قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إن الحرب التي تقودها إسرائيل في غزة أصبحت مذبحة حقيقية، لا تؤدي إلى إضعاف حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بل تعمل على تدمير القطاع الفلسطيني وزرع بذور “التطرف” فيه، ولذلك يدعو خبراء فرنسيون إلى إطلاق “مبادرة سياسية” لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني بشكل نهائي، تحت رعاية ما يُسمى بـ”التحالف من أجل السلام والأمن”، وهو تحالف مكوّن من دول غربية وعربية.
وأوضحت الصحيفة -في زاوية الأكاديمي جان بيير فيليو- أن عجز الولايات المتحدة عن التوصل إلى وقف بسيط لإطلاق النار، رغم دعم مجلس الأمن الدولي له، يؤدي إلى إغلاق أي احتمال للتوصل إلى تسوية دائمة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وبناء على ذلك، رأت مجموعة من 6 خبراء فرنسيين أن هناك “مأزقا” يجب استكشافه من أجل إعادة إطلاق عملية السلام في أسرع وقت ممكن، على أساس تدويل “إدارة ما بعد الحرب في غزة”، لأن عرقلة العملية “لا تفيد إلا الجهات الفاعلة المتطرفة من الجانبين”.
وبين الكاتب أن مقدمي المبادرة هم جان بول شانيولو وأنييس لوفالوا، من معهد أبحاث ودراسات الشرق الأوسط في البحر الأبيض المتوسط، وأنطوان أرياكوفسكي وجاك هنتزينغر، من كلية برناردين، وميشيل دوكلو، من معهد مونتين، وبرنار هوركاد، المتخصص في شؤون إيران، موضحا أن هنتزينغر ودوكلو كانا سفيرين لفرنسا في إسرائيل وسوريا على التوالي.
وأشار جان بيير فيليو إلى أن المبادرة تأخذ البعد الإقليمي للأزمة الحالية بعين الاعتبار، وتحذر من خطر التصعيد الذي قد يؤدي إلى مواجهة مسلحة بين إسرائيل وإيران، مما قد “يدفع الدول الغربية والعربية إلى المشاركة”.
وحتى لو تم تجنب مثل هذا الانفجار -كما ترى المبادرة- فإن خطر حدوث “نكبة جديدة” لا يزال قائما، إلى جانب احتمال “صوملة” قطاع غزة، ليصبح “منطقة فوضوية بلا سيطرة، معرضة لاشتباكات لا نهاية لها بين إسرائيل وحماس”، وهذا السيناريو يلوح في الأفق، مع استحالة تحقيق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “النصر الكامل” الذي يسعى إليه في عناد.
وحتى لو كانت هناك هدنة أو وقف لإطلاق النار غدا -كما يرى الكاتب- فإن الحكومة الإسرائيلية وحماس وحتى السلطة الفلسطينية، لن يكونوا قادرين على تنظيم مستقبل غزة، ولهذا السبب، يجب على تحالف الدول العربية والغربية أن يتولى شكلا من أشكال “الوصاية” على القطاع، قبل نقله إلى “سلطة فلسطينية متجددة، قادرة على إدارة المنطقة بطريقة منظمة وفعالة”.
ولا يخفي مؤلفو التقرير العقبات العديدة التي تعترض طريق ذلك السيناريو، ويرون أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية لن يأخذ معناه إلا في إطار قرار مجلس الأمن الدولي الذي يكرس مبادئ “حل الدولتين”.
أما بالنسبة لضمان أمن إسرائيل، فلا يمكن أن يرتكز على تجريد الدولة الفلسطينية المستقبلية من السلاح وحده، ومن هنا تأتي القضية الأساسية المتمثلة في إنشاء “تحالف من أجل السلام والأمن”، أي “مجموعة من الدول تعمل كميسر وحكم وضامن لبناء اليوم التالي، وبالتالي مزود بأهداف ورافعات عمل”.
مثل هذا التحالف الذي ستلعب فيه فرنسا دورا رئيسيا بسبب رصيدها الدولي و”حضورها التاريخي” في الشرق الأوسط، سيشمل -حسب المبادرة- الإمارات والسعودية ومصر وقطر والأردن، بالإضافة إلى الولايات المتحدة بالطبع وبريطانيا والاتحاد الأوروبي.
وسيكون على هذا التحالف أن “يجعل الإسرائيليين الذين أصيبوا بصدمات نفسية أكثر من أي وقت مضى، يفهمون لماذا وكيف يعزز حل الدولتين أمنهم”، كما أن عليه أن يمارس كل ثقله “حتى تظهر حركة فلسطينية تمثيلية ومنفتحة على الأجيال الفلسطينية الجديدة وقادرة على حكم دولة، فضلا عن العيش بسلام مع إسرائيل”.
وخلص الكاتب إلى أن المهمة هائلة وصعبة، ولكنها ضرورية من أجل تحقيق هذه “التحولات” الأربعة تدريجيا، وهي “بناء وضع جديد لغزة”، و”إعادة تنظيم الحركة الفلسطينية”، و”التغيير السياسي في إسرائيل”، و”ظهور دولة جديدة”.