اتهام الميليشيات بحرق جثامين لطمس أدلة مجازر الفاشر والبرهان يتفقد معسكرات الدبة ولجنة تحاكم "أبو لولو"



الخرطوم / 14 أكتوبر / متابعات:
جددت قوات "الدعم السريع" والحركة الشعبية قصفها المدفعي على مدينة الدلنج بجنوب كردفان، في وقت تواصل فيه حشد قوات كبيرة على بضعة كيلومترات من المدينة، تأهباً لشن هجوم عليها.
في الوقت نفسه يواصل الطيران الحربي للجيش السوداني ضرباته الجوية في محاور القتال الغربية، حيث استهدفت عدة غارات جوية مواقع وتجمعات "الدعم السريع" في كل من مدينة نيالا بجنوب دارفور وأبو زبد والنهود بغرب كردفان.
وأوضحت مصادر عسكرية، أن الضربات أسفرت عن خسائر كبيرة في الآليات والعتاد ووسط عناصر الميليشيات.
ومنذ سقوط الفاشر قبل أسبوعين صعد الجيش من هجماته الجوية على مواقع "الدعم السريع" في محوري دارفور وكردفان، مستهدفاً إمداداتها ومتحركاتها على نحو متصل.
حذرت منصة جبال النوبة، من أن حشوداً كبيرة من قوات "الدعم السريع" والحركة الشعبية المتحالفتين، تتمركز في محيط مدينة الدلنج بمنطقتي (جلد) ومدينة لقاوة، فضلاً عن المناطق الشرقية والشمالية والغربية للمدينة.
ونشرت تلك القوات مقاطع فيديو تهدد فيها مواطني الدلنج، وبدأت أيضاً منذ ثلاثة أيام بشن هجمات مدفعية متواصلة على المدينة، بحسب المنصة.
ومنذ يونيو الماضي، تتعرض الدلنج لحصار من قوات "الدعم السريع" والشعبية بإغلاق الطرق الرئيسة التي تربطها مع كادوقلي والأبيض والدبيبات، وهي المدن الكبرى في إقليم كردفان.
وكانت قوات "الدعم السريع" والحركة الشعبية قصفت مدينة الدلنج بالمدفعية قبل ثلاثة أيام مما أسفر عن مقتل ستة من المدنيين وإصابة آخرين، إلى جانب وقوع أضرار بالمستشفى الحكومي والأحياء السكنية.
وتحالفت الحركة الشعبية بقيادة عبدالعزيز الحلو مع قوات "الدعم السريع" في مارس 2025، وتقاسما السلطة في "حكومة تأسيس" بنيالا وسط انتقادات كبيرة تلاحق الحلو جراء إقدامه على التحالف مع حميدتي.
في شمال كردفان تصدت المضادات الأرضية للفرقة الخامسة مشاة (الهجانة)، أمس السبت، لمسيرة استراتيجية تابعة لقوات "الدعم السريع" حاولت استهداف مواقع عسكرية بمدينة الأبيض عاصمة الولاية.
وكثفت قوات "الدعم السريع" من هجماتها المسيرة على مدينة الأبيض ومناطق عدة بشمال كردفان، حيث استهدفت طائرة مسيرة سرادقاً للعزاء بمنطقة (اللويب) بمحلية (خورطقت) وأودت بحياة أكثر من 40 شخصاً.
وكان الجيش قد نقل قبل أشهر مضت مركز القيادة والسيطرة للعمليات الحربية في إقليمي دارفور وكردفان إلى مدينة الأبيض.
ويتزامن تصعيد هجمات من جانب "الدعم السريع" على مدينة الأبيض مع حشود عسكرية مكثفة من الجانبين في محور كردفان، مما يجعل المنطقة مرشحة لمعارك ضارية ومواجهات عنيفة بينهما خلال الفترة المقبلة.
ومنذ استعادة سيطرتها على مدينة بارا المجاورة قبل أكثر من أسبوعين، تسعى قوات "الدعم السريع" إلى تضييق الخناق على عاصمة شمال كردفان.
وعلى رغم حالة القلق والتململ بغرض النزوح التي تسود وسط المواطنين بالمدينة خصوصاً عقب تواتر استهدافها بالمسيرات، والتحذيرات التي ظلت توجهها لهم قوات "الدعم السريع"، إلا أن السلطات الولائية تؤكد استقرار الأوضاع بالمدينة.
