حتى اليوم لازال الكثيرون لم يستطيعوا أن يفرقوا ما بين (الوحدة) كمشروع وطني وبين (النهج السياسي للنظام الحاكم) الذي كان السبب الرئيسي الذي أسقط مشروع الوحدة . ولم ينفذ هدفاً من أهدافها الوطنية ، التي لم يكن من بينها تدمير كل شيء إنساني في نفوس الشعب وتمزيقه تمزيقاً كما لم يكن بينها سحق كل ما كان يمكن أن يشكل آملاً بميلاد عهد جديد أفضل للناس، يعيشون فيه بعزة وكرامة، ويعبرون عن آرائهم ومطالبهم بحرية ، بلا مظالم ولا استبداد من القرون الوسطى ، في نهب الأرض والأموال والثروات التي طالت الجبال والصحارى والسواحل وتسويرها بالأسلاك و الحراس وتدمير الجيش والأمن والمؤسسات الاقتصادية وبيعها في سلوك لا يوصف إلا بالمجنانة والاستحمار ،ولم يبقوا شيئاً للبشر لا في الأرض ولا في القمر !! وكان المستفيدون والمشاركون صامتين !! حتى سقطت الدولة ، ولم يتبق منها غير القوة العسكرية بيد متنفذيها لخلق المزيد من المظالم بحق مواطنيها ، ولم يجدوا من انتخبوهم أو يحميهم وكان لا لابد من إسقاط النظام بقيام ثورة شعبية قادها الشباب شمالاً وجنوباً لإسقاط النظام وتغيير النهج السياسي للدولة . ووضع رؤية جديدة للوحدة ودولة الوحدة التي لم تقم أصلاً بقدر ما كانت تقاسماً ديمقراطياً للسلطة والثروة بين حاكمين ، وتم عزل الناس عن الشراكة فيها ، وعدم تشكيل تحالف وطني ديمقراطي من القوى الوطنية . لوضع برنامجها وحمايتها لذلك تحتم الانتقال إلى طاولات الحوار الوطني الشامل، وكان لكل واحد منا رأيه وموقفه من الحوار ومخرجاته ، ومهما كانت خلافاتنا تلك ، فتلك قضايا كانت بالأمس ، واليوم لسنا مع خلاف مع كل ما يمكن أن يخرج به المؤتمر لصالحنا من رؤية ( طالما إننا لا نملك رؤية عن الوحدة أو الدولة) لتأسيس عهد جديد وبناء دولة مدنية ديمقراطية،وليس من الحكمة أن نرفضها كلها أو نقبل بها كلها عمياني ، وعلينا أن نتعرف عليها ثم نوافق على كل ما يمكنه أن يلبي مطالبنا باستعادة حريتنا وكامل حقوقنا واستحقاقاتنا الوطنية المشروعة ، ولن يتحقق ذلك من دون أن نشكل ذلك الاصطفاف الوطني مع قوى الحداثة في دعم كل القضايا التي ستحقق تغييراً جذرياً في حياتنا المعيشية للخروج من حياة البؤس والشقاء والفقر والبطالة والمظالم التي يكتوي بها شعبنا منذ خمسين عاماً وألا نصطف مع مواقف الرفض لكل الذين تشاركوا في حكمنا وتقاسموا ثرواتنا وتدمير حياتنا وفشلوا في بناء دولتنا المدنية الديمقراطية الحديثة .
إن جوهر مهمتنا القادمة يكمن في تشكيل هذا الاصطفاف الوطني الشامل ( ومن دونه ) تكون قوى مؤتمر الحوار التي تمثل أمل شعبنا في تحقيق أمله وتطلعاته، قد ارتكبت مرة أخرى نفس الخطأ القاتل الذي أدى إلى سقوط مشروع الوحدة، بعدم تكوين الضامن الوحيد لنجاح مخرجات الحوار وتحقيق أهدافها ومنع الالتفاف عليها أو التراجع عنها بإشراك الناس معها ليكونوا جزءاً منها ويشعروا بأن هذا مشروعهم وعليهم حمايتها ليستعيدوا كامل حقوقهم واستحقاقاتهم كشركاء في بناء دولتهم وإدارة شؤونهم لا دولة تحكمهم وتعزلهم بعيداً عنها حتى نؤسس فارقاً وطنياً بيننا وبين الأنظمة التي حكمتنا بأننا نمضي نحو التغيير في بناء دولة جديدة تحقق الوحدة في دولة اتحادية والاستقلال في الفيدرالية بين الأقاليم بموجب رؤية واضحة وشاملة.
ومهما كانت خلافاتنا من مؤتمر الحوار لن نستطيع أن نحقق التحولات الديمقراطية التي نريدها ونتطلع لتغيير حياتنا المعيشية من البؤس الذي نحن فيه منذ خمسين عاماً ، وننتقل إلى مصاف حياة البني آدميين ، بأن تتوفر لنا الاحتياجات الإنسانية الأساسية وأسس العيش الكريم، التي تعتمد على مستوى تفكيرنا وقدراتنا على الاصطفاف الوطني لدعم كل ما يمكن أن يحقق ذلك وأن ندرك بأننا لسنا لوحدنا و هناك أرث ثقيل أمامنا.
الحوار القادم
أخبار متعلقة