كنا قد اشرنا في مقالات سابقة إلى خطورة الحرب وانحسار التعليم، باعتباره حجر الزاوية في نهضة الامم، واليوم بدأت بوادر هذا الانحسار المخيف في التعليم في عدن، المدينة التي عرفت التعليم منذ عشرينيات القرن المنصرم كمؤسسة حكومية، ومدارس ومناهج وتعليم منتظم، وقبلها كانت كتاتيب ( معلامة).
اخطر الحروب هي الحرب التي تسقط الدولة، وبالتالي تستهدف المؤسسات الخدمية والاجتماعية، ومنها مؤسسات التعليم، فقد نبهنا لذلك في كثير من مقالاتنا، عندما وجدنا ان التعليم اصبح يفتقد بالتدريج لمقوماته الرئيسية، وحجر الزاوية في تلك المقومات هو المعلم، عشر سنوات والتعليم يفتقد لرفده بالكادر المؤهل، أي توقفت عملية التعيين، واصبح يعتمد على المعلم والمتعاقد، وبراتب ضئيل جدا لا يفي بمهمة ذلك المعلم ولا يسهم في تطويره وتطوير دوره، مع العلم ان المعلمين الاساسيين مع قلتهم يفتقدون للاهتمام والرعاية، ورواتبهم لا تتحرك وفق التسويات والعلاوات المفترضة التي ينص عليها القانون، عشر سنوات ورواتب جامدة لا توافي معيشة المعلم واسرته ودوره كحامل للرسالة، وان تحركت ببطء شديد لا تتوافق طرديا مع حركة تدهور المعيشة وانهيار العملة، مما جعل المعلم اكثر الفئات معاناة.
هذه المعاناة عكست نفسها على التعليم، ذهب بعض المعلمين للبحث عن اعمال اخرى، وتعسكر البعض الآخر، وصار المعلم مهنة غير مجدية لتوفير لقمة العيش، سبب ذلك هروب الشباب من الدراسة الجامعية وتخصصات التعليم، في ظاهرة خطيرة اغلقت بسببها كثير من اقسام كلية التربية، مما يهدد بتوقف التأهيل الجامعي للمعلمين في اقسام مهمة كنا في فترة ذروة النهضة التعليمية في عدن قد تخلصنا من المعلمين الاجانب، وصار المعلم متوفرا وبتأهيل عال في الرياضيات والفيزياء والكيمياء والحاسوب والمواد الاجتماعية الاخرى، لكنهم لم يجدوا فرصا للتوظيف، وعشر سنوات بدون ممارسة اصبح فاقدا للتجربة والمهارة والمهنية والمعلومة.
اليوم مدارسنا تفتقد للمعلم، معظمهم معلمون بتعاقد، وبتخصصات غير كافية وراتب حقير، ولانهم ليسوا موظفين فتأهيلهم يحتاج لعقد يضمن لهم حقوقهم المالية وتوظيفهم.
نحتاج هنا ان نشكر اولياء الامور المقتدرين، ومجلس المحافظة والمديريات،في دعم رواتب بعض المتعاقدين، ولكنه يظل دعما موقتا يتوقف في لحظة ويفتقد للاستمرارية، يبقى نحتاج لدعم الجامعات وتشجيع الشباب للانخراط في تخصصات التعليم، وضمان استيعابهم بعد التخرج.
وهنا ندعو لصحوة مجتمعية ورسمية وحكومية ومؤسسية وسلطات محلية وسلطات عليا، للوقوف امام كارثة انحسار التعليم العام والجامعي، مهمة وطنية، بل اعتبارها جبهة كفاح ونضال مثلها مثل الجبهات العسكرية، يد تبني ويد تقاتل، القتال بدون البناء لن ينتصر للوطن بل سينتصر لفئة وجماعة، ولن يجد غير اطلال وطن وبقايا مؤسسات هشة وجيل هش، ومن هنا نحذر من انحسار التعليم وتعطيل النهضة المستقبلية للبلد، ويمكن اعتبارها خيانة للجيل وللمستقبل. والله المستعان.