اليمن ذلك البلد الذي ظل في نظر العالم مسرحاً للحروب وملاذاً آمناً لخطف الأجانب، وساحة لصراع السياسيين الذي ينتج عنه كالعادة سحق الطبقة المستضعفة.. كل تلك المترادفات المؤلمة كانت الى وقت قريب هي ما يجول في مخيلة العالم عنا، حتى فاجئناهم بقدرتنا على تحويل نار الفوضى التي اجتاحت الوطن العربي الى برد وسلام.
لقد صدق الاخ عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية حين خاطب نظرائه في الدول العربية أثناء خطابه في قمة الدوحة: أعبر عن ثقتي التامة في أن الشعب اليمني سيفاجئ العالم من جديد بنموذجٍ رائع وفريد لتحقيق الإصلاحات والتغيير المنشودين من خلال الحوار وسيبني دولة مدنية حديثة ينعم فيها كلُّ اليمنيين بالحرية والعدالة والمواطنة المتساوية.
فاليمن استطاع فعلاً ترويض الفتنة الآتية على مركب ما يسمى بالربيع العربي، وحين ظن العالم أننا سنغرق في خندق ذلك الربيع المزعوم، تفاجئ بنا ونحن نتغلب عليه بقدرتنا على امتصاص صدماته التي صدعت الدول الشقيقة، وأججت الفتن بين أبنائها.
إن قدرة اليمن على تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، سحبت البساط من تحت أقدام من أرادوا لها السير في نفس دوامة إلا استقرار، فتسليم السلطة بصورة سلمية ووفق إرادة شعبية تمثلت في صناديق الاقتراع، جعل الحالمين بالانقلابات يعضون أصابع الندم، كون تسليم السلطة بتلك الكيفية جنب البلاد ويلات حرب لم نكن نسطيع تحملها، وهنا برزت حكمة اليمنيين حكومة وشعباً باشتراك المعارضة التي عرفت أن وطنيتها تكمن في كونها يمنية تؤمن بأن الحكمة هي نهج اليمنيين دوماً.
لهذا وكما أكد الأخ رئيس الجمهورية: فإن المبادرةُ الخليجية وآليتها التنفيذية فتحت أبواب المستقبل لليمن واليمنيين وهيأت لهم الأجواء ليشارك الجميعُ رجالاً ونساءً وشباباً وشاباتٍ وقوى سياسية واجتماعية في صياغة ملامح هذا المستقبل من خلال مؤتمر الحوار الوطني الشامل، الذي انطلقت قاطرته يوم 18 مارس الجاري وسيتواصل على مدى الشهور الستة القادمة بمشاركة ممثلين لكافة القوى السياسية والحزبية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني والشباب والمرأة.
ولكوننا مختلفين في إدارة أزمتنا وفق رغبتنا لبناء دولة لا لإسقاطها، ولإرساء القانون لا لإلغائه، ومن هنا فإن مؤتمر الحوار هو المنقذ لنا كيمنيين، وهو ما جعلنا متميزين عن الآخرين .. وهو كما قال الاخ الرئيس لإخوانه قادة الدول العربية: «إن مؤتمر الحوار يشكل نقطة تحول تاريخية في حياة اليمنيين، آملين أن تكلل أعمالُـه بالنجاح، ومتفائلين بما ستتمخض عنه من معالجات لقضايا حيوية وحساسة كالقضية الجنوبية التي يعتبر حلها مفتاحاً لحل القضايا الأخرى التي سيبحثها المؤتمر، وأزمة محافظة صعدة، وبناء الدولة الحديثة، وتحديد شكل نظام الحكم، وصياغة الدستور الجديد للبلاد الذي لابد وأن يعكس في نصوصه تطلعات ورغبة أبناء الشعب اليمني في التغيير وتوقهم إلى الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة».
إن تلك النقاط تمثل جوهر الحل الذي سيصل إليه اليمنيون، فبدون الحوار الوطني الشامل تظل كل تلك المعوقات ماثلة أمام الشعب.. ولهذا فإن إدارة ظهرنا لها لن يزيلها عنا، ولكن بجلوسنا معاً تحت مظلة الحوار سيمكننا من حلها وتفويت الفرصة أمام كل من لا يريد لليمن أن تعبر لمربع الأمن والسلام في ظل وطن واحد، وهو ما سيفاجئ الجميع في العالم.
أستاذ مساعد بجامعة البيضاء
اليمن يفاجئ الجميع
أخبار متعلقة