وأكد مفوض العون الإنساني بالولاية محمد إسماعيل، أن المدينة آمنة ودولاب العمل الرسمي يسير على نحو معتاد، بينما تعمل المنظمات بصورة طيبة لتقديم الخدمات والعون الإنساني للمتأثرين بالحرب، مشيراً إلى أن المدينة استقبلت ما بين 4 و5 آلاف أسرة نزحت من مدينة بارا ومدن أخرى.
وفي غرب كردفان، شنت مقاتلات الجيش غارات شرسة على مدينة النهود بغرب كردفان التي تسيطر عليها قوات "الدعم السريع" منذ أشهر مضت، دمرت خلالها مجموعة من شاحنات الإمداد والوقود مع تحييد العشرات من عناصر الميليشيات.
وقالت مصادر ميدانية، إن قوات الفرقة 22 مشاة بابنوسة تصدت، أمس، لهجوم جديد من قوات "الدعم السريع" التي تحاصر المدينة منذ أشهر عدة مضت.
في الأثناء أكد رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، التزام الحكومة بدعم وحماية النازحين من الفاشر حتى عودتهم إلى مناطقهم الأصلية.
وجه البرهان، خلال تفقده، أمس، مراكز إيواء نازحي الفاشر بمدينة الدبة بالولاية الشمالية، بالوقوف على حاجات النازحين الأساسية، وإزالة كل المعوقات التي تحول دون استقرارهم وممارسة حياتهم بصورة طبيعية.
وتواصلت موجات النزوح من مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور نحو منطقة العفاض بمحلية الدبة بالولاية الشمالية، وسط أوضاع إنسانية صعبة ونقص حاد في الغذاء والرعاية الصحية.

وأعلنت لجنة الطوارئ والأزمات أن المحلية استقبلت خلال الأسبوعين الماضيين مجموعات جديدة من النازحين، معظمهم نساء وأطفال، في حالة صحية متدهورة بسبب نقص الغذاء والرعاية أثناء رحلة النزوح.
على الصعيد نفسه تواصلت تدفقات اللاجئين السودانيين الفارين من الفاشر عبر معبر الطينة الحدودي مع تشاد في رحلة شاقة ومضنية تمتد لأسابيع عدة لقطع مسافة نحو 350 كيلومتراً سيراً على الأقدام.
وأفادت منظمات إنسانية على الحدود أنها تستقبل نحو 200 شخص يومياً بينهم مصابون بالرصاص، محذرة من إعاقة تفاقم الأوضاع الأمنية لعمليات الإنقاذ ومنع المدنيين من الفرار إلى بر الأمان.
إلى ذلك حذر وزير الموارد البشرية والرعاية الاجتماعية، معتصم أحمد صالح، من أن مئات الآلاف من المواطنين لا يزالون محبوسين داخل الفاشر بعدما منعوا من مغادرة المدينة ويواجهون التنكيل والإذلال والتعذيب من قبل أفراد الميليشيات المتمردة.
كشف صالح، عن وصول نحو 50 ألف نازح من الفاشر وضواحيها إلى الولاية الشمالية في ظروف إنسانية بالغة التعقيد في حاجة ماسة إلى الإعانات والمساعدات بصورة عاجلة، مشيراً إلى أن الانتهاكات التي ارتكبتها الميليشيات المتمردة من قتل ممنهج وإبادة جماعية بالفاشر كانت فوق التخيل والتصور، وأبكت الإنسانية في كل العالم.
واتهم حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، ميليشيات "الدعم السريع" بممارسة التطهير العرقي والإرهاب على مدى عامين مستمرين بالفاشر.
ورهن مناوي، الموافقة على أي هدنة إنسانية في البلاد، بانسحاب ميليشيات "الدعم السريع" من المدن والمناطق السكنية والمستشفيات، إلى جانب الإفراج عن المختطفين وتأمين عودة النازحين إلى مناطقهم، محذراً من أن أي هدنة لا تستوفي تلك الشروط ستعني عملياً تقسيم السودان.
أكد حاكم دارفور، عبر تغريدة بحسابه على منصة "إكس"، أن الهدنة لن تكون مجدية أو مستدامة من دون ضمان أمن المدنيين ووقف الانتهاكات في المناطق السكنية والمستشفيات، مشيراً إلى أن تلك الشروط تمثل المدخل الحقيقي لأي تسوية
سياسية قادمة، مردفاً، "إذا لم تشمل حماية المدنيين ومحاسبة مرتكبي الجرائم، فلمن تكون الهدنة".
