دول مختلفة لتشارك بتراثها وحكاياتها بهذا المهرجان العالمي، حيث جمعت ثقافات دول عالمية وعربية منها: كوريا الجنوبية، السودان، إثيوبيا، الهند، الصومال، كينيا، سوريا، تركيا، مصر، روسيا، ليبيا، الإمارات، الكويت، العراق، الأردن، فلسطين، السعودية، تونس.
إضافة إلى رفد أركان المهرجان بالتراث المحلي الممتد من عدن الحضارة إلى حضرموت العلم والثقافة، ومن يافع الصمود إلى ضالع المجد والفداء، ومن لحج العبدلية إلى أبين الخير، ومن المهرة البوابة الشرقية وشبوة الخير إلى سقطرى الأرخبيل النادر بخيره ونباته وحياته، وإرثه وثقافته.
ما تم عرضه واستعراضه خلال فترة إقامة المهرجان، من تراث محلي عريق، وفلكلور ثقافي متنوع في اللهجات والفنون الشعبية، من أهازيج ورقصات شعبية متنوعة، وعادات وتقاليد الضيافة، ورمزية المنتجات الأصيلة كالقهوة والبن والعسل والزيت والبخور والمجوهرات، وغيرها من الثياب واللباس التقليدي كالثوب والمعوز والزنة والجنابي وغيرها ومن الأسلحة القديمة التي تُعد رمزاً للرجولة والهوية والنضال، إضافة إلى الصناعات اليدوية والنُحاسية والحِرف التقليدية كصناعة الفخار وصياغة الفضة والنسيج وصناعة الجنابي، وغيرها من المورثات الثقافية والاقتصادية ومن الفنون الهندسية في البناء والزخرفة والتشكيلات ذات الدلالة والأدلة، إلا خير دليل على تعزيز الهوية والانتماء والحفاظ على التاريخ والذاكرة اليمنية، وإبراز التنوع الثقافي والاجتماعي والتعليمي لهذا الوطن الأغر الزاهر، ولهذه المدينة الحافلة بالتاريخ والكبرياء. فالحياة عبارة عن مجموعة جميلة من اللحظات والذكريات التي لا تُقدر بثمن.. تُراث يُحاكى ويُشاهد، وموسيقى تُعزف وتُطرب، وأزياء ولهجات تحكي قصص شعوب وقبائل.
المهرجان في غاية الروعة ومنتهى الجمال... وهناك أبعاد إستراتيجية ودروس مستفادة ستضيف للمدينة والعاصمة عدن رونقاً خاصا.. فتحية إجلال وشكر للقائمين والرعاة على إقامة ونجاح هذا الحدث المميز، ممثلين بقيادة السلطة المحلية للعاصمة عدن واللجان المنظمة لهذا العرس الفني البهيج، وكافة المساهمين والمشاركين والزوار الذين أضافوا للمهرجان رونقاً وبهاءً.
