ونحن نشهد هذه الأيام ونتابع لجنة صياغة الدستور وهي منهمكة في إخراج الدستور الجديد في ثوب قشيب للدولة اليمنية الاتحادية أو الدولة المدنية الحديثة نتمنى لهذه اللجنة التوفيق والنجاح في انجاز هذا العمل الوطني الهام وإعداد الصياغة الفنية والقانونية لهذا الدستور الذي يمثل العقد الاجتماعي المعتمد على مرجعية مخرجات الحوار الوطني الشامل والتي كانت نتاج جهود عشرة أشهر من الاجتماعات والحوارات والمداولات والنقاشات والاستماع إلى كثير من الخبراء المحليين والعرب والأجانب والنزول الميداني إلى المحافظات واللقاء مع شرائح وفئات مجتمعية ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات اجتماعية وأحزاب ومثلت تلك المخرجات جهود ما يزيد على 560 عضوا مثلوا كافة شرائح المجتمع وأطيافه المختلفة بمن فيهم فئة المهمشين وذوي الاحتياجات الخاصة.
ومقالنا هذا لن يتطرق إلى بنود هذا الدستور ولا إلى مواده ولا إلى كيف سيكون شكله أو صياغته أو إلى ما هو الجديد فيه وهل يختلف عن الدساتير السابقة له؟ لأن هذا من شأن أهل الاختصاص من القانونيين وأصحاب الصياغات الفنية من الحقوقيين وغيرهم.. فهذا المقال يطرح سؤالا مشروعا يمكن أن يسأله المواطن البسيط الذي يهمه هذا الدستور والذي سيحدد له مسار مستقبله ومستقبل أولاده ويوضح له الحقوق الواجبة عليه او المفروضة له بل وسينظم له شؤون حياته المستقبلية بأكملها في دولة اتحادية ذات أقاليم ستة وسؤال هذا المواطن البسيط يدور حول تخوفه من أن يتحول هذا الدستور الجديد إلى عبء وإلى حبر على ورق فقط أو الا يتم الالتزام بتطبيق بنوده وفقراته ومواده في حياة الناس من قبل النخب السياسية التي ستصل إلى السلطة والحكم وسيكون هذا الدستور شبيهاً بالدساتير السابقة التي وضعت ولم يقم من أدى اليمين الدستورية بتطبيقها أو تنفيذها وكأنه كالذين قال الله تعالى فيهم: « لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون). وهذا خطاب من الله سبحانه وتعالى للذين آمنوا وليس للذين كفروا كما جاء في الآية الكريمة رقم ( 2) والآية رقم (3) من سورة الصف.
سيقول لك أحدهم إن مخرجات الحوار الوطني قد احتوت على ضمانات لتنفيذ هذه المخرجات وبعد الاستفتاء على الدستور من قبل الشعب سيصبح ملزما على من سيتولى السلطة تنفيذ بنوده وفقراته ومواده فلا قلق من ذلك ويمكن الرد على هذا القول بان التجارب قد علمتنا بان الأنظمة العربية التي تولت السلطة أو وصلت إليها منذ بداية الاستقلال كانت تتخلص او تتملص او تتجاهل دساتير بلدانها ولا تلزم نفسها بتطبيق مواد تلك الدساتير وهي تزعم بأنها بلدان عربية دينها الإسلام وشريعتها هي الشريعة الإسلامية القائمة على تحقيق العدل بين الناس كما أمر الله بذلك وتطبيق الحدود ومحاسبة الفسدة ومن يخونون الأمانة ويظلمون الناس، والناس سواسية أمام القضاء لا فرق بين مسؤول كبير ومسؤول صغير، وبسبب غياب العدالة واختلاس المال العام والمحسوبية والمجاملات وغياب التخطيط السليم وتجاهل مطالب الناس أو تلمس همومهم أو إيجاد حلول لمشاكلهم وتركز السلطة والثروة ومقدرات البلاد والعباد في أيدي فئة أو جماعة او أسرة على حساب الغالبية العظمى من الشعب وتراكم المشاكل أو تفاقمها وتلاحق الانتكاسات وعدم تفعيل القوانين واللوائح وبنود الدستور هو الذي أدى بالبلاد إلى حافة الأزمة وإلى خروج الناس إلى الشوارع والساحات في مظاهرات واحتجاجات فلو أن الدولة قامت بتحقيق الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية وطبقت الحدود لما تجرأ السارق على السرقة ولما تجرأ القاتل على إزهاق أرواح الأبرياء ولما تجرأ قاطع الطريق على فعل الحرابة وتعريض حياة الناس للخطر والرعبو الخوف ولما تجرأ الفاسد على اختلاس المال العام ولما فكر أحدهم بافتعال أزمة أو إثارة قلاقل أو مشاكل أو فوضى.. لماذا؟
لأن هناك يداً من حديد تقف له بالمرصاد وتردعه وتزجره وتوقفه عند حده فالمحلات التجارية في جارتنا الشقيقة المملكة العربية السعودية تظل مفتوحة وقت الصلاة وفي غير أوقات الصلاة دون أن تتعرض للسرقة لماذا؟ لأنهم هناك يقطعون يد السارق كما أمر الله ويقتلون القاتل لأن الله سبحانه قال في محكم كتابه الكريم « ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب».
أما عندنا فيتحايلون على حدود الله ولا يقطعون يد السارق بحجة أننا لو قطعنا أيادي اللصوص والسرق لتحول الشعب إلى عاطلين عن العمل لفقدانهم أياديهم التي قطعت والتي تلوثت بالسرقة هذا بالنسبة للسرق واللصوص فما بالك بالمتنفذين الكبار الذين ينهبون المال العام بالملايين جهارا نهارا دون وازعد يني ولا أخلاقي لماذا؟ لأنهم لم يجدوا من يحاسبهم أو يعاقبهم أو يحاكمهم على جرائمهم التي اقترفوها في حق المواطن والوطن فمن أمن الخوف من الدولة وهيبتها قل أدبه و(ترندع كما يترندع الدرين عندما يغيب الأسد) ومع ذلك نتمنى للجنة صياغة الدستور أن تبدع لنا دستوراً رائعا يعبر عن طموحات الشعب وأن تضع فيه ضمانات لبقائه وديمومته وتحقيق وتنفيذ بنوده وفقراته ومواده على أرضية الواقع وفي حياة الناس.
الــدستـور الجـديـد
أخبار متعلقة