حضرموت والصراع الدولي والأزمات الداخلية حول الثروات والمشاريع السياسية


- 28 مارس 1911م وقع السلطان عوض بن عمر القعيطي أول اتفاقية نفطية في شبوة مع شركة ايسترن سنديكيت البريطانية
- 15 سبتمبر 1965م حفرت أول بئر نفط في ثمود من قبل شركة بان أمريكان
- من 1956م إلى 1960م تصاعدت حدة الخلافات بين الشركات البريطانية والسلطنات فأسرع الأمريكان لأخذ مواقعهم في حضرموت
- عام 1928م طرحت فكرة اتحاد حضرموت كخطوة أولى لتجاوز الانقسامات والصراعات الداخلية

14 أكتوبر/خاص :
نجمي عبدالمجيد:
كتب الاستاذ محمد حسنين هيكل بتاريخ 8 أغسطس 1994م: (الذين ينظرون إلى القتال الذي دار في اليمن, ويتصورون انهم رأوا مشهداً من حرب أهلية بين شمال وجنوب ـ عليهم أن ينظروا مرة أخرى إلى الصورة بشكل أوسع وأعمق، ذلك لأن نظرة ثانية إلى الميادين التي دار بها القتال كفيلة بأن ما جرى وما هو جار الآن على أرض اليمن هو بداية صراع كبير على مستقبل شبه الجزيرة العربية, وهو صراع تدخل فيه تيارات كبرى, ومصالح دولية, وقوى ظاهرة وخفية, بالطبع إلى جانب عوامل اقليمية ووطنية ومذهبية وقبلية أيضاً.
ان هناك شواهد تدل على أن اليمن الموحد الذي تعرض شهرين لنيران حرب أهلية لم يكن يراد له ان يعود فقط ليصبح يمنين، وانما تقول الشواهد انه كانت هناك رغبة في فكه إلى ثلاث دول: شمال ـ جنوب ـ وسط في حضرموت التي تحوي معظم احتياطيات البترول التي تطل على المحيط الهندي).
ليست هذه الأحداث خارجة عن حلقات متصلة بما جرى في الماضي.
ان ذكر حضرموت والنفط، وتصارع قوى اقليمية ودولية يفتح أمامنا طرقاً عدة في قراءة المشهد السياسي في الراهن من منطلق العودة إلى وثائق ما زالت تطرح في اطار المشروع السياسي والاقتصادي في حضرموت.
وإذا كانت رؤية الأستاذ محمد حسنين هيكل قد حذرت من مسارات لم يدركها العديد من حرب 1994م، ففي الواقع الجاري ما يربط بين عمق الحدث تاريخياً ومفارقات اليوم. ونحن هنا نقف أمام ما كان في الأمس حتى لا تكون النظرة للمشهد السياسي من منطلق الحاضر فقط وهو ما يجعل أي تصور قادم من هذا الاتجاه يقف عند حدود معينة من أبعاد الفكر والرؤية ومو ما يوجد عدم التحديد الموضوعي في بناء التصور للحدث.
مما طرح حول حضرموت والثروة في مرجعيات التاريخ في 28 مارس 1911م صودق على أول اتفاقية نفطية في شبوة بين السلطان عوض بن عمر القعيطي وشركة ايسترن سنديكيت، وهذا التوجه نحو حضرموت لم يكن بعيداً عن الدور الذي لعبته الشركات الغربية في البحث عن النفط والغاز في دول الخليج العربي.
وفي بداية هذه المهمة استحوذت الشركات البريطانية على معظم العقود في البحث والتنقيب، وبعدها دخلت الشركات الأمريكية في هذا الطريق.
لكن في تلك الحقبة كانت الأوضاع الداخلية تشهد العديد من الصراعات الداخلية وحروباً بين القبائل دائمة الاستمرار في أكثر من منطقة.
وفي عام 1938م وقع السلطان صالح بن غالب القعيطي اتفاقاً آخر مع شركة بتروليوم كونسيسبون ليمتد، وهي فرع من شركة نفط العراق البريطانية للتنقيب عن النفط في تلك المنطقة غير ان هذا الاتفاق كان هو السبب في تفجير أزمات بين المحميات الشرقية والحكومة البريطانية من جهة، ومن جهة اخرى مع المملكة المتوكلية الهاشمية، وقد عُرفت حينها بأزمة شبوة ـ العبر.
