هلت علينا الذكرى الرابعة والعشرون لتحقيق الوحدة 22 مايو 1990م، وبلادنا هذه الأيام تمر بمخاض عسير ومحاولة الخروج من الأزمة التي عصفت بالبلاد نتيجة التراكمات وأخطاء سابقة، كان اسوأها الحرب المشؤومة 94م، بعد ان اتفقت القوى والأطراف والأطياف السياسية اليمنية من شمال الوطن إلى جنوبه على وثيقة العهد والاتفاق في المملكة الاردنية الهاشمية قبل حدوث تلك الحرب المؤلمة.
فالمتتبع للأحداث والوقائع التي حدثت منذ بداية الوحدة وحتى الذكرى الرابعة والعشرين هذه وما هي اخفاقاتها أو ما هي الاسباب التي افضت إلى تلك الاخفاقات سيجد أن الوحدة كمبدأ ديني واخلاقي لا يتعيب أو يتهم بأنه اسلوب خاطئ أو لا يصلح كوسيلة أو طريقة لتلاحم الشعوب والأمم والمجتمعات بل ان هذه الوحدة تمثل رمزاً للقوة والعزة والمنعة والسيطرة ايضاً فها هي الدول العظمى تتكتل وتتوحد وتصطف وهذا ما جعلها تسيطر على مقدرات الدول الصغيرة المفككة والممزقة والمفتتة أو التي تبحث عن الانطواء على ذاتها وتتقوقع في مناطقها وجهاتها المعزولة وكأنها تعيش في كوكب آخر غير كوكب الأرض الذي كاد ان يصبح قرية كونية مصغرة متشابكة المصالح والأهداف في ظل هذا الزمن المعولم وقد تعلمنا منذ الصغر بان العصي المجتمعة لا تتكسر بسهولة مثلما تنكسر عندما تكون متفرقة أو منفردة وتعلمنا أيضاً بأن الذئب لا يأكل إلا الشاة القاصية أو المبتعدة عن القطيع وسمعنا مثلاً افريقياً يقول: (واحد لا شيء .. اثنين كل شيء).
لم يبق امامنا إلا اتهام الأطراف السياسية التي وقعت على اتفاقية الوحدة وعلى وثيقة العهد والاتفاق ولم تلتزم بتنفيذ وتطبيق ما وقعت عليه ولم تؤمن بالأهداف والمبادئ التي قامت من أجلها الوحدة المتهمة والمفترى عليها وهي بريئة براءة الذئب من دم ابن يعقوب، وانها لا تستحق كل هذه الكراهية واللعن والتطير والتشاؤوم منها اليوم من قبل من كانوا بالأمس يمدحونها ويشيدون بها بل ويمجدونها في شعاراتهم ليل نهار وها هي أهم شخصية مناهضة للوحدة وكارهة لها اليوم كانت تقول عنها بالأمس وبالتحديد عام 94: (انه على مدى عقود التاريخ الوطني المعاصر كانت الوحدة اليمنية هدفاً لتحقيق الأمن والاستقرار والتقدم الاجتماعي وصوناً للكرامة الوطنية لشعبنا اليمني وبارادة طوعية مخلصة لنيل تلك الغايات عملنا على قيام الوحدة في الثاني والعشرين من مايو 1990م، بين دولتي اليمن لترسيخها في حياة المجتمع ومن اجل معالجة المشاكل العميقة التي كان يعيشها في كل المجالات).
يفهم من كلام هذه الشخصية الجنوبية الرافضة للوحدة ليس لأن الوحدة كمبدأ شر محض وان الانفصال عنها خير محض بل لأن النظام في ظل هذه الوحدة هو السبب في كل ما حصل خلال ربع قرن تقريباً وبسبب اخطائه وسلبياته في الحكم الذي اعتمد على الارتجالية والمزاجية والعواطف والعشوائية وعدم الوضوح والموضوعية أو التخطيط العلمي السليم ناهيك عن إقصاء الآخر وتجاهله وتهميشه على الرغم من تقديم بعض الأطراف السياسية مبادرات تدعو إلى إعادة النظر في مسار الوحدة لكن هذه المبادرات لم تلق آذاناً صاغية وتم تجاهلها فتراكمت المشاكل والقضايا وتعقدت الأمور وحلت الأزمة فانفجرت جماهير الشعب في ثورة الشباب التي تزامنت مع ما سمي بثورات الربيع العربي ومن قبل ذلك بسنوات كان هناك الحراك السلمي الجنوبي الذي بدأ عام 2007م، بمطالب عادية حقوقية وعادلة ومشروعة تم تجاهلها فاستمر الوضع في تدهور واحتقانات واحتجاجات حتى ارتفع سقف المطالب إلى ان وصل إلى المطالبة بالتحرير والاستقلال وتناسى الناس ان العيب ليس في الوحدة كمبدأ بل في أخطاء النظام في ظل تلك الوحدة وهاهي اليوم بلادنا لديها خارطة طريق جديدة جاءت بها المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية التي انجزت معظم بنودها والتي من أهمها مخرجات الحوار الوطني الشامل وتلبي طموحات وآمال اخواننا في المحافظات الشرقية والجنوبية وستمنحهم بإذن الله الحرية والاستقلال في اقاليم مستقلة ضمن دولة اتحادية عادلة تنتهج هذا النهج معظم الدول الكبرى ونحن اليوم في ظل رئيس حكيم يضع القضية الجنوبية في مقدمة اولوياته واهتماماته ليس لانه من جنوب الوطن بل لايمانه بأهمية وضرورة الوحدة وامتثالاً لقول الحكيم العليم: ( وإن هذه امتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون).
نعيب وحدتنا والعيب فينا
أخبار متعلقة