فجأة وبدون أي مقدمات تحركت الجماعات الإرهابية في سوريا نحو حلب واستولت على مناطق كثيرة. هيئة تحرير الشام مصنفة غربيا تنظيم إرهابي، ومع ذلك فإن ما يسمى بـ “التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب” الذي تقوده الولايات المتحدة لم يمسها بسوء. وهذه الهيئة كما تقول المصادر المختلفة هي خليط من تنظيمات إرهابية مختلفة (من التنظيم الأم وداعش والقاعدة والنصرة)، وهي كانت النسخة الأخيرة من التحديثات التي طرأت على الشكل الأولي الذي شكلته بعض أجهزة المخابرات العربية والغربية مع انطلاق الثورة السورية ومدته بالدعم المالي والعسكري واللوجستي والتنظيمي والغطاء السياسي باسم دعم الشعب السوري.
المضحك في الأمر أن الدول الأكثر مصلحة فيما يحدث ادعت دهشتها وعدم علمها بنوايا هيئة تحرير الشام. وتأتي الولايات المتحدة على رأس المندهشين.
وبعدها كانت تركيا مندهشة ومتفاجئة وليست منخرطة في الهجوم على حلب، بينما هناك جماعات موالية لها ضمن هيئة تحرير الشام، حيث صرح المتحدث باسم الخارجية التركية أونجو كيتشيلي في 29 .11 .2024، بأن “الحفاظ على السلام في إدلب والمنطقة المجاورة الواقعة عند نقطة الصفر من الحدود التركية، هو قضية ذات أولوية بالنسبة لأنقرة”، إذن الفزورة محلولة من هذه الناحية فتركيا لا تريد من الحكومة السورية استعادة إدلب وتركها تحت نفوذها ولأن الحكومة السورية لم تستجب فلماذا لا تتحرك تركيا عبر الوكيل نحو حلب. أما وزير الخارجية التركي هاكان فيدان فقال: “إن تركيا ليست متورطة في القتال الدائر في حلب”، ومهما يكن الأمر لا يمكن تجاهل أسباب أردوغان لبدء اللعبة من جديد. فالسبب الأول يكمن في أن الأسد لم يتجاوب مع دعوات التطبيع التركية بدون انسحاب قوات الأخيرة من المناطق التي تسيطر عليها، وبان الحرد التركي على ذلك أثناء قمة الرياض الأخيرة. ويكمن السبب الثاني ان أردوغان لا يستطيع توقع خطوات ترامب العائد إلى الرئاسة الأمريكية ولهذا فبالنسبة له سيكون الهجوم بالون اختبار للنوايا.
وبينما يقول موقع معهد واشنطن أنه (من الصعب شطب هيئة تحرير الشام من قائمة الإرهاب) برغم ان الأخيرة قدمت طلبا بذلك، ومع ذلك فإن أياً من الدول لم تصف ما يجري أنه هجوم إرهابي بل سموه “هجوم فصائل المعارضة المسلحة”. كما أن “قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركيا أعلنت بدورها السيطرة على مناطق في ريف حلب الشمالي قريبة من معقلها في المنطقة في منبج وتل رفعت”، ثم يأتي مسؤول أمريكي ليحدثنا عن مفاجأة إدارة بايدن.
جزيرة قطر كذلك لم تكن على دراية بهجوم هيئة تحرير الشام ولكن طاقم الجزيرة كان مرافقا في الهجوم بالصوت والصورة، كيف وصل إلى موقع الحدث ومن أين قدم؟ أم أنه مقيم مع التنظيم منذ تأسيسه؟
المحللون الغربيون وبعض العرب العاملين لديهم استفاضوا في (تفاصيل الخسائر الإيرانية وميلشياتها) والعوامل التي قادت لها ومنها هزيمة حزب الله حسب قولهم، ولكنهم لم يشيروا إلى أكثر العوامل تحريكا للأوضاع في المنطقة والعالم، ولم يشيروا إلى علاقة ذلك بالحرب في أوكرانيا او العلاقة التي تجمع بين كييف وهيئة تحرير الشام. فالمعلوم أن عناصر جهادية انتقلت للقتال إلى جانب القوات الأوكرانية منذ بدء الحرب هناك. وقد ذكر مصدر سوري ان الهجمات التي “شنتها جبهة النصرة وحلفاؤها على حلب، شمالي سوريا، تمت بمشاركة أوكرانية وأميركية، وعبر استخدام معدات وتقنيات متطورة”. وهذا يمكن أن يقدم تفسيرا منطقيا لمصدر التسليح خاصة بالطيران المسير.
لكن العامل الأهم وراء هذا الهجوم (المفاجئ) كما اعتقد هو أن الصاروخ الروسي “أوريشنيك”، قد أيقظ الدبابير من غفوتها. هنا لا نحتاج إلى فهلوة، فالغرب المتوتر من الصدمة التدميرية للصاروخ الفارغ وتهديده الجدي لحلف الناتو يندفع بكل قوة لتثبيت الوضع في الشرق الأوسط عند أعلى درجة غليان. فمع السعي لتعزيز التفوق الإسرائيلي، تتنامى الغطرسة الصهيونية لتبلغ مرحلة الفاشية، وليس هناك من وسيلة لتعكير زهو بوتين بهذا الإنجاز أفضل من تحريك مستنقع الإرهاب الراكد في سوريا منذ عدة سنوات. ومع كل ما يجري من حولنا لم نفطن بعد لتسارع خطط تقاسم المنطقة بين وحوشها الثلاثة.