عام 1945م اعلنت الشركات البريطانية في مسألة البحث عن النفط من جديد في ثمود، وكانت عدة دراسات قد أكدت بوجود النفط بشكل تجاري كبير ربما يتجاوز ما يوجد في منطقة الخليج العربي.
في عام 1955م اعلن البريطانيون عن وجود ثروة معدنية هامة في حضرموت وشبوة وهي مشجعة على الاستثمار، غير ان كل هذا تم وضعه في دائرة السرية التامة وظل الحال حتى اليوم وفي هذا الأمر ما يدخل في باب صراع المصالح الدولية والإقليمية على حضرموت.
ومن الفترة من 1956م إلى 1960م راحت العلاقات بين السلطنات والشركات البريطانية تنحدر نحو المزيد من الخلافات، حتى أعلنت تلك الشركات عن تخليها عن العمل في تلك المنطقة.
وفي 15 سبتمبر 1965م كان شركة بان أمريكان قد حفرت أول بئر نفطية في ثمود، كما حفرت بئرا ثانية في سناو.
كان للسياسة البريطانية عبر الاتفاقية الموقعة مع الطرف المعين أهداف ترمي لحماية المصالح، وبالعودة لهذه المرجعيات نرى ذلك الجانب من مد النفوذ البريطاني نحو حضرموت منذ وقت مبكر من وجودها في الجنوب ومنها نقف أمام هذه الوثيقة.
عدن ـ المكلا ـ رقم (71) ـ 1888م رقم (71).
معاهدة حماية مع الجمعدار عبدالله بن عمر وعوض بن عمر ـ 1888م
رغبة في تمتين عرى الصداقة وتوطيد وتعزيز السلام بين الحكومة البريطانية وعبدالله عمر بن عوض القعيطي عن نفسه وعن أخيه عوض بن عمر القعيطي فقد سمت الحكومة البريطانية وعينت البريجادير جنرال آدم جورج فوريس هـ ج (سي ـ بي) المقيم السياسي بعدن لتوقيع معاهدة لهذا الغرض.
وقد اتفق البريجادير جنرال المذكور آدم جورج فوريس هـ ـ ج، سي بي، وعبدالله بن عمر بن عوض القعيطي عن نفسه وعن أخيه عوض بن عمر القعيطي على ما يلي:
المادة (1): نزولاً عند رغبة الموقع أدناه عبدالله بن عمر بن عوض القعيطي عن نفسه وعن أخيه عوض بن عمر القعيطي فقد وافقت الحكومة البريطانية على ان تنبسط الحماية والرعاية الملكية الكريمة على المكلا والشحر وتوابعها.
المادة (2): يوافق المذكور عبدالله بن عمر بن عوض القعيطي عن نفسه وعن أخيه عوض بن عمر القعيطي وورثتهما وحلفائهما ويعدان ان يمتنعا عن الدخول في أية اتصالات أو اتفاقات أو معاهدات مع أية أمة أو دولة أجنبية دون معرفة وموافقة الحكومة البريطانية.
كما يعدان أيضاً أن يبلغا فوراً المقيم السياسي بعدن أو اي ضابط بريطاني آخر عن أية محاولة لأية دولة أجنبية للتدخل في شؤون المكلا والشحر وتوابعها.
المادة (3): يسري مفعول هذه المعاهدة من تاريخه وبحضور الشهود تم التوقيع ووضع الاختام في الشحر في الأول من مايو عام 1888م.
عبدالله بن عمر بن عوض بن عبدالله القعيطي
أ ـ ج ـ أف ـ هيج، بريجادير جنرال ـ المقيم السياسي بعدن.
الشهود: أم ـ أس ـ جعفر ـ المساعد المحلي للمقيم السياسي، سي ـ أي جيسنج ـ كمندار في البحرية الملكية سفينة صاحبة الجلالة (اوسبري)، لانسداون، نائب الملكة والحاكم العام لحكومة الهند.
تم التصديق على هذه المعاهدة من قبل نائب الملكة والحاكم العام لحكومة الهند في المجلس، في فورت وليام، في السادس والعشرين من شهر فبراير 1890م.
دبليو جي ـ كننجهام
سكرتير حكومة الهند ـ دائرة الشؤون الخارجية
جاء في كتاب مدينة المهاجرين حول الصراع على ثروة حضرموت: (لا شك أن مرجع الاهتمام بهذه البلاد يعود إلى عوامل عسكرية بقدر ما يعود إلى وجود البترول فيها وكل الشواهد تشير بما يرتفع عن مستوى الشك إلى وجوده رغم عدم الشروع في استخراجه.