من جهتها اتهمت المقاومة الشعبية بولاية شمال دارفور، ميليشيات "الدعم السريع" بجمع وحرق جثامين الضحايا الذين قتلوا بدم بارد على الطريق بين مدينتي الفاشر وطويلة لطمس الأدلة.
وأوضح الناطق الرسمي باسم المقاومة الشعبية بشمال دارفور، أبو بكر أحمد إمام، أن الميليشيات أقدمت على جمع الجثث وإلقائها داخل الأودية والحفر ثم حرقها في مشهد يندى له جبين الإنسانية، وانتهاك صارخ لكل القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية.
وأكد تقرير حديث لمختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة ييل، بتحليل صور الأقمار الاصطناعية، أن قوات "الدعم السريع" أغلقت بآليات ثقيلة الطريق الحيوي الوحيد الذي كان يستخدمه المدنيون للهرب من الفاشر باتجاه منطقة قرني، مما يحكم الحصار حول 200 ألف مدني داخل المدينة.
رصدت الصور وفق التقرير، أجساماً متفحمة ودخاناً أسود في موقعين في الأقل، بما في ذلك المستشفى السعودي الذي شهد مذبحة جماعية، ويرى مراقبون أن هذا النشاط يتسق مع حرق الجثث، المخالف لطقوس الدفن الإسلامية.
وأعلنت ما تسمى "اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق في مزاعم الانتهاكات بالفاشر"، التي شكلتها حكومة (تأسيس) الموازية، فراغها من مرحلة الاستماع والتحقيق الأولي مع المتهم المدعو (أبو لولو)، أحد الضالعين في الانتهاكات التي وقعت أثناء المعارك بالمدينة.
أفادت اللجنة في بيان صحافي، بأنها أجرت زيارة لأماكن الأسرى وكذلك جرحى ومصابي الحرب، من أجل التحقق من تمتعهم بجميع حقوقهم الإنسانية التي كفلها لهم الدستور والقانون والمواثيق الدولية وأكدت حمايتهم.
وأكد البيان، أن اللجنة وفي إطار التفويض الممنوح لها وما تملكه من سلطات النيابة العامة التزمت جميع معايير العدالة والشفافية، التي تضمن للمتهم كامل حقوقه القانونية، بما في ذلك الحق في الدفاع، وسرية الإجراءات، والرقابة القانونية المستقلة.
كما أوضحت اللجنة، أنها ستواصل أعمالها بمهنية بعيداً من أي تأثير سياسي أو عسكري، مؤكدة التزامها إظهار الحقائق كاملة للرأي العام، ورفع تقريرها النهائي إلى الجهات العدلية المتخصصة فور اكتمال مراحل التحقيق الأخرى، تمهيداً لاتخاذ ما يلزم من إجراءات قضائية.
دولياً دعا مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، الشهود والمنظمات غير الحكومية والأفراد داخل السودان وخارجه إلى توثيق الشهادات وتقديم الأدلة عبر المنصة الرسمية المخصصة لذلك، مؤكداً التعامل بسرية تامة مع جميع الإفادات وحماية الشهود وضمان سلامتهم.
وأعرب المكتب عن قلقه العميق إزاء الجرائم المزعوم ارتكابها في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور على يد قوات "الدعم السريع" ضد المدنيين، مؤكداً أن هذه الأفعال قد تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بموجب نظام روما الأساس.
كما شدد المكتب، على أهمية جمع الأدلة والمعلومات الموثوقة لضمان محاسبة المتورطين، وأن مبدأ عدم الإفلات من العقاب يمثل ركيزة أساسية في عمل المحكمة، مؤكداً استمرار التحقيقات في الجرائم المرتكبة في السودان، بخاصة في دارفور.
جددت المفوضية السامية اللاجئين، تأكيد أن الحرب الدائرة في السودان تعد أكبر أزمة نزوح في العالم، وأسفرت عن تشريد أكثر من 12 مليون شخص منذ اندلاعها.

وأوضحت المفوضية في منشور على صفحتها بـمنصة "فيسبوك"، أن آلاف العائلات لا تزال تفر يومياً من العنف المستمر في إقليم دارفور، بينما تتفاقم الأوضاع الإنسانية بصورة خطر.
دعا المنشور، المنظمات الإنسانية إلى التدخل العاجل وتقديم الدعم اللازم للفارين من الحرب، مؤكدة أن حجم الأزمة يتطلب استجابة دولية واسعة لتوفير الحماية والمساعدات الأساسية للنازحين.
