تواجه بلادنا واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخها، حيث أدى انهيار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية إلى أزمات حادة أثقلت كاهل المواطنين، من ارتفاع أسعار الصرف إلى تأخر دفع مرتبات موظفي الدولة، والانتشار الواسع للبطالة، والتسول، والجريمة، بالإضافة إلى تدهور المستوى المعيشي وضعف القوة الشرائية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، باتت الحاجة إلى إصلاحات اقتصادية شاملة وملحة أكثر من أي وقت مضى.
من أهم الأولويات لمواجهة هذه التحديات هي مكافحة الإنفاق غير الضروري، والتقليل من مصادره، وتفعيل دور الرقابة والشفافية في إدارة الموارد.
تحقيق ذلك يتطلب النزول الميداني، ورفع تقارير يومية للجنة العليا للموارد الاقتصادية والإيرادية، برئاسة االلواء عيدروس الزُبيدي. كما يتطلب تفعيل دور جهاز مكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة.
إلى جانب ذلك، تحسين مستوى المعيشة للمواطنين يجب أن يتصدر الأجندة، عبر رفع الأجور لبعض الموظفين الذين يعانون من انخفاض الرواتب، خاصة مع ارتفاع أسعار السلع. هذا الدعم أصبح أكثر إلحاحًا في ظل المساعدات السخية التي قدمتها المملكة العربية السعودية لبلدنا، والمتمثلة في نصف مليار دولار.
ان الإدارة الاقتصادية السليمة تتطلب اختيار عناصر اقتصادية مؤهلة، وخلق بيئة ملائمة لسيادة القانون. مكافحة الفساد، وتعزيز الشفافية، وضمان العدالة الاقتصادية هي ركائز الإعمار والتنمية المستدامة. العدالة لا تعني فقط توزيع الموارد، بل إنهاء المحاصصة والمحاباة في التعيينات، التي استبعدت الكفاءات النزيهة وأدت إلى أزمات اقتصادية واجتماعية.
إن الحديث عن الشفافية والعدالة يذكرنا بسيرة الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه. من أشهر القصص التي تروى عنه قصة الشمعة، حينما أطفأ شمعة موقدة من مال المسلمين عند حديثه عن شؤونه الشخصية، قائلاً: “الشمعة التي أطفأتها هي من مال الله ومال المسلمين”. هذه القصة تجسد أرقى معاني النزاهة والمسؤولية في إدارة الموارد العامة.
وهكذا إن معالجة الأزمة الاقتصادية الحالية لا تتحقق إلا بإجراءات حازمة وشاملة تشمل مكافحة الإنفاق، تعزيز الرقابة، واختيار إدارة اقتصادية كفؤة. مع توفر الدعم الإقليمي والدولي، يصبح من الضروري العمل على تحسين مستوى المعيشة للمواطنين وتحقيق التنمية المستدامة، بما يعيد بناء الثقة بين الشعب والإدارة.