فقد شوهدت فرق التنقيب منذ عام 1946م تجوب أنحاء الجنوب العربي وتدفقت آلات البحث والحفر ومعدات التنقيب تحملها ارتال من السيارات والطائرات لتعود متلصصة تحمل اثقالها في كتمان شديد بعيد عن الأنظار. كما أقيمت المخيمات والمنشآت في أماكن محددة جلب إليها عدد كبير من العمال والفنيين معظمهم من غير العرب.
وإلى جانب هذا كله تسربت تصريحات من عدد من المسؤولين واكتشفت تصرفات تشير جميعها إلى وجود كميات كافية ومغرية من البترول في الجنوب العربي .. البلاد التي أذاقتها الطبيعة فيما مضى آلام الجوع والفقر والمرض وشردت ابناءها ليبحثوا عن قوتهم في شتى المهاجر.
جرى البحث والتنقيب حتى الآن في الإمارات الشرقية حضرموت التي تضم السلطات القعيطية والكثيرية والواحدية والمهرة. والمعلومات الأولية تفيد بوجود البترول في خمس مناطق:
1 ـ منطقة ثمود ـ متنازع عليها بين سلطنتي الكثيري والقعيطي.
2 ـ منطقة حبروت.
3 ـ منطقة زمخ، قعيطية وتبعد 100 كم عن العبر تتاخم نجران.
4 ـ منطقة منوخ بين العبر وثمود.
5 ـ منطقة حجر ـ قعيطية.
ومعظم هذه المناطق تقع بعيدة عن العمران كما انها محل نزاع بين عدة جهات من بينها قبائل تتشبث باستقلالها عن أي من السلطنات مما وضع الانجليز في وضع ممتاز يتمكنون به من تغليب الجهة التي يقع عليها اختيارهم.
ويكشف أحد رجال القانون بالمملكة العربية السعودية الستار عن أغرب فصول قصة البترول في حضرموت .. فقد تلقى هذا القانوني ـ وهو الاسم الذي اختاره لنفسه ـ طلباً من سلطنتي حضرموت للعمل كمستشار للسلطنتين فيما يختص بالاتفاقية التي كان مزمعاً عقدها بينهما وبين الشركة البريطانية.
وفوجئ القانوني بعد وصوله بأن هذه الشركة تمثل اربع شركات انجليزية وفرنسية وأمريكية وانجليزية هولندية .. ولكن الشركة الانجليزية لها أكثر من نصف الأسهم.
كانت الشركة قد أمضت أكثر من 22 سنة في عمليات التنقيب بمناطق الجنوب والخليج، وكان مشروع الاتفاقية الذي قدم يماثل المشاريع التي قدمتها لست مناطق في جنوب الخليج وفي هذا المشروع تحدد الشركة حصة السلطنتين بخمسين في المائة مع عدم التزاماتها باستخراج البترول في مدة معينة على ان تدفع للسلطنتين مبلغ 40 ألف جنيه سنوياً كايجار للمناطق التي يجري فيها التنقيب .. كما يجعل لها المشروع الحق في التخلي عن بعض مناطق التنقيب وان تحضر الشركة آلات للتنقيب يمكن استخدامها إلى خمسة آلاف قدم بشرط عدم الزامها بالحفر والتنقيب على الاطلاق).
وفي الاتجاه الآخر من هذا الوضع نرى الصراعات الداخلية التي مازالت حتى اليوم من مهددات عدم الاستقرار في حضرموت.
طرحت عدة مشاريع لخلق وضع متقارب كي تتجاوز حالات الانقسام الداخلي مثل فكرة الاتحاد عام 1928م لكن أجهض.
كذلك ظهر حزب الرابطة الحضرمية وقد ذكرت بعض المصادر حول هذا الكيان السياسي حيث كان افقه أوسع وله رؤية شاملة وقد جعل حضرموت ساحة تحركاته وهذا ما ظهر في برامجه في 20 إبريل 1947م.
