كنت من ضمن الفريق الجيولوجي المكلف بدراسة الانهيارات الصخرية ببعض مديريات العاصمة عدن وفي آخر زيارة إلى هضبة عدن .. حيث القليل من الجغرافيين، وكثير من الجيولوجيين، يعرفون هذا المكان ويقفون أمامه وقد ألجمت الدهشة ألسنتهم.
كنت قد أخذت الصورة ناظرا في اتجاه مصب وادي الطويلة وعن يميني صهاريج عدن، خلفي اعلى قمة في هضبة عدن التي يبلغ ارتفاعها 350مترا فوق مستوى سطح البحر..
هذا مشهد فريد وحيد لا يوجد في أي مكان آخر من الارض .. بل هو أحد المواقع النادرة في العالم.
يحتاج الدارس الجيولوجي هنا إلى شرح واف مستفيض لقصة عشرات ملايين السنين، ولا سيما حين تعرضت هذه الصخور التي تنتمي إلى بركانيات اليمن الثلاثية لحركات بنيوية ديناميكية فريدة شاهد على انتهاء العالم، قريبة من فوهة بركان عدن الخامد الذي يعتبر من اقوى البراكين في العالم .
وسأترك هذه المهمة لأهل التخصص الذين ألفوا بحوثا وكتبوا عنها في مراجع كثيرة. أما الذي أود أن اكتب عنه بإيجاز هنا فهو الخطر الكبير الذي يتهدد هذه المنطقة الكنز.
وهي عملية البناء العشوائي على سفوح تلال عدن وهضبة عدن وقطع المنحدرات والبناء في ممر السيول ..
وفي الخطوة التالية تبادر الدولة بالتعاون مع المنظمات الدولية بإنشاء “متحف جيولوجي مفتوح”، له مركز معلومات يستقبل أبناء عدن والمحافظات القريبة من كافة المدارس والجامعات في رحلات علمية للتعرف على تلال عدن وأراضيها وكنوزها العلمية.
ومن السهل جدا تغطية تكاليف الاستثمار بتنظيم صناعة السياحة الأجنبية إلى المنطقة، وأقول هنا “صناعة” بمعنى عمل علمي احترافي منظم يوطن في المنطقة النوع الشهير من السياحة المعروفة باسم “Geo-Tourism” أي سياحة معالم الأرض الطبيعية بتخصصاتها المختلفة: جغرافيا وجيولوجيا ومعادن وموارد مياه وعجائب الطبيعة وتفرد مناظرها وتاريخ الإنسان الذي مر بهذه الأرض منذ عصور ما قبل التاريخ حتى العصر الراهن.
ولا يجب أن تترك هذه المنطقة لأعمال الخفة والاستهتار واللامسؤولية التي يقوم بها نفر من من المستهترين الخارجين عن النظام والقانون، بل يتم تعيين شباب متعلمين تعليما جيدا في الجيولجيا والجغرافيا واللغات وتاريخ الأرض: يشرحون للسياح بشكل علمي طبيعة المنطقة وقصصها التي تعود لمئات ملايين السنين، ومن هنا ستكون نهاية العالم(( نارٌ مِن قَعرِ عَدَنٍ تَسوقُ النَّاسَ إلى المحشَرِ). الراوي : حذيفة بن أسيد الغفاري | المحدث: أبو داود | المصدر : سنن أبي داود.
في هذه المنطقة يجب أن يمنع سير المركبات والسيارات، بل يكون تحرك الزوار سيرا على الأقدام، مع بعض عربات خفيفة لكبار السن من السائحين.
هذا النوع من الاستثمار السياحي لا ينتمي إلى قصص رومانسية أو أمنيات عاطفية، بل بوسعه أن يحقق أهدافا ربحية من العملات الأجنبية، علاوة على – وهو الأهم – توطين الوعي القومي لأهل عدن بوطنهم في الداخل، وربط تلال عدن وهضبتها ربطا عضويا بهذه الأرض العميقة.
________
* مهندس جيولوجي في قسم الجيوتكنك هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية /عدن