تنعقد قمة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في الكويت حاليا في ظروف غير عادية تمر بها المنطقة وتنبئ عن قدوم تحولات سياسية لها تأثير كبير على الخريطة السياسية وعلاقات دول مجلس التعاون بمحيطها الإقليمي وعلاقاتها التاريخية ببعض الدول المؤثرة في أحداث المنطقة خلال العقود الماضية، إذ يأتي الاتفاق النووي الإيراني بين دول (خمسة زائد واحد) مع إيران علامةً ومؤشرا قويا على إمكانية حدوث مثل هذه التغيرات، وخاصة إذا ما تكلل هذا الاتفاق المبدئي بالنجاح ووضع حد للشكوك الغربية حول النوايا النووية الإيرانية، الأمر الذي من شأنه أن يدفع بعلاقات هذه الأطراف نحو التطبيع التدريجي والكامل في مراحل متقدمة.
المؤشر الآخر الذي يعطي لقمة الكويت الحالية أهمية خاصة تختلف عن القمم السابقة، (باستثناء قمة الدوحة عام 1990 التي انعقدت في ظل احتلال العراق لدولة الكويت) هو تصاعد الجدل حول الانتقال بصيغة التعاون التي تجمع دول المجلس منذ إنشائه عام 1982 إلى صيغة الاتحاد التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين ولاقت «ترحيبا» متفاوتا من قبل بقية الدول الخليجية إلى أن خرج وزير الدولة للشئون الخارجية العماني أثناء مشاركته في اجتماع حوار المنامة مؤخرا ليعلن رفض بلاده الدخول في الاتحاد المقترح، وألمح إلى أن عمان قد تنسحب من مجلس التعاون إذا ما اتفقت دوله على إقامة الاتحاد المقترح.
الموقف العماني الصريح من الاتحاد يمثل أحد أكبر التحديات التي تواجه قمة الكويت، وخاصة أن الأنباء التي شرعت تتحدث عن أن هذه القضية، الاتحاد، مدرجة على قمة الكويت، الأمر الذي يتطلب من قادة دول مجلس التعاون الحذر في التعاطي مع هذه التطورات السياسية الجديدة في جسم المجلس الخليجي بحيث يكون هدف الحفاظ على منظومة دول مجلس التعاون هدفا غالي الثمن لا يجوز التفريط فيه بغض النظر عما يطرأ أو يحدث من خلافات بين أعضاء المجلس حول هذه القضية أو تلك، بما في ذلك الاتحاد الخليجي، الذي يبقى هدفا وأمنية شعبية غالية تتمنى كل شعوب مجلس التعاون تحقيقها على أسس علمية مدروسة تكتب لها النجاح.
فهناك فرق بين أن تناقش القمة الخليجية في الكويت مسألة الانتقال بصيغة التعاون القائمة بين دول المجلس إلى الصيغة الاتحادية وبين أن يطالب البعض قادة دول المجلس إقرار الاتحاد في هذه القمة، فقيام اتحاد بين مجموعة من الدول، وبغض النظر عن عوامل التشابه السياسي وتلاقي وجهات نظرها حول العديد من القضايا الإقليمية والدولية ورغم ما يجمع شعوبها من علاقات قربى وتواصل وتشارك ديمغرافي، فإن هذا الهدف السامي والنبيل بحاجة إلى وضع أرضية صلبة له بحيث يبنى على أسس قوية تضمن له النجاح والاستمرارية وتحقيق الأهداف الوطنية التي تصب في مصلحة شعوب المنطقة كلها وضمن لها الاستقرار كي تتمكن من بناء مؤسساتها السياسية والاقتصادية لتشكل الدعامة الضامنة لهذا الاتحاد.
فإذا كانت قضية قيام اتحاد خليجي محل مجلس التعاون، أو بصيغة أخرى الانتقال بمنظومة المجلس من صيغة التعاون إلى الصيغة الاتحادية، هي الآن تشكل أهم قضية محورية تقلق بال قادة وشعوب المجلس، فإن تطوير منظومة التعاون الخليجي كانت دائما مطلبا شعبيا تتصاعد وتيرته كلما اقترب انعقاد مؤتمرات القمم الخليجية، والحقيقة التي يجب أن نعترف بها، هي أن دول مجلس التعاون عجزت على مدى الـ32 عاما من عمر المجلس عن إحداث تطوير نوعي في المنظومة يتماشى وعمر المجلس الذي تجاوز الثلاثة عقود، فهي عجزت حتى الآن عن خلق منظومة اقتصادية خليجية ذات عملة واحدة وهي التي تشكل المرتكز الأساسي الذي يساعد على تطوير مجلس التعاون ونقله إلى مرحلة الاتحاد.
فشعوب دول مجلس التعاون الخليجي تواقة حقا إلى أن ترى هذه المنظومة الخليجية وقد تمكنت من تجاوز حالة المجاملات السياسية التي لن تستطيع أبدا أن تؤسس لقيام هيكل يجمع طاقات دول المجلس في بوتقة اقتصادية وسياسية واحدة تمكنه من أن يكون رقما مؤثرا في الأحداث التي تجري من حولنا، وخاصة الأحداث الإقليمية، فمجلس التعاون، ككتلة خليجية، لم يستطع حتى الآن أن يكون مؤثرا فيما يجري من حولنا من أحداث، بل على العكس من ذلك فالمجلس يتأثر بها، وخذ مثالا على ذلك، مفاوضات الملف النووي الإيراني وما توصلت إليه الأطراف المعنية من اتفاق بشأنه.
فالانتقال بمجلس التعاون الخليجي من وضعه الحالي إلى حالة راقية تتمثل في الصيغة الاتحادية، يجب أن يصب في مصلحة شعوب المنطقة التي في الاتحاد المبني على أسس علمية مدروسة يلبي طموحات هذه الشعوب ويحقق أمنية غالية طالما تمنت تحقيقها، فالعبرة ليست بالتسميات وإنما بالنتائج والأفعال التي تؤديها الكيانات التي تجمع تحت أسقفها أكثر من دولة، وهذا ما نتمناه لدول وشعوب مجلس التعاون.
مجلس التعاون أمام منعطف جديد
أخبار متعلقة