الآباء يخوضون حروبًا من أجل الأبناء مع قدوم عيد الفطر المبارك



عدن/ 14 أكتوبر/خاص:
من اجل لقمة العيش وكسوة العيد مع هذا الغلاء يخوض الآباء معركة قاسية وحربا لا يعرفها الأبناء، في ظل ارتفاع الأسعار وانقطاع المرتبات وتدهور الأوضاع المعيشية في البلاد؛ بفعل الحرب التي ألقت بآثارها الاقتصادية على معيشة المواطنين لأكثر من تسع سنوات.
ومع اقتراب عيد الفطر المبارك، يزداد الناس خوفاً وهلعا، خشية أن يأتي العيد وأطفالهم بلا ملابس، لذلك يجاهد الكثير منهم لخلق الامكانيات المادية المتاحة لرسم البسمة على شفاههم ولو بملابس بسيطة ذات جودة منخفضة.
لكن ومع ذلك، يصطدم أرباب الأسر بجشع التجار واستغلالهم لمواسم الأعياد، وشهر رمضان من كل عام، ما يدفع البعض إلى الاستغناء عن شراء ملابس ومستلزمات العيد، والاكتفاء في السعي نحو توفير احتياجات الأسرة الأساسية.
جشع التجار وموت الضمير
مواطنون من تعز وعدن وحضرموت وشبوة، عبروا ككل عام من أعوام الحرب التي مضت، عن استيائهم الشديد من ارتفاع أسعار الملابس ومستلزمات العيد في الأسواق المحلية، وعدم قدرتهم على شراء كسوة العيد للأبناء، في حين أصبح العيد عند أسر أخرى في محل كان وبات كل همهم هو توفير القوت اليومي الأساسي للأسرة.
يجمع الكثير من المواطنين اليمنيين، على اتهام التجار بـ”الطمع والجشع” و”موت الضمير” عند الكثير منهم، بسبب استغلالهم لمواسم الأعياد ورمضان برفع أسعار كل انواع وأشكال كسوة العيد على المواطن عموما دون استثناء، محملين الحكومة اليمنية نتيجة ما يحدث لغياب الدور الرقابي وعدم تحديد سقف معين للأسعار.
يقول محمد أحمد من محافظة تعز: “لدي سبعة من الأبناء، لا أستطيع هذا العام شراء ملابس العيد لهم، لأني أحتاج إلى أكثر من 245 ألفاً (الدولار= 2334 ريالا في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية ) لشراء سبع قطع من الملابس لأبنائي”.
وأضاف في حديثه : «لقد اتجهت إلى حيث اتجه معظم الناس نحو أسواق الملابس المستعملة “البالية” لعلي أجد بعض الملابس بما أمتلكه من المال، إذ أن أسعارها أفضل مقارنة بما هو عليه الحال في أسعار الملابس الجديدة”.
وتابع: “لا توجد أية رقابة على أسواق الملابس، أصبح الأمر متروكاً لضمير التاجر، هو الذي يحدد التكلفة والربح والسعر النهائي للمستهلك بما يراعي منفعته، ووضع الناس”.
بالمقابل، يقول أحد بائعي الملابس، إن ارتفاع الأسعار لديهم مقرون بارتفاع أسعارها لدى تجار الجملة بشكل مبالغ فيه، إضافة إلى احتكارهم لهذه البضائع، وبالأخص الموديلات الجديدة، فهم يطلبون مبالغ كبيرة ونقداً منا نحن تجار التجزئة”.
وأضاف “ارتفاع إيجارات المحلات التجارية يثقل كاهلنا ويعتبر سببا إضافيا لارتفاع أسعار الملابس” على حد قوله.
ظروف صعبة
محافظة حضرموت هي الأخرى من المحافظات اليمنية التي تخضع لسلطات الحكومة المعترف بها دوليا، تشهد الأسواق فيها ارتفاعاً جنونياً وغير مسبوق مقارنة بالأعوام السابقة، يتزامن ذلك مع ظروف معيشية ومادية صعبة فرضتها تداعيات الحرب على المواطنين.
“أم عبدالله” من منطقة الشرج بالمكلا، تقول ” “كسوة العيد كل عام يرتفع سعرها ضعف السنة التي مضت، زوجي يعمل بالأجر اليومي وبعمل متقطع ويعيل أسرة مكونة من خمسة أولاد، نحتاج إلى كسوة للأولاد مع قرب العيد لكن الأسعار تصدمنا وتجعلنا غير قادرين على الشراء”.
وأضافت “لدينا أعباء يومية ومتثاقلة علينا خاصة ونحن مقبلون على عيد الفطر، وواجهنا ارتفاع أسعار الملابس خاصة في هذا العام، نواعد أبناءنا بشراء ملابس العيد يوماً وراء يوم لعل وعسى تفرج”.
