ما الذي سقط، الحاكم أم الدولة؟ ما الذي سقط النظام كقانون تنظيمي أم النظام كسلطة دموية؟. نفس معادلة العراق. فقد سقطت بغداد بيد هولاكو الجديد. ثم ذهبت سكرة المحتفلين وبدأوا مناحتهم حول (سقوط العراق بيد إيران) لكن الوقت كان قد تأخر كثيرا، ولم يسألوا أنفسهم من فعل ذلك؟؟
ثم أعيدت الكرة بنفس الطريقة. خاصموا دمشق وعزلوها عن محيطها العربي وجمعوا لها كل عديدهم وعتادهم (بشرا وخيلا)، قالوا حينها إن تعامل النظام بدموية مع المتظاهرين هو مبررهم لذلك الفعل، لكنهم لم يخبرونا كيف كانوا سيتعاملون في بلدانهم لو خرجت شعوبهم كما خرج السوريون والمصريون وووو، ثم رموا بسوريا في أحضان إيران التي صارت خيارا وحيدا مفروضا.
لقد كانت مصر وسوريا ملاذا للجميع حينما أوصد الآخرون كل أبوابهم، وستظل دوما مؤصدة. لا نلوم ولا نعاتب فالقضية هي خيارات خاصة وتفسير لمفهوم السيادة من منظور أيديولوجي او تبعي أو أي شيء آخر.
في فبراير 2018، عرضت صحيفة فايننشال تايمز لكتاب “سوريا: صناعة وتفكيك دولة اللجوء” للبروفيسورة الفخرية دون تشاتي. وهي في هذا الكتاب تضع النزوح السوري بعد 2011، ضمن الهجرات الكبيرة التي أثرت وأثًرت بصورة عميقة على المنطقة خلال المائة والخمسين السنة الماضية. فسوريا آوت ملايين البشر من الدول المجاورة لها، وتشكل المجتمع السوري من خلال هذه التنقلات البشرية.
ونقلت الصحيفة عن الكتاب، “على مدى المائتي عام الماضية، مع إجبار الاضطرابات الإقليمية الأقليات والمجتمعات الدينية على ترك منازلهم، وجد ملايين اللاجئين... ملاذًا آمنًا داخل حدود سوريا”.
تعتقد مؤلفة الكتاب أن “أمل سوريا في المستقبل يكمن في هذا الماضي”. إن البلد الذي كان متسامحًا وكريمًا مع الجميع، أصبح يدمر على مرأى ومسمع أولئك، على أيدي الكثير من الفاعلين الأقربين والأبعدين.
قبل السقوط:
بمجرد ان بدا ينقشع دخان أولى المعارك التي في سوريا، حتى اكتشفنا زيف ادعاء بعض الدول من أن تفجر الأوضاع في سوريا كان مفاجئا لها.
فالتغطية الإعلامية الكثيفة التي ترافقت مع نشوب المعارك تشي بأن هناك تنسيقا مبيتا لها مسبقا بانتظار اللحظة المناسبة. وإذا تتبعنا خيوط التنسيق والترابط وتقاطع المصالح في اشعال هذه الجبهة سنجد انها شبكة معقدة ومحكمة. فمن التصريحات التركية إلى التداولات الإعلامية والعربية والدولية نستنتج لامحالة تلك الحقيقة.
وفي 03 ديسمبر 2024، صرح دولت باهتشيلي، رئيس حزب الحركة القومية، حليف حزب العدالة التركي، أن “الأسد لم يمسك يد تركيا الممدودة وسد أذنيه، ولم يستطع أن يتحمل حرب الجيش التركي ضد الإرهاب.. إن سوريا دولة مثيرة للجدل”، ولكن كما اعتقد باهتشيلي حينها، فإن الأوان “لم يفت أمام الرئيس السوري بشار الأسد لبدء الحوار مع تركيا”، والرئيس التركي نفسه كان قد قال بأنه مد يده للأسد ولكن الأخير لم يستجب، لأنه حسب خبراء يدرك تماما ما الذي تريده تركيا وطبيعة أطماعها الإقليمية في سوريا العراق.
وبهذا الخصوص نقل (موقع مأرب برس) بنشوة مبالغ فيها عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحت عنوان (تصريحات خطيرة لأردوغان)، قوله “وجّهنا سابقا دعوة إلى بشار الأسد من أجل تحديد مستقبل سوريا معا، لكن للأسف لم نتلق ردا إيجابيا”. ولم يخف الرئيس التركي غبطته بنجاحات (هيئة تحرير الشام)، حيث قال: إن “المعارضة تواصل تقدمها، فالهدف بعد إدلب وحماة وحمص هو دمشق، ونتمنى أن تتواصل هذه المسيرة من دون أي مشكلات”، والتصريح بهذه الطريقة قطع الشك باليقين أن أنقرة هي المحرك الرئيس لكل ما حدث حتى الآن في سوريا، وإذا كانت موجة التسونامي التركي توقفت مرغمة في ليبيا، فإنها لم تجد من يوقفها في سوريا. ولاحقا أفادت وكالة (رويتر) أن “جماعات المعارضة السورية أبلغت تركيا قبل نحو ستة أشهر بخططها لشن هجوم كبير وحصلت على موافقتها الضمنية”. ووفقا للوكالة فقد تم ذلك بعد فشل أردوغان في اجراء “اتصالات مع الرئيس السوري السابق بشار الأسد”. وأن المعارضة لا يمكنها البدء بأي تحرك “ دون إخطار تركيا مسبقا. وكذلك صرح مسؤول أمريكي لرويتر “إن واشنطن لم تكن على علم بأن تركيا “وافقت ضمنيا” على خطط المعارضة السورية المسلحة لمهاجمة حلب في شمال سوريا”، وهذا يبين التناقض الجوهري في التصريحات التي رافقت العمليات العسكرية التي بدأت في 28 نوفمبر.