ثورة اكتوبر ليست حدثا عابرا، او مزاجا متهورا، بل هي حاجة فرضها واقع استعمار للارض والانسان، والشعور بفقدان الهوية والارث والتاريخ، والحاجة للحرية والسيادة والارادة.
لم تكن ثورة اكتوبر بمعزل عن حركات التحرر العربي، عن مشروع وحدة الامة والمصير، بل كانت عدن وهج ذلك المشروع، ومددا لكل نقطة ضوء تعلن عن تحرير ارضنا واستعادة كرامتنا، من مستعمر غاز او نظام طاغ.
اكتوبر ثورة انطلقت من وعي اجتماعي وثقافي تشكل في عدن، كان رائد التنوير محمد علي لقمان ورفاقه وباذيب ورفاقه، والمجلس العمالي وقيادته، والمنتديات والجمعيات، وصحيفة فتاة الجزيرة والقلم العدني والايام وغيرها من الصحف اليمنية والعربية والعالمية التي تكتظ بها اكشاك عدن، وتلهف القراء على تلك الاكشاك لتتغذى العقول بالأفكار الغنية بالحرية والعدالة والمساواة والاستقلال.
انطلقت من الشعور بخبث المستعمر في احداث تغييرات ديمغرافية، وتشريعات تسلب اهل الحق حقهم في المواطنة، شعور ومخاوف صاغتها الجمعية العدنية في مطالب الحفاظ على الهوية العدنية العربية، واللغة العربية السامية، ورفض أي مشاريع استعمارية، والكل يتذكر الزحف على المجلس التشريعي، لرفض عدن أي كيان استعماري تحت الوصاية، والمطالبة باستقلال ناجز دون قيد او شرط.
ثورة ساندها الشعب والامة في الداخل والخارج، ولم تخلُ من الاعداء ومؤامرات الثورة المضادة، فهامت في المحاولات الغافلة لخفض النظر بما يرفع الرأس، التي فككت البنية، وهجرت قوى الثورة، وطحنت قيمها ومبادئها، وانهكت عقولها، ودفعت بالكثير لأهواء الحزبية التي لا تخدم الثورة، بل تزيد المشهد ارتباكا، فغابت الثورة من مبادئ البعض وقيمهم حيث صارت المصلحة والثأر، هو برنامجهم السياسي جهارا نهارا.
61 عاما من جدلية حكم إقطاعي رجعي، وملكي اسري وإمامي، متسلح بأدوات الماضي الرث، وسياسة المستعمر فرق تسد، واللعب على التناقضات الفئوية على اشكالها، والمناطقية والطائفية في مقدمتها، واحياء موروث التبعية، والغرق في وحل الصراعات والثارات، المعيقة للتوافقات ودعم الثورة والتحول والتغيير لمواكبة تطورات العصر.
61 عاما وما زالت الثورة مستمرة، وكل ما نعيشه اليوم هي حالة طارئة ستزول بفعل تجدد الحدث الثوري، واستعادة الوعي الثوري، وستستقيم القيم والمبادئ الثورية، وسيأتي جيل يقرأ التاريخ جيدا، ويستوعب دروس وعبر اسلافه، جيل هو اليوم شاهد على الانحسار، وتائه في الفوضى، ولكنه يستطلع، وبدأ يعرف ان الثورة التي اشعلت شرارتها من ردفان، توهجت قوتها في قنبلة المطار، ويعرف خليفة عبدالله خليفة، وعمليته الفدائية التي اوقفت الذهاب للندن للتوقيع على تشكيل كيان استعماري تحت الوصاية، ويدرس جيدا الفتنة التي زرعها المستعمر بين مناضلي الكفاح المسلح، والتي من خلالها تم تصفية جبهة التحرير وكوادر وكفاءات عدن، وتدمير مقومات المدينة الاقتصادية والسياسية، ولم تتوقف تلك التصفيات واستمرت تستهدف كل مناضل وطني في الجبهة القومية، وما زالت التصفية مستمرة حتى يومنا هذا، ورحم الله عدن والجنوب واليمن ولاد ينتج الاحرار والحرائر، والفتنة لم تنطلِ إلا على الجهلة والنفوس المريضة والمصابة بالعصبية أكانت مناطقية او طائفية وغيرهما.
انا على ثقة انه سيأتي جيل مشبع بتجارب اسلافهم، يفهم خيوط تلك التجارب وسيستطيع تفكيكها للوصول لرأس الفتنة ليقطع دابرها وينتصر للثورة والوطن. وإن غدا لناظره قريب.