من جانبه، يقول محمد صالح بلغيث متزوج ولديه 8 من الأبناء “الحقيقة المرة أننا إلى الآن لم نستلم رواتبنا ولم يبق إلا أيام قليلة من عيد الفطر”، متسائلاً: من أين أوفر ملابس العيد لأطفالي والتزاماتي المادية والمنزلية؟
وأضاف في حديثه “لا يخفى عليكم ارتفاع الأسعار في الملابس وتحكم التجار بحياة الناس دون رقيب ولا حسيب عليهم”.
أما المواطن غالب سعيد باعوض، فيقول: “لم يتبق من رمضان إلا القليل وها نحن نستعد لاستقبال عيد الفطر المبارك، لكن هذه المرة بنكهة ارتفاع أسعار الملابس والمشكلة أنه لا أحد يراقب جشع التجار وتلاعبهم بحياة الناس”.
أسعار جنونية في عدن
بالقرب من أحد محلات بيع الملابس، بمنطقة كريتر وسط العاصمة الموقتة عدن ، وقف خالد سالم، مذهولا من ارتفاع الأسعار بأشكال جنونية، أجبرته على العودة، دون أن يتمكن من شراء كسوة العيد لأطفاله.
“خالد”، الذي كان يعمل كمحاسب في احدى الشركات بالحديدة، اجبرته الظروف المعيشية، على العمل بالأجر اليومي بمدينة عدن، بعد أن فقد مصدر دخله الوحيد المتمثل بالمرتب في إحدى شركات صياغة الذهب بالحديدة والذي انتهى بسبب استيلاء الحوثيين على مقر الشركة ومصادرة المكاين وطرد الموظفين والعاملين فيها، مما تسبب بقطع رواتب الموظفين ورجوع محمود إلى مسقط رأسه في خور عميرة الذي يربط ما بين ثلاث محافظات (تعز وعدن ولحج).
يقول “خالد” إنه يعول 7 من الأبناء، يواصل الليل بالنهار في العمل، لكي يتمكن من توفير مصدر العيش الرئيسي لأبنائه، حيث تزامن انقطاع الراتب، مع ارتفاع الأسعار، وعدم وجود فرص عمل”.
يضيف قائلاً: “أسرتي تعيش في منطقة “خور عميرة” غرب محافظة لحج ولي من البلاد 7 أشهر، لم استطع السفر لأني لم أتمكن من توفير المال لأولادي وأسرتي، والعمل خامل ولا وجود لأي عمل، البلاد خاملة، ومش عارف ماذا أفعل”.
وتابع حديثه: “لدي أربع من البنات لم استطع أن أوفر لهن كسوة العيد، يتصلن بي كل يوم ومش عارف بماذا أرد عليهن لأنني أشعر بالعجز وعايش بين نارين، نار البطالة، ونار الهموم التي تلاحقني”.
يقول حاجب في حديثه «خرجت أنا وزوجتي إلى سوق النساء، وفي جيبي 60 ألف ريال، لشراء ملابس لأولادي، لكني تفاجأت بأن المبلغ لم يكف للجميع، لقد اشتريت بنطلونا وقميصا، وحذاء، وملابس داخلية لإبني الأكبر وكان مجموع ما دفعته مقابل شراء تلك الملابس البسيطة 55 ألف ريال، لم يتبق من المبلغ سوى 5 آلاف ريال حاولت أن أبحث عن ملابس مقاربة للمبلغ الذي تبقى، ولكن دون فائدة”.
وتابع: “رجعت الي المنزل في انتظار الحوالة التي سأحصل عليها من أخي المغترب لكي أتمكن من شراء الملابس لأولادي وبقية حاجيات ومستلزمات العيد.”
في ذات السياق يرى الشاب عقيل الصعيدي، “أن أسعار احتياجات العيد لهذا العام، أغلى بكثير من العامين الماضيين، قائلاً: “خرجت إلى السوق في مدينة عتق، لكي أشتري (معوزاً)مناسباً، فوجدت سعره مرتفعاً جداً حيث يصل إلى 58 ألف ريال، وفي العام الماضي كان يباع نفس النوع بـ 15 ألف ريال ، الأسعار هذا العام ليست مقبولة.”
تجارة بلا حسيب أو رقيب
على صعيد ارتفاع الأسعار، أرجع عدد من الاقتصاديين والسكان الأسباب الرئيسية لارتفاع الأسعار إلى غياب الجهات الرقابية الحكومية على المحلات التجارية والأسواق العامة وتراجع سعر تداول العملة المحلية الريال اليمني أمام العملات الأجنبية وفي مقدمتها الدولار الأمريكي والريال السعودي.
وأكدوا في أحاديث متطابقة، غياب دور الرقابة على التجار والأسواق ما ساهم في زيادة جشع التجار الذين ضاعفوا هامش الربح، خاصة قبل عيد الفطر المبارك، مستغلين غياب الرقابة الحكومية، دون مراعاة لظروف الناس والاكتفاء بهامش ربح بسيط.