صحيح أنه لا مفر من الموت، مصداقاً لقوله تعالى (كُلُّ نفْسٍ ذَائقَةُ الْموْتِ) آل عمران:184،ولكننا هنا نتحدث عن أسباب وقوعه التي يكون للبشر دور كبير فيها، إما عن قصد وترصد، أو إهمال وعدم احتراس، والعجيب أننا ننتهز حتى مناسبات الفرح لندس فيها طعم الموت، فأعراسنا تحولت من أفراح إلى أتراح، والسبب سوء استخدام السلاح، ظناً من البعض أن العرس لا يتم الا بأنواع شتى من الأسلحة التي تحوله إلى ساحة حرب، تقلق الأحياء، وتخيف الصغار، وكم من رصاصة غافلة استقرت في جسد غافل لا يدري عنها شيئاً.. فإلى متى تستمر هذه الثقافة المقيتة التي ازدادت وتوسعت ظل الانفلات الأمني الناتج عن الأزمة التي مرت بها بلادنا.
الأعياد بدورها تغير حالها، فأصبحت باباً من أبواب الموت، فكم من مسافرٍ ذهاباً وإياباً قبل العيد وبعده، أسلم روحه لخالقها جراء السرعة الجنونية، ويكفي أن نعرف أن نحو 12 ألف شخص توفوا وأصيب نحو 86 ألف اخرين فى 59 ألف حادثاً مرورياً فى اليمن خلال السنوات الخمس الماضية بأضرار بلغت 11 ملياراً و 328 مليون ريال يمنى... وبحسب تقرير رسمي صادر عن ادارة المرور فنحو 33 ألف شخص اصيبوا بجروح بليغة فيما أصيب 41 ألفاً اخرين بإصابات طفيفة فى حوادث المرور خلال الفترة المذكورة.
هذا العدد المهول من الموتى والمصابين، لا نسمع عنه إلا في الحروب، أما في بلادنا فنجده في طرقاتنا التي أصبحت سككاً للموت، بسبب تهاون الحكومة في إجبار مالكي السيارات على فحص سياراتهم، وإصلاح اعطابها، مع تحسين شبكة الطرق التي ساهمت رداءتها في ارتفاع عدد الحوادث، بالإضافة إلى تسخير رجال الإسعاف والحماية المدنية في الطرق الطويلة، لأن تواجدهم يسهم في إسعاف المصابين لأقرب مشفى، فكثير منهم يموتون لعدم وجود مسعف، في ظل تخوف الناس من إسعاف المصابين، حتى لا تتهمهم الجهات الحكومية التي قصرت في الأساس في حماية أرواح الموتى.
البحر كغيره من الأماكن يحصد الأرواح، فشواطئ عدن والحديدة وغيرها من شواطئ اليمن تشهد إقبالاً كبيراً في الأعياد، خاصة من سكان المناطق الجبلية، ونظراً لجهل هؤلاء بقواعد السباحة من جهة، ولنقص التعريف بالمناطق الخطرة من قبل الحكومة من جهة ثانية، يموت الكثير من الأشخاص، والحسرة تكون شديدة عندما يكونون من أُسرة واحدة، وعندها يتحول العيد عند هؤلاء إلى مآتم وعزاء.
تصوروا أن إعصار ساندي المدمر الذي ضرب 15 ولاية أمريكية، لم يخلف ربع ضحايانا في عيد الأضحى، ما بين طرقات وغرق وأعراس، فموتاهم لم يتعدوا الثمانين، فيما لدينا يموت العشرات في تصادم سيارتين، وحوادث القطارات في العالم تخلف عدداً قليلاً مقارنة بحوادثنا.. فإلى متى نظل نؤدي بأرواحنا وأرواح غيرنا الى التهلكة؟؟.
إن هذه الحوادث العرضية يفوق ضحاياها، عدد من فقدناهم جراء الأزمة التي عشناها من رجال الامن وشباب الساحات والآمنين في منازلهم، وهذا مؤشر خطير، أن حياة الناس في خطر، فلا هم يأمنون عليها في أفراحهم ولا تنقلاتهم ولا سباحتهم، وهم قبل الدولة مشتركون في الخطأ، فيما تبقى الدولة مقصرة في ضبط حوادث إطلاق الأعيرة النارية في الأعراس، أو تأمين الشواطئ، أو إصلاح الطرقات وإسعاف من فيها من مصابين، فمن المعيب أن نجد سيارات الإسعاف والنجدة، تتنزه في أسواق القات، بحثاً عن العود الأخضر، فيما الناس يموتون على قارعة الطريق.
إن تلك الحوادث رفعت نسبة الإعاقة في اليمن إلى معدلات كبيرة، حيث تعد بلادنا من أعلى النسب في العالم في عدد المعاقين، وتصل النسبة إلى أكثر من مليوني معاق حيث تأتي الإعاقة الحركية في المقدمة وتليها الإعاقة السمعية والبصرية، وكل ذلك يزيد من الاعباء على الدولة والأسر والأفراد...فمتى نعطي هذا الموضوع اهتماماً يناسب خطورته، خاصة وأنه يتكرر كل عيد، وبهذا أصبح اليمنيون يموتون فرحاً وحزناً.. إنا لله وإنا إليه راجعون، رحم الله الموتى، وشفى المصابين، وصبر أهاليهم أجمعين.
* أستاذ مساعد بجامعة البيضاء
يموتون فرحاً وحزناً
أخبار متعلقة