ومن أوراق تلك الحقبة يذكر صلاح البكري قائلاً: ( سافر السلطان عوض بن عمر القعيطي إلى عدن، وأخذ يشكو امير المكلا ودسائسه لدى الإنجليز، وقد استطاع بدهائه ان يملك قلوب ولاة الأمور هناك ويجعلهم في صفه، فتوسطت محكمة عدن في الصلح بعد أن رضي الخصمان بحكمها على اي حال، وكتبت على وثيقة وقع عليها الثلاثة فصدر الحكم على غير ما يرومه الأمير الكسادي، فقد خيرته المحكمة إحدى ثلاث: إما أن يتسلم من السلطان عوض بن عمر القعيطي مائتي ألف على ما في ذمته ويتخلى عن الإمارة كلها، وإما أن يدفع المائة الألف في الحال وإما ان يتسلم مائة ألف أخرى ويتنازل عن إمارة المكلا، وينتقل هو إلى بروم التي تبعد عن المكلا بنحو 14 ميلاً، ولكن الأمير الكسادي رفض ذلك، ورمى محكمة عدن بالميل والتحيز للقعيطي وعدم مراحل العدل في الحكم ثم رحل إلى المكلا غضبان اسفاً، وبعد أسبوع جاءته بارجة حربية إنجليزية نزل منها ضباط إنجليز وساروا إلى الأمير عمر صلاح الكسادي وأنذروه أنه إذا لم يقبل الحكم فإنهم يضطرون لضرب المكلا بالمدافع).
بين هذه المفارقات التاريخية ما بين الماضي وما يعاد منها في الحاضر مع اختلاف الصور وعناصر الأحداث، تظل حلقاتها مترابطة؛ لأن جوهر المواجهات ما زال هو من يدافع بمسارات الأمور نحو مزيد من امتداد ذلك المأزق في عمق الذاكرة.
فلم تكن قراءة الأستاذ محمد حسنين هيكل لحرب 1994م وموقع حضرموت فيها، إلا حلقة استدعاء لما جرى وكأن الزمن هنا يعيد المعالم وإن اختلفت الأشكال، ما زال نفط حضرموت في دائرة الصراعات المحلية والإقليمية والدولية، وعدم الاستقرار السياسي من رهانات الأطراف التي تجعل حضرموت تحت الوصاية، هنا نجد أنفسنا أمام تساؤل المواجهة مع التاريخ، وهو لماذا هذا الارتداد إلى نفس الدائرة المغلقة؟ هل هو العجز في الخروج عن هذا الإرث؟ أم الواقع الممزوج بهذا التراكم من التصلب في الشرايين، قد سجن كل محاولات التمرد والخروج في حلقة لا ترى الوقائع فيها إلا نفس صورها السابقة؟
ليست من قوة الاندفاع في البحث عن الإجابة، نسقط حلولاً لم تكن قد دخلت بعد في وضعية الاختبار الذي يقدم لنا اطروحات الفكر الموضوعي.
إن ما يلاحظ في الجنوب عدم العودة إلى مرجعيات التاريخ في صراعات الحاضر، وهذا ما يجعل اعتقادنا في حالة الأزمات المتصاعدة بأنها وليدة لحظتها بينما البعد الزمني لجذورها تقطع من الارتباط مع تشققات الزمن المتحرك في صناعة القرار.
إن حضرموت لم تكن مجرد مساحة يجب أن تبقى في إطار جغرافيا معينة، ولكنها ظلت وعبر تاريخها ـ وبالرغم من كل ما تملكه من مقومات الاستقرار ـ داخلة في إستراتيجية التحالفات والتجاذبات والمراهنات، ولها في هذا المسار ما يفرز في كل حقبة من التاريخ، أساليب التصادم والاختلافات التي تذهب إلى مفترق من الطريق لا ترسم لها وجهة محددة، وهذا يؤكد على أن الأرض والثروة والإنسان لن يكونوا من عوامل صنع الهدف، بل من وسائل الصراع الدائم.
المراجع
1ـ تاريخ حضرموت السياسي
تأليف ـ صلاح البكري
الطبعة الأولى عام 1936م.
صادر عن مطبعة مصطفى الحلبي ـ القاهرة.
2ـ حضرموت والاستعمار البريطاني
1937 ـ 1967م
تأليف: أحمد عبيد بن دغر
صادر عن مؤسسة قرطبة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة الأولى: القاهرة ـ عام 2000م.
3ـ مدينة المهاجرين ـ حضرموت
تأليف ـ محمد جبريل
صادر عن اللجنة القومية للطباعة والنشر العدد ـ 155 عام 1965م.
4 ـ مجموعة معاهدات والتزامات وسندات متعلقة بالهند والبلاد المجاورة لها ـ المجلد (11)
طبع بإشراف جامعة عدن
صادر عن دار الهمداني عام 1984م.
5 ـ المقالات اليابانية
محمد حسنين هيكل
صادر دار الشرق الطبعة السادسة عام 2002م القاهرة.