في الذكرى الـ ٦٢ لثورة 14 أكتوبر المجيدة، تحتشد الكثير من الذكريات والانفعالات والتمنيات، والكثير مما يعزز الثقة بأن أصالة هذه الثورة قد تجذرت في أرض لا يمكن ليدٍ أن تمتد لتنتزعها منها، مهما استقوت بهذه الظروف الطارئة التي تستولد كل يوم ناعقًا في هذا الخراب الذي عم البلاد، محاولاً إلصاقه بالثورة.
ثورة أكتوبر شاهد على أن الثورات التي تأخذ مجتمعاتها إلى المسار المفضي إلى مغادرة التخلف كمنظومة اجتماعية سياسية تاريخية لا يمكن أن تتلاشى في وعي المجتمع وتتحول إلى مجرد ذكرى. مثل هذه الثورات وإن تعرضت التجارب التي خاضتها إلى النكسات، إلا أنها تظل حية وحاضرة في الوعي الاجتماعي بما حققته من أهداف، وبما تختزنه من قيم قادرة على إنتاج ديناميات تفاعلية مع المجتمع، وتجديد علاقتها به والتأثير فيه.
ولكي تبقى حاضرة في مشهد محكوم بمتغيرات العصر، فلا بد أن نكون قد استوعبنا أن الاحتفال بذكراها لا يعني التعامل معها كصنم، وإنما كفعل بشري صنعه أبطال بمعايير زمنهم ومتطلبات واقعهم المعاش، وأن هذا الفعل البشري محكوم بقيم هي القاسم المشترك بين مختلف الأزمان والمتغيرات التي تشهدها الحياة في حركتها، إن فقدتها فإنها تتلاشى كظاهرة سادت ثم بادت، وفي صدارة هذه القيم “الحرية” بآفاقها التي تهيئ الإنسان لخوض معركة الحياة كمواطن صانع للقرار لا كمتلقٍ سلبي له، وتضعه أمام مسؤوليته في بناء وطنه الذي يحلم به، وهي المسؤولية التي تحمّله واجب التصدي لكل ما يعيق عملية البناء تلك بوعي مدرك لكل خطوة تتخذ على هذا الطريق، أي الحرية التي تتكامل معها المسؤولية والواجب مع ما توفره من حقوق سياسية واجتماعية واقتصادية وفكرية وإنسانية.
إن الحرية هي القيمة التي يعد التمسك بها تمسكًا بالثورة حينما تواجهها التحديات الكبيرة. فالثورات تنتصر من أجل الحرية، وتستمر تحت راية الحرية، وتواصل الصمود بين أنقاض الحروب بمشعل الحرية.
أكتوبر مجيد، وكل عام وشعبنا اليمني العظيم بخير.