لم تدرك بعد السلطات المحلية والمركزية اهمية ودور منظمات المجتمع المدني، ولا تعترف الا بما هو جزء منها، ومن تشكيلاتها السياسية التي اخذت شكل منظمات مجتمع مدني، كالنقابات والاتحادات التي تم تفريخها في بيئة الصراع على السلطة، هذه البيئة التي شكلت نفوذاً اعتقد ان من حقه ان يؤسس له منظمات مجتمع تسنده في مشروعه السياسي.
مصيبتنا دائما بالمفاهيم الخاطئة التي تنتج لنا شكلاً مشوهاً للمنظومة السياسية، هذه المنظومة التي لا تبنى على اسس علمية، اسس ان هناك سلطة وهناك مجتمعاً، للسلطة ادواتها و واجباتها التي وجدت من أجلها في خدمة المجتمع، وللمجتمع ادواته و واجباته وحقوقه، وهناك نظام ينظم تلك الواجبات والحقوق.
تختل المنظومة عندما يفقد التعاون المشترك بين السلطة والمجتمع، وعندما تتحول السلطة الى مهيمنة على هذا المجتمع، تسلب حق المجتمع في ان تكون له منظماته المستقلة عنها، وتعمل على تأسيس نقابات واتحادات وهيئات دفاع عن حقوق المجتمع تابعة لها، تنفذ اجنداتها، وتدار من اروقتها، وترتبط مخصصاتها بمدى تنفيذ المهام، وان خرجت عما هو منفذ يتم اعادة ترتيب اوراقها من جديد.
هذا النمط مشهود بمنظمات تخلقت بقرار السلطة او الحزب ، وانتخابات تديرها السلطة والحزب، بقوائم جاهزة وايادٍ ترفع لتصوت، واموال تهدر لغرض تشكيل مكونات هلامية، لا علاقة لها بالمسمى ، تفتقد للخبرات والكفاءات والمهنية، يكفي انها تنفذ ما يملى عليها .
في الدول المحترمة نشهد تعاونا مشتركا بين السلطة والمجتمع، فيه تتشكل منظمات المجتمع دون تدخل من السلطة، وبهذا تتخلق منظمات حقيقية، نقابات واتحادات مستقلة، صوتها يعبر عن المجتمع وفئاته، النقابات تعبر عن العمال وحقوقهم ، والاتحادات تعبر عن اصحابها بمهنية، وتواجه السلطة بمسؤولية، في علاقة خالية من المصالح والاستغلال ، يستشعر كل من السلطة والمجتمع بمسؤوليته في النهوض.
الخلل اليوم لا سمح للسلطة ان ترتقي، ولا ان يكون للمجتمع صوت ينادي بحقوقه الا في اطار ضيق، بضيق افق السلطة وسياساتها واستراتيجياتها التي لا تسمح بتطور حقيقي لمعارضة تلك السياسات والاستراتيجيات، والنتيجة قرارات لا تحل ازمة ولا تشفي غليل نقمة، بل تزيد من تراكم الازمات وحجم النقمة .
العالم يتطور وتنهض الامم وتتطور وفقا لما تشكله الاحتياجات المحلية ، وكلما تطور توسع نطاق التعاون لمؤسسات الشراكة بين السلطة والمجتمع وضمان استمراريتها واستدامتها.
وتدرك السلطات الحكومية الصادقة ان المجتمع المدني الحيوي والمستدام يسهم في عملية الاستجابة الكاملة ، ويسمح للمواطنين ان يكونوا شركاء فاعلين في المجتمع، من خلال منظمات مستقلة يعمل المواطنون على تنظيم انفسهم فيها بحرية ويعبرون عن مصالحهم المشروعة بشكل أكثر فاعلية.
بشكل عام، تنطلق منظمات المجتمع المدني من حاجات جمهورها، وتسعى للوصول إلى أفضل الحلول للمشاكل الناشئة، وغالبا ما تجدها تبدع في انتاج افكار، اذا التقطت يمكن ان تشكل فارقا في الاستجابة الفورية للحاجات الناشئة، تتجاوز البيروقراطية ، وتسهم في جذب الموارد و بناء القدرات في الجوانب التي تعمل بها.
بعكس المنظمات التي يتم تفريخها، لا تجد فيها فعالية ولا حيوية، ولا تقدم أي افكار، وجدت من اجل ان تهادن لتحمي حاضنها وهي السلطة التي انشأتها.
وهناك فرق بين من يتخلق من واقع الالم والمعاناة، وبين من يتم زرعه ليخدم اجندات السلطة ومشروعها السياسي.