لا يخفى على القارئ الكريم أن للمجتمعات المدنية أثراً كبيراً، ومسؤولية جسيمة تجاه إصلاح ذواتها، وتقويم مسيرتها، والحفاظ على هويتها، ومبادئها، ومقوماتها، وأن أي إخلال بتلك المسؤولية، أو أي تقصير في أداء واجبها، سينعكس سلباً على الجميع، والعكس بالعكس.
ولذلك نجد الرسول صلَّى الله عليه وسلم يُـكْـثِـر من إيراد الأمثال، وضرب التشبيهات البليغة، لترسيخ هذا المفهوم، وتطبيقه ومن ذلك:
أولاً: أنه جعل المجتمع المسلم كالجسد الواحد، وأفراده كأعضاء ذلك الجسم، فأي خلل، أو مرض يصيب عضواً من تلك الأعضاء سيتأثر به - حتماً - كل الجسد، وكذلك المجتمع إذا اختلَّ فرد منه أو جماعة فإن ذلك سيؤثر في المجتمع ككل، يقول الرسول صلَّ الله عليه وسلم: ترى المؤمنين في تراحمهم، وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى . ( متفق عليه ).
فإذا كانت صحة الجسد وقوته لا تكون إلا بالمحافظة على الأعضاء، والعناية بها وتوفير صحتها، فكذلك المجتمع لا يستقيم أمره، ولا يقوى شأنه إلا بالمحافظة على أجزائه ومكوناته، وهم الأفراد والأُسَـر.
ثانياً: أن نبينا عليه الصلاة والسلام شبَّـه المجتمع بالبنيان، وإن لَـبِـنَـاتَـه يشد بعضها بعضاً، فقال: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً . ( متفق عليه ).
فالبنيان لا يكون قوياً إلا إذا كانت لَـبِـناته قوية، ومتماسكة، ومتعاضدة، وكذلك المجتمع لا يكون قوياً ومتيناً إلا إذا كان أفراده أقوياء متماسكين، مُـتَّـحدين.
ثالثاً: إن المجتمع كالسفينة التي تجوب البحر، وأن أي فرد في تلك السفينة إذا قام بتخريب السفينة فإن الجميع سيغرق، لذا يجب على الجميع المحافظة على السفينة، وعدم السماح لأي شخص من العبث فيها، أو الإخلال بأمنها، وإلا فإن الكارثة ستحل بالجميع، يقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: مَـثَـلُ القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم اسْتَـهَـمُـوا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مَـرُّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أننا خرقنا في نصيبنا، ولم نؤذِ مَنْ فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعاً ( رواه البخاري وغيره ).
استهموا على سفينة، معناها: اقترعوا على الأماكن فيها.
فهذه الأحاديث الصحيحة المشتملة على تلكم الأمثال والتشبيهات البديعة، تؤكد - بما لا يدع مجالاً للشك - أن المسؤولية الكبرى تقع على المجتمع كله في المحافظة على نسيجه، وبنيانه، وقوته، وتماسكه، ووحدته، وذلك من خلال جانبين مهمين:
الجانب الأول: الوقاية والتحصين، وذلك من خلال غَـرْس المفاهيم الصحيحة، والمبادئ السليمة، وتقوية المعتقد الصحيح في نفوس أفراده، وفي مقدمتهم الشباب الذين هم عماد الأمة ومستقبلها، حتى تكون لديهم الحصانة والمناعة الذاتية ضد الأفكار المنحرفة، والمفاهيم الباطلة.
الجانب الثاني: العلاج، ويكون ذلك بالوقوف في وجه المنحرف من الأفراد ومناصحته، وإعادته إلى جادة الصواب بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن أبى إلا الإفساد في المجتمع، وخَـرْق السفينة فلا بد من منعه، والضرب على يده.
ولا شك أن المقصود بالانحراف والضلال، والخروج عن سواء السبيل نوعان:
النوع الأول: الانحراف والخروج عن الصراط المستقيم إلى جانب الغلو، والتكفير، والتنطع.
النوع الثاني: الانحراف والضلال بالخروج عن الوسطية، والتحلل من الدين، والقيم، والأخلاق.
فَـكِـلا النوعين يؤدي إلى فساد المجتمع، وتهلهل نسيجه، وذهاب تماسكه، وضُـعْـف قوته، وهوانه على أفراده، مما يحتم على المجتمع المسلم أن يكون يقظاً، حريصاً على متانته، وقوته، متمسكاً بالعروة الوثقى، معتصماً بحبل الله المتين، مُـوَحَّـداً غير مُـفَـرَّق، ملتفاً حول قناديل النور من النخبة والصفوة.
|
علاء بدر
ألم يَـحِـن درء مخاطر الأفكار الـمنحرفة في المجتمع؟
أخبار متعلقة